يموت الناس طوال الوقت، وهذه هى سنّة الحياة، ولادة وموت، والله يمتحننا فى الحالين، يفتتنا بالميلاد ويعظنا بالموت، لكن فى الحقيقة لا يتعظ كل الناس بكل الموتى، فقط بأولئك القريبين منهم أو الذين يعرفونهم أو تعاملوا معهم، لذا أسأل نفسى ما لى تأثرت وظللت صامتا حزينا عندما علمت برحيل الفنان رشيد طه.
مات رشيد طه الجزائرى المولد والفرنسى الجنسية بعد إصابته بأزمة قلبية فى شقته بفرنسا، وأولى مفاجآتى أن عمره وصل إلى 59 عاما، لا أعرف كيف، وأنه مات وحيدا، لم يكن أحد بجواره فى هذه اللحظة.
عرفت رشيد طه فى وقت مبكر بالتحديد فى عام 1998 عندما قدم أغنية «عبدالقادر»، والتى تعد واحدة من أنجح الأغنيات وأكثرها تأثيرا وانتشارا فى ذلك الوقت، وفى هذه السنوات المبكرة فى عمر الصعيد، لم نكن نعرف للتليفزيون سوى قناتين الأولى والثانية، ومن أجل هذه الأغنية كنت أتابع جميع البرامج التى تهتم بالفن العربى والغربى على أمل أن تعيد إذاعة هذه الأغنية الساحرة.
ومنذ تلك الأيام وأنا معجب برشيد طه، الذى لم نكن نسبق اسمه بكلمة شاب مثل باقى المطربين الجزائريين الذين نسمع عنهم، ويومها أعجبت بهيئة رشيد طه التى تحمل هيئة «بربرية» قادمة من جزائريته، ومن «صوته القوى»، وصار رشيد طه يمثل عندى هيئة الجزائرى، بهذه الملامح الخاصة جدا، وهذا الطول الذى يدل على أن للصحراء نصيب فى النشأة، وهذا الصوت الآمر، الأقرب لـ«الخشونة» بعض الشىء، وبقيت فترة من حياتى إن تطابقت هذه الصفات الجسدية على شخص ما فهو جزائرى أو على الأقل مغاربى.
أما فيما يتعلق بالأغنية، التى تحولت إلى أيقونة موسيقية، وأعتقد أنها لو صنعت فى زمن الثورة التكنولوجية التى نعيشها الآن، كنا سنظل ندور فى فلكلها كثيرًا، وذلك لأنها لم تكن مجرد أغنية والسلام، المهم أن يومها أعجبنى هذا الاحتشاد لصناعة أغنية جميلة، لم يكن رشيد طه وحده، رغم أننى رأيته النجم، بل كان معه أيضًا الشاب خالد والشاب فضيل، وجماهير لا تحصى وأوركسترا كاملة وقصيدة صوفية وحالة من النشوى لا توصف.
الصور الأخيرة لرشيد طه تكشف أن العمر ترك أثره على ذلك الجسد المفتون بالموسيقى، أما موته فقد أكد لى بأن «عمرى» مر دون أن أتنبه، أو لعلى لا أريد الانتباه، فقط أصاب بالحزن لأن زمنًا جميلًا أغلق بابه فى وجوهنا واستراح منا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة