دائما ما أقول إن الشباب مثل قطعة الأرض، إن لم تزرعها أشجارا وأزهارا، أو تبنى فيها مأوى أو منفعة، ستتحول بفعل الأيام والأيدى العابثة إلى خرائب مفتوحة، لتملأ الدنيا بالروائح الكريهة والمشاهد المقززة بدلا من أن تملأها بالروائح الزكية والمشاهد المبهرة، إن لم تزرع فيها علما وموسيقى وأدبا، سيأتى من يملأ هذه الأمة بالمخدرات تارة والبلطجة تارة والتطرف تارة والإرهاب تارة، والأخطر من كل هذا أن يظل الشاب على حاله، غير مكترث بأى شىء، غير مهتم بأى شىء، غير متفاعل مع أى شىء، مسكونا باللامبالاة والتبلد، فيتحول إلى طاقة سلبية تمشى على الأرض، لا ينفعل مع نداءات الوطن إن نادى، ولا يفرح بالإبداع إن رآه.
أعرف أن مصر فقيرة، أعرف أيضا أن إمكانياتنا المادية لا تؤهلنا لكى نبنى فى كل حى ناد، ولا فى كل قرية قصر ثقافة، لكنى فى الوقت ذاته أدرك تماما أن الإرادة تصنع المعجزات، كما أدرك الحكمة الشعبية من وراء مثل كـ«الشاطرة تغزل برجل حمار» فمصر بها ما يقرب حوالى من 500 قصر ثقافة وبها أكثر من أربعة آلاف مركز شباب، فلماذا لا تستفيد وزراة الثقافة من مراكز الشباب لكى تبث فيها النور المعرفى، فيتضاعف بهذا الرقم عدد منافذ تقديم الخدمة الثقافية فى محافظات مصر من 500 إلى أربعة آلاف وخمسمائة؟
الأمر ليس سهلا، أعرف هذا تماما، لكن ما هى وظيفتنا إن ارتضينا بالسهل فحسب؟ ما هو دور الإبداع المفترض فى صناع القرار إن لم نقبل على تحقيق الأفكار الصعبة؟ ما هو دور الإرادة إن ارتضينا بما هو متاح فحسب؟ وكيف نفخر بأنفسنا إن فعلنا ما يفعل أصلا؟
الأمر يتعدى حدود وزارة الثقافة واختصاصاتها، أعرف هذا أيضا، لكن لهذا خلق الله مجلس الوزراء، الذى يستطيع أن يناقش فى جلساته المتعددة فكرة إتاحة مراكز الشباب لتعليم الشباب أصول الفن والأدب والإبداع، فغالبية الأنشطة الثقافية لا تحتاج إلى إمكانيات مهولة ولا تجهيزات باهظة، فما الذى يكلفه تعليم الشباب العزف على آلة العود مثلا سوى بضعة كراسى فى حجرة مغلقة؟ وما الذى يمكن أن يتكلفه صالون ثقافى مثلا؟ أو تتكلفه دورة لتعليم بحور الشعر ومبادئ النحو والصرف؟ نعم مصر فى أزمة، لكن هذه الأزمة تتطلب حلولا، والحلول تتطلب إرادة، والإرادة وحدها هى التى تبنى المستقبل إن كنا نريد حقا أن يكون لنا مستقبل.