قبل يناير 2011، كنا نتعاطى مع ما تنشره الصحف الأجنبية، خاصة الشهيرة التى تصدر فى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والدنمارك، وما تبثه القنوات والإذاعات الشهيرة، ومن بينها الجزيرة القطرية، باعتباره حقائق مقدسة لا يقترب منها الباطل، كما كنا نثق ثقة عمياء فى تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، واعتبارها أيضًا مقدسة، وتدافع عن حقوق الإنسان!
وعقب يناير 2011، ومن خلال تناول الإعلام الأمريكى والغربى لصخب ما يحدث فى مصر من حراك ثورى، ومنه على سبيل المثال، ما نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية عندما جزمت بأن ثروة مبارك وأسرته تجاوزت 70 مليار دولار، جميعها مهربة فى بنوك سويسرا وبريطانيا، ثم اكتشفنا كذب ادعاء الصحيفة الفج، انهارت قدسية هذه الصحف وتكسرت فى نظر ويقين الغالبية الكاسحة من المصريين!
وكانت النقلة النوعية فى فقدان ثقة المصريين فى وسائل الإعلام الغربية والأمريكية، وأيضًا تقارير منظمات حقوق الإنسان بالكامل، عقب اندلاع ثورة 30 يونيو 2013، حيث اختل ميزان المنطق فى التناول للأحداث، وظهر الانحياز الكامل والأعمى لجماعة الإخوان الإرهابية، وتسابقت معظم المنابر الإعلامية، والمنظمات الحقوقية الدولية، وأفرعها فى مصر، فى نشر تقارير تدين الدولة المصرية ومؤسساتها، وتستميت فى الدفاع عن جماعة إرهابية، وتجعل من ثورة 30 يونيو الشعبية انقلابًا عسكريًا، وكأن الـ 33 مليونًا الذين اكتظت بهم الميادين والشوارع والأزقة والقرى والنجوع فى محافظات مصر المختلفة تطالب بطرد الإخوان وإسقاط نظامهم، وطرد «مرسيهم» من الاتحادية مجرد سراب، رغم أن هذه المنابر دافعت وساندت ودعمت بقوة حراك 25 يناير 2011، رغم قلته وظهوره فى ثلاثة ميادين فقط، ميدان التحرير بالقاهرة، وميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، وميدان الأربعين بالسويس.
واكتشفنا أيضًا أن هذه الصحف والمنظمات الحقوقية لا تنشر حرفًا أو تصدر تقريرًا عن مصر إلا بمقابل كبير، كما فوجئنا أيضًا بأن قطر لها أسهم فى عدد من وسائل الإعلام، وتشترى مساحات كبيرة من صحف «الجارديان» والـ«نيويورك تايمز»، وغيرهما من الصحف الشهيرة، لتنشر موضوعات وأخبارًا تهاجم الدولة المصرية، ومؤسساتها الحاكمة.. القوات المسلحة، والشرطة، والقضاء، كما أنها تنفق أموالًا كبيرة على منظمات حقوق الإنسان، وتتحكم فى بوصلة توجيه اتهاماتها واعتراضاتها على ممارسات بعينها لقلب الحقائق، مثل منظمات هيومان رايتس ووتش، والعفو الدولية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وغيرها من هذه المسميات، فبينما تتحدث هذه المنظمات وتدافع عن قيادات الإخوان والنشطاء والحركات الفوضوية، وتملأ الدنيا ضجيجًا لو صدر حكم من محكمة مصرية ضد إرهابى إخوانى، نجدهم مصابين بالخرس أمام العمليات الإرهابية التى تنفذها «الإخوان» وحلفاؤها «داعش» و«أنصار بيت المقدس» ضد الجيش المصرى والشرطة والمدنيين فى سيناء، على سبيل المثال.
كما تصمت أيضًا أمام ما يرتكبه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من حبس الأبرياء، وطرد المئات من معارضيه من وظائفهم، والتنكيل بهم، وقمع المظاهرات، ودعم الجماعات الإرهابية!
ويوم السبت الماضى، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا بإعدام 75 قياديًا إخوانيًا، فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ«فض اعتصام رابعة العدوية»، والسجن المؤبد «25 عامًا» على 47 آخرين، أبرزهم مرشد جماعة الإخوان محمد بديع، فوجدنا ما يطلق عليها «المنظمة السامية لحقوق الإنسان» تخرج علينا بسهامها وخناجرها، تهاجم الأحكام الصادرة، فى تدخل سافر فى الشأن الداخلى المصرى، وطالبت بوقاحة بإعادة النظر فى عقوبات الإعدام التى أصدرتها محكمة الجنايات السبت الماضى بحق قيادات جماعة الإخوان الإرهابية، فى القضية المعروفة إعلاميًا باسم «فض اعتصام رابعة».
ووصفت ميشيل باشيليت، المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المحاكمة بأنها «غير عادلة»، وقالت فى بيان لها إن هذه العقوبات لو تم تنفيذها فإنها ستمثل «إجهاضًا كبيرًا للعدالة لا يمكن الرجوع فيه»، زاعمة أنه «تم منع المتهمين من حقهم فى الحصول على محامين شخصيين وتقديم أدلة براءتهم، بينما لم يقدم الادعاء دليلًا كافيًا لإثبات الاتهامات الموجهة لكل متهم».
بالطبع، مصر، ممثلة فى وزارة الخارجية وعلى لسان متحدثها الرسمى، السفير أحمد أبوزيد، لم تصمت وقررت تفنيد هذه الادعاءات، قائلًا: «إن مصر ترفض أى اتهامات تشكك فى نزاهة القضاء المصرى، وأن رئيسة المفوضية تولت هذا المنصب منذ فترة قصيرة، لذلك تعاملت مع الأحكام بسطحية».
وأضاف: «يجب ألا ينصب المفوض السامى لحقوق الإنسان نفسه خبيرًا قانونيًا يعلق على أحكام القضاء فى الدول الأخرى، ويجب احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية».
نعم، غير مسموح لمنظمة أو كيان رسمى أو غير رسمى، التدخل فى الشأن الداخلى المصرى بشكل عام، وشأن القضاء المصرى على وجه الخصوص، وبدلًا من التدخل فى شأننا الداخلى، فإنه على هيئة المفوضية السامية أن ترصد ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية ترتكبها إسرائيل فىالأراضى العربية المحتلة، بجانب ما يرتكبه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ضد معارضيه!
ونُقر بأن تدخل المنظمات الحقوقية الدولية لدعم ومناصرة الإخوان والنشطاء يؤكد بما لا يدع مجالًا لأى شك أن الدولة المصرية تسير فىالطريق الصحيح، عملًا بما قاله الشاعر العبقرى أبوالطيب المتنبى: «وإذا أتَتْكَ مَذَمّتى من نَاقِصٍ.. فَهىَ الشّهادَةُ لى بأنّى كامِلُ».
ولَك الله.. ثم جيش قوى.. وشعب صبور يا مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة