على الرغم من أن قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، فى ديسمبر الماضى، لم يكن بدرجة كبيرة من التأثير، خاصة وأن القرار الأمريكى لاقى معارضة دولية كبيرة تجلت معالمها فى الرفض الساحق للقرار الأمريكى بالجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، إلا أن الخطوة الأمريكية حملت الكثير من التداعيات لتتعدى مجرد نطاق القضية الفلسطينية وتمتد إلى مسألة النفوذ الأمريكى فى العديد من مناطق العالم، كما أنها فتحت الباب أمام بعض الدول لتجد لنفسها دورا يمكنها القيام به خلف القرار الأمريكى.
ولعل القرار الذى اتخذته باراجواى، أمس الأربعاء، بالتراجع عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعادتها إلى تل أبيب، دليلا دامغا على انحسار النفوذ الأمريكى، ليس فقط فى القضية الفلسطينية التى كانت الولايات المتحدة تتولى رعايتها لعقود طويلة من الزمن، وإنما تعكس أيضا غياب التأثير الأمريكى إلى حد كبير على دول ربما اعتادت اتخاذ مواقف تابعة للقرارات التى تتخذها الإدارة الأمريكية، ربما بحثا عن دور أكبر على الساحة الدولية، أو لغياب الثقة الدوليةتجاه الإدارة الحالية نتيجة قراراتها التى دائما ما تثير الكثير من الجدل.
رئيس باراجواى وزوجته أثناء حفل تنصيبه
صفعة الحلفاء.. باراجواى وكولومبيا يقودان انتفاضة ضد إسرائيل
قرار باراجواى ربما لم يكن الصفعة الأولى لإسرائيل، وخلفها الداعم الأمريكى الأمريكى الأكبر، حيث يأتى بعد أسابيع من قرار أخر اتخذته كولومبيا، بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو القرار الذى أثار استياءا إسرائيليا كبيرا فى الأيام الماضية، ولعل انتماء الدولتين لأمريكا اللاتينية، لم يكن المفارقة الوحيدة فى هذا الصدد، ولكن تبقى المفارقة الأكبر هى أن كلا الدولتين تعتبران بمثابة حلفاء مقربين من الدولة العبرية، وهو ما يمثل صدمة أكبر للجانب الإسرائيلى، والذى يسعى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الممكنة فى المرحلة الراهنة، فى ظل وجود إدارة الرئيس ترامب، التى تقدم دعما غير مشروط لها.
رئيس باراجواى السابق بصحبة نتنياهو أثناء افتتاح السفارة فى القدس فى مايو الماضى
وتعد التعليقات الإسرائيلية على قرار باراجواى مشابها إلى حد كبير من تصريحات مسئولى الدولة العبرية تعقيبا على القرار الكولومبى، حيث تحدثوا عن تأثير هذه القرارات على العلاقات الوطيده، التى تجمعهم معا، وهو ما يعكس حالة الصدمة الإسرائيلية جراء تلك القرارات، والتى تم اتخاذها دون تنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يثير التساؤلات حول السبب وراء التوجه الذى تتبناه دول تلك المنطقة تجاه دولة حليفة، تحظى برعاية واشنطن.
الحليف الأمريكى.. ترامب شريك غير موثوق به
يبدو أن القرارات التى اتخذتها دول أمريكا اللاتينية بدعم إسرائيل فى السنوات الماضية ارتبطت إلى حد كبير باسترضاء الإدارات الأمريكية المتعاقبة والمعروفة بموالاتها لإسرائيل، خاصة فى ظل اعتمادها إلى حد كبير على المساعدات الأمريكية، خاصة وأن عدد كبير من دول القارة يعانى من أزمات اقتصادية طاحنة، وهو ما يفسر امتناع عدد من دول المنطقة إلى عن التصويت ضد قرار الولايات المتحدة بالجمعية العامة، ولجوء دول أخرى، على غرار باراجواى وهندوراس وجواتيمالا إلى اتخاذ قرارات بنقل سفاراتهم للولايات المتحدة فى أعقاب القرار الأمريكى.
سياسات ترامب قوضت ثقة المجتمع الدولى فى قرارات أمريكا
ولكن الانقلاب الأمريكى على الحلفاء ربما يمثل أحد أهم عوامل القلق لدى تلك الدول فى المرحلة الراهنة، خاصة بعد قرار فرض التعريفات الجمركية على التجارة مع العديد من الدول فى مختلف مناطق العالم، بالإضافة إلى التراجع عن الالتزامات المتعلقة ببعض الاتفاقات الدولية والتجارية، وعلى رأسها الاتفاق النووى الإيرانى، وكذلك اتفاقية باريس المناخية وغيرها وبالتالى فأصبح الشريك الأمريكى فى نظر الكثير من الحلفاء ليس محلا للثقة، بسبب مواقفه المتأرجحة تجهاههم.
الصدمة.. إعادة السفارة لتل أبيب يعيد الأمور لنصابها
إلا أن قرار باراجواى يبقى الصدمة الأكبر لحكومة الاحتلال الإسرائيلى، ليس فقط بسبب العلاقات القوية التى جمعت الدولتين خلال السنوات الأخيرة، ولكن بسبب التوقيت، حيث أن قرار الرئيس ماريو عبده بينيتز، يأتى بعد أقل من 4 أشهر فقط من افتتاح سفارة بلاده فى القدس، فى مايو الماضى، والذى تم فى حضور رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ورئيس باراجواى السابق هوراسيو كارتس، وبالتالى كان تراجع باراجواى فى الوقت الحالى لم يكن متوقعا.
القرار الأول بنقل السفارة إلى القدس فى مايو الماضى كان سببا لحالة كبيرة من الجدل فى داخل باراجواى، خاصة وأن الرئيس ماريو بينيتز أعرب عن استياءه من هذا القرار، باعتباره لم يتم استشارته من قبل الحكومة السابقة، رغم الإعلان رسميا عن فوزه فى الانتخابات التى أجريت فى أبريل الماضى، إلا أن الحديث تواتر فى الأيام الماضية أن مستشارين مقربين من الرئيس السابق كانوا السبب الرئيسى وراء القرار بسبب علاقتهم القوية مع مسئولى الحكومة الإسرائيلية، وبالتالى كان القرار الأخير بمثابة إعادة الأمور لنصابها.