تدهشك ابتسامته المضيافة، لا تصدق أنها لك أنت، ياالله على هذه الابتسامة، هذا الوجه أتذكره تماما، وهو يتذكرنى أيضا، يصافحك بحرارة تشعر وكأن روحه تقفز من بين أضلعه، تنشغل بحرارة السؤال عن الصحشة والأحوال بالرد على أسئلته تفصيليا وتكتفى بالقول «الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله»، تنشغل أيضا عن الاستفسار عن صحته وأحواله أيضا لأن فمك مشغول بـ«الحمد لله الحمد لله الحمد لله» يصر على الاطمئنان عليك وعلى أحوالك وأحوال عائلتك، تشعر فى كلمة «ياااه» التى يقولها متذكرًا «أيام زمان» التى كانت تجمعكما بحلاوة هذا الزمان وعذوبته، عيناه الطيبة تتأمل جسدك قطعة قطعة وكأنه يريد التأكد من سلامة جسدك كله، يربت على كتفيك ويمضى بعد أن ترك فى قلبك حلاوة تشبه ابتسامته، ولا تريد أن تسأل هذا السؤال لكى لا تفقد سخونة هذا الحوار الإنسانى الرحيم.
من هذا؟ ومتى رأيته؟ وكيف كانت علاقتى به؟ وفى أية مرحلة من مراحل عمرى تعارفت عليه؟ وفى أية مرحلة افترقنا؟ وكيف نما هذا الشوق فى قلبه إلىّ فى حين أن قلبى لا يذكر له شيئا؟ والأدهى من هذا هو كيف عرفته روحى فاقتربت منه وارتاحت إليه ولم تنفر منه فى حين أن عقلى يجهله تماما ولا يحمل له أى شىء من أى نوع؟
تنهمر الأسئلة واحدا بعد آخر، لكن هذا الخاطر يوقف الانهمار : ماذا لو نجحت فعلا فى تذكر هذا الرجل فوجدته شخصية غير محبوبة أو غير «لطيفة»، أو ماذا لو تذكرته فتذكرت له موقفا ضايقك أو ضايق أحد معارفك؟ ماذا لو تذكرته بالفعل فتذكرت بعضا من تفاصيل حياته؟ ماذا لو تذكرته فى أحد مواقف ضعفه فأشفقت عليه، وماذا لو تذكرته فى أحد مواقف جبروته فنفرت منه؟ نعم، هو إنسان وللإنسان وجوه كثيرة، تفاصيل قد تثير الحقد مرة، وقد تثير الغضب مرة، ولا يقتل الخيال سوى الواقع، ولا يقتل المثالية سوى التجسيد.
أنت نسيته تمامًا، مثلما نسيت الكثير من التفاصيل، والكثير من الأشخاص، والكثير من الوقائع، لا تعرف هل تسرب النسيان إليك بدافع التقدم فى العمر أم بدافع تزاحم التفاصيل وندرة الاستدعاء؟ تفكر.. كل هذا لن يغير من الأمر شيئًا، لن يصلح العطار ما أفسده العطار، فتقرر أن تستمتع بما تركه فى قلبك هذا الرجل من دفء، وتقرر أن تستمتع بتذكره هذا الذى لن تتذكره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة