«الصين وأفريقيا.. نحو مجتمع أقوى ذى مستقبل مشترك عن طريق التعاون المربح للجميع»، هذا هو العنوان العريض شديد الدلالة الذى أقيمت تحته القمة الصينية الأفريقية فى فوكاك، بمشاركة زعماء وقادة ورؤساء 53 دولة بالقارة السمراء وأكثر من 1000 من مديرى الأعمال والمسؤولين الاقتصاديين الذين وقعوا اتفاقيات للتعاون والاستثمار بلغت 60 مليار دولار مع الجانب الصينى.
اللافت فى هذه القمة التى يمكن التأريخ بما قبلها وما بعدها فى العلاقات الدولية، أنها تقدم وجها محمودا وعادلا يصل إلى حد المثالية، لعلاقات دولة عظمى بمجموعة الدول النامية والساعية للتطور فى قارة أفريقيا، فلم تر الدول الأفريقية خلال القرون الثلاثة الأخيرة من أوروبا المتقدمة عنها إلا الوحشية والنهب المنظم والاستعمار السياسى البغيض وربط أى مساعدة تنموية أو تكنولوجية بما يشبه العبودية من الطرف الأضعف أى الأفارقة إلى الطرف الأقوى أى الأوروبيين، حتى بعد حركة التحرر الكبرى للدول الأفريقية خلال القرن الماضى بقيادة مصر، ظلت فلول الأوروبيين ومن بعدهم الأمريكيون يمتصون دماء أفريقيا وينهبون ثرواتها بعد نشر الاستبداد والحروب الأهلية والفوضى بها.
ومن هنا تأتى الأهمية الكبرى لخطاب الرئيس الصينى شين بينج ومجموعة اللاءات التى أعلنها إطارا لعلاقات الشراكة العادلة بين بكين ودول القارة الأفريقية، فكلمة الرئيس الصينى التى جاءت تحت عنوان «المضى معا نحو الازدهار»، تضمنت لا للتدخل فى شؤون دول القارة، ولا للتدخل فى استكشاف الطرق التنموية التى تتناسب وظروف كل بلد بالقارة، ولا لربط أى مساعدات بالشروط والمطالب والتوجهات السياسية، ولا للسعى لكسب مصلحة سياسية خلال الاستثمار والتمويل، أى أن القطب الصينى يقدم للقارة الأفريقية لأول مرة فى تاريخها المسار الصحيح للتعاون والشراكة وتبادل المنافع ونقل الخبرات ودعم جهود التنمية، ولذلك نقول إن قمة الصين أفريقيا ستؤرخ بما قبلها وما بعدها وستعيد لاصطلاح «الاستعمار» كامل دلالاته الإيجابية قبل أن يلوثه الغرب.
ومثلما كان لمصر دور قيادى فى دفع الدول الأفريقية للتحرر من الاستعمار الغربى البغيض خلال القرن الماضى، كان لديها حضور لافت وقيادة فى قمة الصين أفريقيا، حيث احتفى الصينيون، رئيسًا ونخبة وإعلامًا بالتجربة المصرية التى استطاعت مواجهة مشروع الفوضى الخلاقة والتحول لبناء الإنسان ومؤسسات الدولة من جديد، والانطلاق فى مشروعات عملاقة على مستوى التعليم والصحة، ومواجهة الفقر والتعمير جنبًا إلى جنب مع مواجهة الإرهاب ودحره وتأمين مجالات الحياة والاستثمار والتنمية، ولذا لم يكن غريبًا أن يوقع الوفد المصرى اتفاقيات تعاون واستثمار وتنمية مع الجانب الصينى تجاوزت 18 مليار دولار من إجمالى 60 مليار دولار خصصتها بكين لدعم التنمية والاستثمار فى الدول الأفريقية.
ومن يتأمل محاور كلمة الرئيس السيسى خلال قمة الصين أفريقيا لابد وأن يدرك أن القاهرة ستكون خلال السنوات الثلاثة المقبلة بوابة أفريقيا للشراكة مع الصين، ودعم هذه الشراكة لإصلاح الخلل والظلم فى العلاقات الدولية والمؤسسات الأممية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
السيسى أكد خلال كلمته على أن تحقيق التنمية المستدامة وتوفير مزيد من فرص العمل للشعوب الأفريقية، وتطوير البنية التحتية القارية، وتعزيز حرية التجارة فى إطار اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية القارية، وتطوير المنظومة الاقتصادية الأفريقية وتنويعها، وتعزيز المنظومة الصناعية، هى عناصر رئيسية ضمن أجندة أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقى فى 2019، حيث بات جليًا أن التنمية والتحديث هما أقوى سلاح لمجابهة أغلب التحديات المعاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كالإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، والفقر والمرض، والحمائية الاقتصادية والتجارية.
وفى هذا السياق، قدم السيسى للعالم ولقمة الصين أفريقيا، المنطقة الاقتصادية لقناة السويس كمركز لوجيستى واقتصادى، يسهم بفاعلية فى تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقًا استثمارية رحبة فى مجالات النقل والطاقة والبينة التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطًا تجاريًا واقتصاديًا وإنسانيًا، يتكامل مع مبادرة «الحزام والطريق»، ويربطها بأفريقيا.
وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة