فى مقال له بصحيفة يو إس إيه توداى الأمريكية كتب السفير الصينى لدى الولايات المتحدة تسوى تيان كاى، إن النجاح الاقتصادى للصين لم يتحقق أبدا عن طريق السرقة من أحد ولن يكون أبدا كذلك، المقال الذى جاء ضمن الحرب الأمريكية الصينية على الصعيد الإعلامى والاقتصادى، أكد بوضوح الاختلاف الشاسع بين النهجين الصينى والغربى «الأمريكى خصوصا» فى التعامل مع مصادر الثروات الطبيعية والبشرية.
تسوى تيان كاى، كان يعلق فى مقاله على اتهامات أمريكية للصين بنقل التكنولوجيا قسرا وسرقة حقوق الملكية الفكرية، مشيرا إلى ما اعتمدته بلاده من نظام حماية قانونى قوى لحقوق الملكية الفكرية يتضمن إنشاء محاكم خاصة بحقوق الملكية الفكرية ومحاكم مخصصة تعزز الدور المسيطر للسلطة القضائية فى حماية هذه الحقوق، لكن نقل التكنولوجيا الذى كان وسيلة أوروبا الغربية والولايات المتحدة للانتصار على ألمانيا واليابان المهزومتين فى الحرب العالمية، هو قمة جبل الجليد الذى يفرق بين قارة الصين ونهجها المتوازن اجتماعيا وثقافيا وعسكريا تجاه الأمم الأخرى وبين الغرب الاستعمارى الذى يعتمد على الاستغلال والسيطرة وإدارة موارد الدول لصالحه.
العالم الآن أمام هذين النهجين المتباينين، النهج الصينى الذى يقوم على مبادئ التعاون والشراكة وإعادة التوازن والعدالة المفقودين للنظام العالمى، وبين النهج الاستعمارى الغربى الذى بلغ ذروته وفجاجته فى استراتيجية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والمعروفة بـ«أمريكا أولا» وتقوم على الصدام مع جميع الأمم الأخرى وبحث كيفية استغلالها وحلب الأموال منها من أجل تحقيق وصيانة الرفاه الأمريكى، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الاستراتيجية عادلة أو مشروعة.
قمة الصين وأفريقيا التى اختتمت أعمالها فى بكين، كشفت بوضوح كيف يسير العملاق الصينى بخطوات راسخة نحو الإطاحة بالولايات المتحدة من عرش القوى المهيمنة فى العالم وإنهاء مرحلة القطب الأمريكى الأوحد منذ انهيار الاتحاد السوفييتى نهايات القرن الماضى، ليس فقط من خلال التعبير عن سمات الاقتصاد الصينى المصنف حاليا كثانى اقتصاد فى العالم والمرشح لأن يكون الأكبر والأسرع نموا خلال سنوات قليلة، ولكن من خلال النهج الاجتماعى والسياسى والثقافى المتوازن الذى تنتهجه الصين تجاه الأمم والشعوب الأخرى.
تمد الصين يد المساعدة بالمنح والاستثمارات والدعم التقنى والفنى والتعليمى لكثير من الدول على مستوى العالم، ومنذ أطلقت بكين مبادرتها لإحياء طريق الحرير القديم الذى كان يربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوربا، وهى ترسخ علاقاتها الدولية مع دول هذه القارات الثلاث، لتكون الشريك الأكبر لها على مستوى الاقتصاد والتبادل التجارى وكذا العلاقات السياسية والثقافية، كما تسعى بكين من خلال مجموعة الـ77 والتكتلات التى تضم دول العالم الثالث الى إعادة التوازن الدولى المفقود للنظام العالمى الذى ينوء بأطماع الدول الاستعمارية الغربية الكبرى.
ويزيد من فرصة الصين للصعود والتأثير فى النظام العالمى ما أعلنه الرئيس شين بينج من منهج التعاون والشراكة وتبادل المنافع دون هيمنة على الشركاء الأقل ثروة أو نموا أو تأثيرا، بما يعنى عدم التدخل فى شئون الدول الأخرى وعدم التدخل فى استكشاف الطرق التنموية التى تتناسب وظروف كل بلد بالقارة، وكذا عدم التدخل لربط أى مساعدات بالشروط والمطالب والتوجهات السياسية، وعدم السعى لكسب مصلحة سياسية خلال الاستثمار والتمويل، أى أن القطب الصينى يقدم للقارة الأفريقية وللدول النامية لأول مرة فى تاريخها المسار الصحيح للتعاون والشراكة ونقل الخبرات ودعم جهود التنمية، ولذلك نقول إن قمة الصين أفريقيا ستؤرخ بما قبلها وما بعدها وستعيد لاصطلاح «الاستعمار» كامل دلالاته الإيجابية قبل أن يلوثه الغرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة