لا يختلف أحد على فكرة أن توفير الطعام والشراب مسألة أمن قومى، ففى النهاية كل ما تقوم به الدول من أنشطة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، يجب أن يستهدف شيئا واحدا هو رفاهية المواطن، وفى أوقات الشدة تستبدل الدول كلمة الاكتفاء بكلمة الرفاهية، والمقصود من الاكتفاء هنا هو الاكتفاء من الاحتياجات الأساسية للإنسان التى نعرف أنها «مأكل وملبس ومأوى»، وكذاب من يدعى أن مصر الآن لا تمر بأزمة غذاء حقيقية، فأسعار الخضر والفاكهة أصبحت غير قابلة للاستيعاب، وفى الوقت الذى نادى بعض المواطنين بمقاطعة الخضر والفاكهة من أجل إجبار التجار على تخفيض أسعارها، امتنع الكثير من التجار فى الأساس عن شراء الخضار وبيعه.. لماذا؟ لأن أسعار الخضار فى الأساس صارت مرتفعة فى أسواق الجملة، وإذا أضيف إليها مصاريف النقل مع هامش ربح بسيط ستصبح مرتفعة جدا، وهو ما يجعل فرصة بيعها كلها أمرا مستحيلا فى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية، وبالتالى سيفسد جزء كبير منها وهو ما سيحمله «الخضرى» بالطبع على ما لم يفسد، وبالتالى سيتضاعف السعر، وتتضاعف فرص عدم البيع!
نتيجة لما سبق، فقد خلت الأسواق «تقريبا» من الخضراوات والفاكهة، وما هو معروض بالكاد يسد حاجة «القادرين» أما غير القادرين فلهم الله.
هل انتهت الأزمة عند هذا الحد؟ بالطبع لا، فبخلاف الآثار الصحية السلبية التى سيتسبب فيها نقص الخضر من البيوت، فإن ما سبق يعنى أيضا أن هناك شرائح كبيرة من المواطنين ستضاف إلى قائمة البطالة، ما بين خضرية وتجار خضار وتجار جملة وعاملين فى مجال النقل ومزارعين، وقد يعنى أيضا تبوير الكثير من الأراضى، لأنها لم تعد تأتى بفائدة على مالكيها، وهو ما سيضاعف من آثار هذه الأزمة، إذا ما تكرر ما يحدث الآن فى هذا الموسم فى موسم آخر أو موسمين.
هنا لا بد أن تتدخل الدولة بكل ثقلها من أجل معالجة هذه الأزمة التى أعرف أنها طارئة، فنعم تمر مصر بمرحلة إصلاح اقتصادى بعد شبه انهيار، لكن ما أعرفه هو أن الدولة كانت فيما مضى تبنى «مساكن إيواء» لمن تنهار بيوتهم حتى تنتهى من بناء مساكن شعبية لإيوائهم، وهو إجراء «طارئ» ناتج عن ظروف «طارئة» لماذا لا تتدخل الدولة الآن بنفس آلية «مساكن الإيواء» لمعالجة أخطار هذه الأزمة، سواء بدعم المزارعين أو توفير أساطيل النقل أو توصيل الخضراوات إلى المنازل؟