للأسف نفتقد كثيرا هذه الأيام شجاعة الابتكار والتجريب فى الوقت الذى نحتاج إلى هذه الفضيلة الغائبة، فمثلا فى مجال السياحة نحن لا نفكر فى تنويع روافد هذه السياحة ولا تعظيم الاستفادة من آثار مصر المتباينة، فقد دعوت منذ أكثر من سنة حينما احتفلت مصر بإتمام ترميم مصحف الصحابى الجليل عثمان بن عفان، وهى نسخة أصلية موجودة فى مصر تعد من أقدم نسخ القرآن فى العالم، لتعظيم الاستفادة من سياحة الآثار المقدسة، لكن للأسف لم أر حتى الآن ما يمكن أن نصنفه فى قائمة «الاستجابة» ولا حتى «التفاعل» وهو ما يدل على أننا نسير فى اتجاه واحد، ونعبد ما وجدنا عليه آباءنا مثلنا مثل كفار قريش.
يا سادة، إن فى مصر العديد من الآثار القيمة التى من الممكن أن نصفها بالمقدسة، فلدينا عدد كبير من متعلقات الكعبة سواء الستائر أو الأبواب، ولدينا أيضا مفتاحان من مفاتيحها، ولدينا بعض قبور الصحابة، ولدينا بعض قبور آل البيت، ولدينا العديد من الشواهد الأثرية لفترة الخلافة الراشدة، ولدينا الكثير من المخطوطات التى تعود إلى بعض الصحابة، وهو ما يدعونا إلى التفكير مليا من أجل إتاحة هذه المقتنيات الثمينة للجمهور بشكل ميسر، وكنت قد اقترحت فى السابق إنشاء متحف بعنوان «متحف الكعبة» ولم يستجب أحد ولم ينتبه أحد، والآن أقترح أن نؤسس متحفا آخر باسم «متحف الآثار المقدسة» الذى نجمع فيه جميع المتعلقات الخاصة بالأنبياء أو الصحابة أو الأماكن المقدسة.
تلك الفكرة إذا ما استثمرناها سياحيا ودينيا بشكل جيد، فمن الممكن أن تأتى لنا بالعديد من الفوائد الكبرى، فتحسين صورة مصر فى العالم الإسلامى لا يتم إلا بمشاريع كهذه، وتعميق دور مصر وإسهامها فى الحضارة الإسلامية تؤكده أفكار كهذه، وإنعاش الاقتصاد المصرى لا يتم إلا بمشروعات كهذه، وإذا ما استطعنا أن نخصص برنامجا سياحيا مصريا لهذه المقتنيات المقدسة، والأماكن المقدسة سنفتح بابا جديدا للسياحة المصرية يجعلها أكثر تنوعا وأكثر ثراء ورسوخا.
أنتهز هذه الفرصة لأذكر الجميع بفكرة إنشاء متحف الكعبة الذى أشرت إليه سابقا، وتكمن أهمية عمل متحف خاص باسم «متحف الكعبة» فى أننا نعتنى فيه بكل تراث الكعبة فى مصر، من كسوات أو مفاتيح أو حتى تحف منقولة كانت مخصصة للاستخدام فى الحرمين الشريفين، بما فى ذلك التراث الشفهى والأناشيد الدينية، ولا أبالغ إذا قلت إننا لو أنشأنا هذا المتحف بدرجة كبيرة من الاحترافية والفنية فإنه سيصبح من أهم محطات السياحة الدينية فى مصر، بشرط أن يتم تجسيد كل مشاعر الحج فيه، ولو حتى بشكل مبسط، فيتحول التجول فى المتحف إلى ما يشبه الدورات التدريبية لمحاكاة أداء فريضة الحج، وشىء كهذا سيجعل كل من يريد حج بيت الله الحرام سيأتى إلى مصر ليرى بدائع الفن ويتدرب على إقامة الفريضة بشكلها الراقى المقدس، ولا تحتاج مصر لإنشاء متحف كهذا سوى «قرار» و«إرادة»، خاصة أننى أعلم تماما أن مصر تحتفظ بالعديد من القطع الفنية المبهرة التى تصلح لتأسيس عدة متاحف وليس متحفا واحدا فحسب.