فى إسرائيل لا تتوحد كل القوى المتناحرة إلا حول المؤسسة العسكرية، وحول القيم الإنسانية والأخلاقية، ويظل تناحرهم واقتتالهم السياسى مستعرا طوال الوقت، ويتوقف الاقتتال فى الثانية التى يعلن فيها جيش بلادهم المحتل، خوض الحرب أو حتى إعلان التعبئة على الحدود المصرية، على النقيض تماما مما تنتهجه المعارضة فى مصر!
نعم، تظهر معادن القوى الوطنية المعارضة، وتتكشف أهدافها الحقيقية عندما يتعرض الوطن لمخاطر تهدد أمنه واستقراره، فإذا كانت المعارضة همها الأول والأخير مصلحة الوطن العليا والمحافظة على أمنه القومى بمفهومه الشامل، تُنحى اختلافاتها الأيديولوجية وتتوقف عن خوض المعارك السياسية مع النظام القائم، وتلتف حول راية الوطن، حتى تعبر البلاد أزمتها، أيا كانت النتائج.
أما المعارضة الباحثة عن مصالحها الخاصة، وتضم عاطلين ومحالين على المعاش، فترى فى الوصول للسلطة فرصة عمل ووظيفة، وليس بغية الإيمان بأفكار وأيديولوجيات تتواءم مع أفكار الشارع، وتعمل بقوة على تقدم وازدهار الوطن، فخذ عندك، الدكتور محمد البرادعى، طوال عمره لم يفكر فى مصر شعبا وأرضا، حتى خروجه من إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجلوسه على مقهى المعاشات فى إحدى حوارى فيينا، هنا خطرت على باله فرصة عمل ثمينة، رئاسة مصر، وعاد الرجل فى 2010 وبدأ التجهيز للحصول على «فرصة العمل الذهبية»، ورأى فى سرطان 25 يناير 2011، الفرصة للوصول إلى حكم مصر بالتعيين أو عبر استفتاء شعبى وليس بخوض انتخابات ديمقراطية حرة، إلا أنه اصطدم بوجود مطامع من «عاطلين» آخرين فى الحصول على نفس فرصة العمل الذهبية، مثل حمدين صباحى وأيمن نور، وعمرو موسى وعبدالمنعم أبو الفتوح وخالد على فأصيب بصدمة كبرى، ووجد الفرصة مواتية فى ثورة 30 يونيو 2011 وتخيل أن المجلس العسكرى سيدفع به رئيسا مؤقتا للبلاد، ولكن خاب ظنه للمرة الثانية، وتم تعيين عدلى منصور بصفته رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، رئيسا مؤقتا للبلاد، واختيار البرادعى نائبا له، وهو ما يتصادم مع طموحه وأحلامه، فاتخذ من فض اعتصام رابعة حجة، ليهرب ويغادر البلاد.
نفس الأمر ينطبق على الثورى والحزبى حمدين صباحى الذى اعتبر 25 يناير فرصة ذهبية للحصول على الوظيفة «اللقطة» حكم مصر، دون أن يدرى أن هناك «غول» يتربص بكل السلطات فى مصر، ولديه استعداد لالتهام كل خصومه دون رحمة من أجل الاستحواذ والسيطرة على كل السلطات، متمثلاً فى جماعة الإخوان الإرهابية وذيولها والمتعاطفين معها، وبالفعل سيطرت الجماعة على الحكم، وللأسف فإن وصول الجماعة الإرهابية وسيطرتها على الحكم جاء بعد أن امتطت ظهور وأكتاف المعارضة المتدثرة بالعباءة المدنية والداعية عمال على بطال إلى الحرية.
إذن المعارضة المصرية لا تؤمن بأيديولوجيات وليست لديها برامج ورؤى وأهداف وطنية بالدرجة الأولى تعمل على نهضة البلاد، والقدرة على الإدارة، خاصة إدارة الأزمات، وإنما ترى فى السلطة فرصة عمل رائعة وذهبية، ويتقاضون راتبا شهريا، وتسخر لهم مواكب سيارات وحراسة، ويسافرون إلى معظم الدول!
هنا تظهر الفروق الواضحة بين الزعامة الوطنية، وبين الباحث عن فرصة عمل فى قصور السلطة، فالزعيم تخلقه المواقف والقرارات الكبيرة، والتفانى فى حب الوطن ومواصلة العمل ليل نهار من أجل رفعة وسمو بلاده دون النظر للعائد، ومن أمثال هؤلاء الزعماء غاندى ومانديلا، أما الباحث عن وظيفة من أمثال البرادعى فهو بالتأكيد موظف، مثله مثل ملايين الموظفين، لا يصلح إلا لإدارة مركز شباب، وليس دولة.
وبعيدا عن طرحنا ورأينا فى المعارضة فإن مفهوم المعارضة السياسية، كما دشنها خبراء، من أعقد المواضيع فى الفكر السياسى، وذلك بعد أن أصبح مطلوبا من المعارضة أن تتحلى بالحذر والحيطة والاحتراز فى معارضتها للحكومات خصوصا عندما يكون الوطن فى خطر ومحنة، وأن يكون النقد الموضوعى البناء المتوازن المتدرج هو مهمة المعارضة الأولى والأعلى.
وتأسيسا على مفهوم الخبراء لتعريف دور المعارضة نؤكد أن المعارضة المصرية لا يحلو لها أن تسن سكاكينها وخناجرها وتقوى شوكتها وتستعرض عضلاتها للنظام سوى عندما تخوض بلادنا معارك ضروسا، سواء معارك ضد الإرهاب فى الداخل، أو معارك عسكرية شاملة مثل التى تدور رحاها الآن تحت اسم «سيناء 2018»، ووجدناهم يخرجون مؤخرا فى حملة شعواء، لاغتيال وتشويه الشرفاء، واعترف أحد الإخوان البارزين سيف عبدالفتاح الهارب فى تركيا، فى تصريحات غريبة على إحدى قنواتهم، أنهم غيروا تكتيكاتهم للنيل من الرئيس عبدالفتاح السيسى، شخصيا، لإنقاذ «الخميرة» ولأول مرة يظهر مصطلح سياسى من نوعه «خميرة» يدشنه أحد أبرز خبراء السياسة فى نظر الجماعة الإرهابية.
ونحن هنا حذرنا فى مقالات سابقة من خطط الإخوان والقوى التخريبية فى الداخل، من تكتيكاتهم فى الحرب الشاملة ضد الوطن، بدءا من الحملات الصاخبة والمزعجة على مواقع التواصل الاجتماعى، للتشكيك والتسخيف فى كل القرارات والمشروعات والإنجازات والقضايا المختلفة، وإشاعة الرعب فى قلوب المصريين باغتيال سمعة الشرفاء المدافعين عن وطنهم .
اعتراف القيادى والخبير السياسى الإخوانى سيف عبدالفتاح، فى تصريحاته التليفزيونية خلال الساعات القليلة الماضية بأنهم غيروا من تكتيكات حربهم ضد النظام، ويستهدفون الرئيس شخصيا، يؤكد ما حذرنا منه فى مقالات سابقة، عن تغيير الجماعة لتكتيكاتها العدائية والتخريبية ضد مؤسسات الدولة، وتغيير نهج وأعضاء لجانها الإلكترونية على السوشيال ميديا..!!
ولك الله ثم جيش جسور يا مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة