-
وثيقة تثبت رغبته الكبيرة فى نشر الوعى الدينى «الذى أصبح الآن مفقودا بنسبة كبيرة» وسعيه المحموم ليقدم «ولو خطوة فى خدمة الدين»
-
نكشف لأول مرة.. بليغ حمدى موزعا موسيقيا لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب.. ونسأل لماذا لا تنشأ وزارة الثقافة متحفا لعرض هذه الآثار الخالدة؟
-
ننشر.. نوتات موسيقية بخط يديه لأغنيات أم كلثوم ونجاة وصباح ومحمد رشدى.. وأغنية لم تنفذ لنجاة الصغيرة ونكشف اسم صاحبة أغنية «مش عوايدك» الحقيقية؟
لا يتنسى لكثير من الأمم أن تحظى بملحن مثل بليغ حمدى، فالمعجزات لا تتكرر كثيرا، وأصحاب البصمة الإبداعية الحقيقية لا يجود الزمان بهم على الدوام، والدليل على هذا هو أننا منذ أن فقدناه منذ 25 عاما، لم يستطع أحمد أن يشغل مكانه، أو حتى يقترب من مكانته، ولهذا فقد حرصنا على أن نتلمس آثاره فيما تبقى منه، حاولنا أن نمرر أعيننا على بصمات أصابعه، أن تسير مع خط يديه كما يسير الأعمى مع دليلة، وهنا ترى ربما لأول مرة بعضا من تلك الآثار، وربما إن أسعدك الحظ تشم فى تلك الأوراق الغالية بعضا من رائحته التى عتقها الزمن.
هنا لابد أن أتوجه بالشكر أولا للسيد تامر حمدى ابن أخو الراحل الكبير «بليغ حمدى» الذى تشعر فى صوته وأدائه بروح بليغ، وشغف بليغ، وطفولة بليغ وانطلاقه، والشكر مستحق أيضا لأنه استطاع أن يقبض على هذا الشتات المتناثر من بقايا متعلقات «بليغ» الذى كان معروفا بأنه لا يتعلق بشىء سوى النغمة الحائرة.
هنا ترى لأول مرة بخط يده ننشر رسائل العشق والتقديس إلى حب العمر «وردة».. ولأول مرة ننشر خواطره ومسودات أشعاره على فراش المرض، ووثيقة تثبت رغبة الكبيرة فى نشر الوعى الدينى «الذى أصبح الآن مفقودا بنسبة كبيرة»، وسعيه المحموم ليقدم «ولو خطوة فى خدمة الدين» كما ترى نوتاته الموسيقية بخط يديه لأغنيات أم كلثوم ونجاة وصباح ومحمد رشدى.. وأغنية لم تنفذ لنجاة الصغيرة وترى لأول مرة بليغ حمدى موزعا موسيقيا لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب، ولك أن تسأل معنا لماذا لا تنشأ وزارة الثقافة متحفا لعرض هذه الآثار الخالدة؟
قبل الرسائل.. عن الحب «اللى كان»
دعيت وردة للحضور إلى مصر، وكانت سعادتها بالغة لأنها أخيرا سترى صاحب لحن «تخونوه» الذى أغرمت به حينما شاهدت فيلم الوسادة الخالية، وبحسب المؤرخ الفنى وجدى الحكيم فقد قال إن شرارة الحب جاءت مع اللقاء الأول، حينما ذهب بليغ إلى وردة لتحفيظها أول لحن قام بعمله من أجلها، حيث أخبره بليغ قائلاً: «أنا عمرى فى حياتى ما اهتززت لعاطفة امرأة إلا لما شوفت وردة أول مرة وأنا بسلم عليها».
وبعد موجات من الحب والغرام وتعنت أهل وردة ورفضهم وابتعاده عنها وزواجها من غيره وإنجابها انتهزت وردة قدوم بليغ حمدى إلى الجزائر ضمن العديد من الفنانين المصريين الذين كان يحتفلون بعيد الاستقلال، فغنى بليغ لوردة «قد اللى فات من عمرى بحبك.. وقد اللى جاى من عمرى بحبك»، وبعدها بعام ونصف انفصلت وردة عن زوجها السابق وأتت إلى مصر وغنت تلك الأغنية التى كانت جسرا عبر عليه بليغ باعثا بنار الحب من جديد الذى كلل بالزواج السعيد.
يا أرق من النسيم وأجمل من القمر
أول هذه الآثار الخالدة التى تدخل إلى القلب مباشرة هو رسائل بليغ حمدى إلى حب عمره «وردة» التى ظل يحبها ويقدس سيرتها حتى آخر يوم فى حياته، ومن خلال هذه الرسائل تستطيع أن تتأكد من شىء غاية فى الأهمية، وهو أن بليغ كان صادقا حقا فى كل ما يفعل، كان صادقا فى حبه، صادقا فى شغفه، صادقا فى سلوكه، صادقا فى ألحانه، فهو لم يكن يتصنع تلك الحالة الفريدة من الهيام بالمحبوب فى أعماله، وإنما كانت ألحانه انعاكسا حقيقى لما يدور فى قلبه من هيام ووله، وقد اشتهر عن بليغ أنه كان دائما ما يبعث برسائل الحب إلى وردة عبر أصوات المطربين الذين يؤدون ألحانه، وأشهر واقعة على هذا هى أغنية «بعيد عنك حياتى عذاب ما تبعدنيش بعيد عنك» فقد عرفت أم كلثوم أنه أرسل عبرها رسالة إلى وردة فاستدعته وقالت له: «تعالى يا واد أنت.. أنت بتعملنى كوبرى للبت اللى بتحبها؟» فقال لها: بتقولى ليه كده يا ست؟ فقالت له: كلمات الأغنية دى كلها رسايل، وقد كانت محقة فى اتهامها فقد قصد بليغ فعلا أن يبعث رسالة إلى وردة بهذه الأغنية، وبالفعل اختار أروع رسول لحمل هذه الرسالة، لكنه هنا يجدر بنا أن نسأل: ألا يوجد رسائل حقيقية من ورق وحبر فى كل هذه العلاقة الغرامية الشهيرة؟
الإجابة تأتينا عبر «وردة» نفسها فقد قالت فى أحد البرامج التليفزيونية إنها طوال فترة زواجها من بليغ حمدى التى بلغت حوالى أكثر من 7 سنوات كانت تتلقى منه يوميا «بوكيه ورد» يعبر لها فيه عن حبه، ويبعث إليها من خلاله ما يريد من رسائل، كما أكد لى الصديق الروائى «طلال فيصل» مشكورا هذا الأمر، وقال إنه إثناء أعداد روايته عن «بليغ حمدى» قابل بعضا من هذه الرسائل، لكننى مع هذا لم أكن أعرف على وجه التحديد أين ذهبت كل تلك الرسائل الغالية؟ ولم أعرف كذلك وما الذى تبقى منها وأين؟، وفى الحقيقة كنت يائسا من إيجاد أى أثر لتلك الرسائل القصيرة، وأنا أسأل الأستاذ تامر حمدى ابن أخو الفنان بليغ حمدى عنها، لكنه فاجئنى بأنه يحتفظ ببعض منها، وأنه استطاع أن يعثر على ست رسائل مكتوبة بخط يد بليغ حمدى المنمق، إلى السيدة «وردة حمدى» ننشر هنا نصها الكامل:
الرسالة الأولى
فى ظرف خارجى صغير موجه إلى السيدة «وردة حمدى» وضع بليغ «رسالته القصيرة قائلا: الحبيبة مراتى.. يا أرق من النسيم وأجمل من القمر وأحن إنسانة فى العالم كله.. حبى ليكى لا ينتهى ولن ينتهى.. بيكبر زى الورد......... أموت فيكى إلى الأبد. بليغ حمدى
وفى هذه الرسالة نستطيع أن نرى ما كان يتمتع به «بليغ» من خيال شعرى وقدرة على صياغة التشبيهات الممتدة مدعما حبه بخيال حقيقى، كما نستطيع أن نتأكد من صدقه، لأنه بالفعل ظل كان يعنى ما يقول حينما قال «حبى ليكى لا ينتهى ولن ينتهى» فقد ظل يحبها كما قلنا حتى آخر يوم فى حياته.
الرسالة الثانية
الرسالة مكتوبة على قطعة ورق يشبه ورق النوتة الموسيقية، ويبدو أن بليغ كان لا يجد «كروت» لكتابة رسائل الورد، ولم يقبل أن يمر الورد هكذا دون أن يحمل بعضا من روحه فكتب الرسالة على ما وجده أمامه من ورق، أو ربما أراد أن يوصل رسالة مضمرة تقول لوردة إن حبه لن ينفصل عن الموسيقى، ولن يجد له معبرا سوى الموسيقى، وهو الشىء الذى أكدته وردة نفسها فى الكثير من لقاءاتها التليفزيونية، حيث قالت «إن كل أغنية حب لحنها بليغ كان لها شىء فيها» فإلى نص الرسالة
«زوجتى.. وروحى وحب عمرى.. كل سنة.. وأنت مراتى.. كل سنة وأنتى حبيبتى.. كل سنة وأنت فى نجاح.. كل سنة وأنت فى أمل جديد.. أحبك بليغ حمدى»
الرسالة الثالثة
تحمل هذه الرسالة تاريخا هو 24 سبتمبر من عام 1978 ويبدو أنها أتت بعد ليلة من الخلاف والغضب، فيبدو بليغ فى هذه الرسالة معتذرا عن شىء ما، لكن لأنه من العشاق النادرين فإنه يعرف قيمة الاعتذار للمحبوب، كما يعرف قيمة العتاب والمصارحة فهو الذى لحن «أنا وأنت.. نسينا حتى نتعاتب ونتصارح»، ولا يريد لنفسه أن يصبح كبطل «ظلمنا الحب» أو أن تقول له حبيبته ذات يوم «عز عليك تسيب العند وتسامح..عز على أكون البادى واتصالح»، كما أنه لم يحتمل أن يصبح «كل يوم بينا.. يفوت أصعب من إمبارح» فكتب قائلا:
«زوجتى وحب عمرى.. مساء الخير يا أحلى ست فى الدنيا معلش أنا عارف إن إمبارح زعلتك.. لكن استحملينى شوية يا نور عينى اليومين دون وحقك على زوجك اللى يحبك إلى الأبد، زوجك بليغ حمدى».
الرسالة الرابعة
رأينا فى الرسائل السابقة كيف كان بليغ يفضل دائما أن ينادى وردة بكلمة «زوجتى»، وكيف أسماها فى إحدى الرسائل «السيدة وردة حمدى»، مؤكدا على الظرف الخارجى نسبتها إليه هو، كما حملت تلك الرسائل نفس المضمون التعهدى الذى يكاد يقسم بليغ حمدى فى كل رسالة عليه وهو التعهد بالحب الدائم، وفى تلك الرسالة الرابعة التى تعد أقصر الرسائل يؤكد بليغ على ذات المعنى مضيفا إليها معنى القداسة التى يشعر بها تجاه هذا الحب فيقول:
«زوجتى الحبيبة.. حبى لك إلى آخر يوم فى عمرى.. أقدسك.. زوجك بليغ حمدى»
الرسالة الخامسة
فى هذه الرسالة التى تتشابه مع الرسالة الثالثة يبدو أنها أيضا أتت بعد ليلة من الخلاف الزوجى، لكن بليغ هذه المرة كان مبدعا فى اعتذاره كما هومبدعا فى ألحانه، فقد اختار أن يناديها فى تلك الرسالة بأعظم صفة يمكن أن ينادى بها زوج زوجته، فلم يقل لها «حبيبتى» ولا «زوجتى» ولا «عمرى» ولا «روحى»، ولكنه قال لها فى بدايتها «أمى» وهو بهذا النداء ينهى أى خلاف محتمل، مؤكدا لحبيبته أنها يحتاجها مثلما يحتاج الطفل إلى أمه، كما يؤكد لها انتسابه إليه لا انتسابها إليه، فيقول فى نص الرسالة
«أمى.. نور قلبى.. كل حاجة حلوة أنت.. ليلة إمبارح مجانيش نوم.. عشان خاطرى حقك عليه.. وأموت فيكى.. زوجك بليغ حمدى».
الرسالة السادسة
كتب بليغ حمدى هذه الرسالة على أحد الكروت الشخصية لها، حيث يتوسط اسمه الطبوع على الورق كلمات الرسالة، ويبدو أنها جاءت بعد رحلة قضتها وردة خارج مصر، كما يعتذر فى هذه الرسالة عن عدم ذهابه لاستقبالها فى المطار لظروف مرضه فيقول:
«زوجتى وحب حياتى.. حمد الله على السلامة فى بلدك وبيتك.. وأهلك..وحشنى العالم كلها والدنيا كلها يا نور عنيه.. روحى.. حياتى.. نور قلبى أنا.. أموت فيكى ولولا مرضى لكنت فى المطار.. أخيرا.. أعبدك زوجك «بليع حمدى».
مولاى إننى ببابك قد بسطت يدى
يعرف الجميع بليغ حمدى ملحنا عاطفيا عظيما، ويعرفونه أيضا ملحنا لأهم ابتهالات سيد النقشبندى فلا يجهل أحد ابتهال «مولاى أنى ببابك» التى يغمرنا بها النقشبندى عبر نغمات بليغ المؤثرة الحية، مقتديا بذلك بأئمة الألحان فى مصر مثل الشيخ سيد درويش الذى لحن للشيخ على محمود «إن ميلاد الرسول» والشيخ زكريا أحمد الذى لحن أيضا للشيخ على محمود «يا نسيم الصبا، لكن ربما لا يعرف الكثيرون تلك الحالة الصوفية التى كان يعيش فيها بليغ، لكن من السهل تخيلها، فهذا الرجل الذى عاش بالصدق وللصدق لم يكن له أن يغيب عن حالة الهيام فى الله وفى حب مخلوقاته والتأمل بها، فما من تسجيل لبليغ حمدى ولأحد أغنياته إلا وتجده يفتتحه باسم الله الرحمن الرحيم، وكذلك لا نادرا ما تجد له نوتة موسيقية إلا وعليها اسم الله، وفى هذه الوثيقة التى ننشرها اليوم يخاطب بليغ حمدى مدير المنوعات بالإذاعة لكى يسمح له بنشر ابتهالات «النقشبندى» التى أذعها فى رمضان فيقول له: «أرجو التصريح بطبعها على أسطوانات ونقلها، وذلك مساهمة منا فى نشر الوعى الدينى الذى أصبح الآن مفقودا بنسبة كبير وكذلك نقدم ولو خطوة فى خدمة الدين».
من نجاة الصغيرة إلى لطيفة إلى أحمد عدوية
من بين أوراق الملحن الكبير بليغ حمدى وجدت نوتة موسيقية مكتوبة بخط يده لأغنية بعنوان «حضرة صاحب المحبة»، وفى الحقيقية فأنا لم أكن أعرف تلك الأغنية من قبل، فاضطررت إلى البحث عنها على الأنترنت، فأول ما وجدته هو خبر منشور فى موقع «اليوم السابع» بتاريخ 24 نوفمبر 2013 مضمونه أن المطرب الشعبى الكبير أحمد عدوية، قرر ضم أغنية «حضرة صاحب المحبة» كلمات الشاعر بهجت قمر، وألحان الموسيقار العبقرى الراحل بليغ حمدى، إلى ألبومه الغنائى الجديد «بلا هوى بلا عشق»، حيث يعتبرها المطرب من أجمل الألحان التى صنعها الموسيقار الراحل، وتتميز بالإيقاع الشجىّ الذى يحظى بتجاوب من الجمهور، وفى الخبر أكد عدوية أنه اختار هذا اللحن تحديدا ليضمه للألبوم بعد رحلة من التفكير مع نفسه، حيث توافق إحساسه مع الكلمة وجمال اللحن، وانطلقت أصوات اللحن من أعماق الماضى تذكره بكواليس الأغنية التى جمعته ببليغ حمدى وظلا يدندنان معا وقت تلحينها، أما ثانى ما وجدته هو أن الأغنية ذاتها قدمتها المطربة التونسية «لطيفة» فى أحد ألبوماتها، ويستطيع أى شخص أن يستمع إليها على مواقع الإنترنت، لكن المفاجأة الكبيرة التى كانت فى انتظارى أن تلك الأغنية لم تكتب فى الأصل لا للطيفة ولا لعدوية وإنما للسيدة «نجاة».
مش عوايدك كانت لوردة وليست لـ«ميادة الحناوى»
من بين الوثائق التى عثرت عليها كانت وثيقة بخط اليد تحتفظ بكلمات أغنية مش عوايدك، التى غنتها «ميادة الحناوى»، لكن هذه الوثيقة تثبت أن تلك الأغنية لم تكن فى الأساس لميادة وإنما كانت لوردة، ويجب هنا أن نذكر أن تلك الوثيقة ليست مكتوبة بخط يد بليغ نفسه، وإنما كانت مكتوبة بخط آخر ربما يرجع إلى الشاعر أحمد حلمى الذى كتب كلمات الأغنية، كما عثرنا على وثيقة أخرى تثبت أنه كتب أغنية «الحب اللى كان» لميادة الحناوى فى أيام مرضه، حيث دون عليها موعدا هو «10 وربع المستشفى القبطى»، كما عثرنا على نوتات موسيقى تثبت أنه كان يعيد توزيع أغنيات سيد درويش وأغنيات عبد الوهاب، وفى اعتقادى أن بليغ كان من الملحنين القليلين الذين يستطيعون توزيع الأغنيات لعلمه الموسيقى الكبير، وقدرته على تمثل الموسيقى وحفظها فقد استمعت إلى بروفات كثيرة له يحفظ الموسيقيين اللحن بالأحرف الموسيقية «السولفيج» حرفا حرفا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة