طابور من الأرقام والمؤشرات والقفزات حققتها الحكومة فى 2018، حضرت فيها وزارة التعليم بقوة، محققة نجاحات عديدة تصطف وكأنها طابور صباحى فى مدرسة نموذجية.
يمكن تلخيص العام المنصرم فى جملة «عام بناء الإنسان والشخصية المصرية»، بفضل ما أنجزته الوزارة من إجراءات عملية لتحسين المنظومة، ووضع مناهج جديدة، وإطلاق عديد من المشروعات الإنشائية والفنية المهمة.
وشمل حصاد الوزارة فى 2018 إنشاء 22.5 ألف فصل دراسى بتكلفة 4.3 مليار جنيه، و38 مدرسة يابانية و3 مدارس للمتفوقين فى العلوم والتكنولوجيا، ومحو أمية 250 ألف مواطن، وتدريب 854 ألف معلم على المنظومة الجديدة وبنك المعرفة، إضافة إلى عدة برامج أخرى لرفع المستوى المهنى وتحقيق التنمية المستدامة لأعضاء هيئة التدريس.
تجربة يابانية فى مصر
ضمن تجارب التعليم البارزة فى مصر تحضر المدارس اليابانية التى تحظى باهتمام واسع من الدولة والحكومة، كونها تقدم تعليما ذا جودة عالية، يتفق مع سياسة وزارة التربية والتعليم واستراتيجيتها لتطوير المنظومة، بهدف بناء الشخصية المصرية.
بدأ تطبيق النظام فى المدارس المصرية خلال العام 2016، بتوجيهات من القيادة السياسية، وحتى الآن أنجزت الوزارة 38 مدرسة مصرية على الطراز اليابانى، وتكتسب هذه التجربة أهميتها من فلسفة المدارس اليابانية الداعمة لبناء الشخصية، وإنتاج إنسان متعلم ومفكر ومبدع، يملك أدوات المعرفة والتحليل، وقادر على المنافسة فى سوق العمل محليا وعالميا.
ووفق الخطة التنفيذية والجوانب الفكرية للمشروع، فإن المدارس اليابانية ستسهم فى تكرس للهوية المصرية، والحفاظ على اللغة العربية، مع توفير خطط ووسائل تعليمية عصرية ومتطورة، كما يمارس طلابها أنشطة تعليمية وترفيهية تمكنهم من تنمية القدرات العقلية والمهارات الحياتية، بما يقود إلى بناء جيل قادر على تحقيق متعة التعلم، والفهم والاستذكار بدلا من الحفظ والتلقين.
22 ألف فصل بـ4 مليارات جنيه
إلى جانب الرهان على المدارس اليابانية، ووضع خطة واسعة لإنشاء مزيد من المدارس المتطورة، وتحديث فلسفة التعليمية وآلياته التنفيذية، لم تتغافل الوزارة عن تحديث المنظومة القائمة ومدّ خدماتها لمزيد من الطلاب، بشكل متطور ومنظم.
وفق هذه الرؤية تعمل وزارة التعليم على تطوير المنظومة التعليمية الحالية، والمدارس الحكومية المنتشرة فى أرجاء مصر، وبناء مزيد منها، فشملت خططها فى العام 2018 تنفيذ 22 ألفا و500 فصل دراسى جديد، بميزانية إجمالية قدرها 4 مليارات و300 مليون جنيه، وذلك بغرض تقليص الكثافة الطلابية المرتفعة فى الفصول، التى وصلت إلى 100 طالب بالفصل فى بعض المناطق.
يأتى هذا التحرك فى إطار الفلسفة التى يتبناها نظام التعليم الجديد، الذى يراهن على تعزيز الأنشطة والمهارات العملية على حساب الدراسة النظرية والحفظ والتلقين، ما يتطلب كثافة أقل فى الفصول، لتوفير فرصة أكبر للتفاعل بين المعلمين والطلاب.
محو أمية 250 ألفا
ورغم توسع ملف التعليم وانشغال الوزارة بشؤون قرابة 20 مليون دارس فى كل المراحل التعليمية، فإنها لم تغفل فئات المجتمع الأخرى، خاصة الأميين من كبار السن، فعملت على تنشيط إسهامها المباشر فى مواجهة الأمية، وتوفير الخدمة التعليمية لكل الفئات على نطاق واسع.
وأسفرت جهود الوزارة خلال العام 2018 عن محو أمية 250 ألف مواطن من كل المستويات، وفى كل المحافظات المصرية، وهو الدور الذى تواصل الوزارة لعبه من خلال إداراتها ومدارسها وفريقها التربوى، فى وقت تتزامن فيه هذه التحركات مع إطلاقها نظام التعليم الجديد، الذى يشكل تحركا عميقا وأكثر وعيا لتطوير التعليم، والعمل الجاد على محور بناء الإنسان الذى تحدثت عنه القيادة السياسية أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة.
مناهج جديدة لبناء الوعى
بدأت الوزارة خطتها التحديثية الشاملة بمسارين متوازيين، الأول إطلاق نظام تعليم جديد بشكل شامل، والثانى ترميم النظام القديم وتحسين قدرات ومهارات الدارسين فيه، بغرض تعظيم مخرجاته، وذلك بدءا من الصف الأول الثانوى.
وفى القلب من هذه الخطة، عملت الوزارة على وضع مناهج تعليمية جديدة ترتكز على المهارات الفنية والعلمية، بغرض بناء منظومة مناهج وكتب وفق المعايير الدولية، تركز على الأنشطة والمعرفة والمهارات العملية، فتحولت المناهج والمقررات من مجرد مواد منفصلة فى المنظومة القائمة، إلى سلسلة مترابطة تعتمد على محاور رئيسية.
وقطعت الوزارة شوطا بعيدا على طريق بناء تلك المناهج وتصميمها من خلال خبراء مصريين ودوليين، من خلال مركز المناهج والوسائل التعليمية بقيادة الدكتورة نوال شلبى، فصممت مناهج قائمة على المهارات، ودمجت بعض المقررات الدراسية ضمن الباقة متعددة التخصصات، كما ركزت على تدريس اللغات منذ مرحلة رياض الأطفال بالمدارس الحكومية.
واستطاعت وزارة التعليم التجربة الجديدة على كل المدارس التى تمنح شهادة مصرية، من تجريبى وحكومى وخاص وقوميات ويابانية، لخدمة الطلاب بكل فئاتهم ومستوياتهم، وتحقيق أكبر استفادة من المنظومة الجديدة، وبناء خريج قادر على المنافسة فى سوق العمل محليا ودوليا، بما يحقق المحاور الرئيسية لخطة تطوير الإنسان المصرى: مجتمع متعلم ومبدع ومفكر.
نظام تعليم جديد
المنظومة التعليمية الجديدة بدأ تطبيقها فى سبتمبر 2018، بدءا بالصفوف الثلاثة الأولى «رياض الأطفال أول - رياض الأطفال ثان - الصف الأول الابتدائى» مع تحسين المناهج وآليات التدريس والاختبار للصف الأول الثانوى، ليستفيد من هذه الخطوة قرابة مليونين ونصف المليون طالب فى الصفوف الأربعة.
وتعتمد فلسفة المنظومة الجديدة فى مرحلة رياض الأطفال على عدة محاور، أولها عدم عقد امتحانات حتى الصف الثالث الابتدائى، مع وضع وسائل تقويم تعتمد على أنماط مختلفة، عبارة عن تقييم بالمهارات الفردية والجماعية، على أن يكون المعلم مسؤولا عن إكساب الطالب هذه المهارات.
وقالت الوزارة فى شرحها لمضمون النظام الجديد على مرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائى، إن الهدف هو بناء طالب بعيد عن ثقافة الحفظ والتلقين، التى دمرت النظام القديم، وجعل المعلم أساس العملية التعليمية، من خلال تعزيز قدراته ومهاراته، وتوفير دليل لكل معلم لشرح المقررات الدراسية، مؤكدة تدريب قرابة 125 ألف معلم فى تلك المرحلة، دون تحملها أية أعباء أو تكلفة مالية.
وترتب على بناء هذه المنظومة وضع أطر عملية لإعادة تقنين الكتب الخارجية، بعدم منح دور النشر الخارجية أية موافقات لطباعة الكتاب الخارجى، وأن تكون الوزارة مالك الحقوق الفكرية الوحيد للمناهج الجديدة، كما استطاعت توفير فيديوهات ومحتوى تفاعلى من خلال بنك المعرفة، وصلت حتى الآن إلى حوالى 6 آلاف فيديو تفاعلى.
حصيلة ما أنجزته وزارة التعليم فى عامها المنقضى يبدو كبيرا ومهما. فقد شهد 2018 ميلاد المنظومة التعليمية الجديدة فى مرحلة رياض الأطفال والصفين الأول الابتدائى والأول الثانوى، وهو ما يمثل قفزة مهمة لتصحيح المسار القديم بكل عيوبه ومشكلاته، وتحسين العملية التعليمية وضمان جودة مخرجاتها، والأهم إنقاذ الأجيال الجديدة، وإنقاذ ميزانيات الأسر المصرية التى استهلكتها الدروس الخصوصية وسباق الدرجات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة