كنت قد قررت منذ شهور طويلة عدم متابعة ما يكتبه محمد البرادعى، الشهير بالبوب الافتراضى، وكذا عدم التعامل مع تغريداته بجدية، فالرجل بحيادية تامة، يرتدى مسوح الرهبان والمصلحين، وهو غير ذلك ويدعى الاستقلال التام عن جميع القوى الكونية وهو غير ذلك، ويحلم بمستقبل مثالى للعالم، تنام فيه الغزالة فى حضن الأسد، دون أن يقول لنا كيف! عبارات وكليشيهات وتغريدات ليس عليها جمرك كما يقول أولاد البلد، وكيف لا يغرد البرادعى لأبناء العالم الثالث وهو القاطن فى جنات فيينا والسائح مدفوع الأجر بالمؤتمرات الفنكوش التى تقيمها المنظمات الدولية للكوادر التى خدمت الإنسانية الغربية وليست المشرقية أو الجنوبية، وفازت بنوبل وتوافقت مع النظام العالمى الجديد.
ورغم ذلك، اضطررت إلى تناول دواء الضغط قبل مطالعة أحدث تغريدات البوب الافتراضى الذى أتحفنا بها مع بداية العام الجديد، وكالعادة، تسلح فيها بالمنطق الفاسد وبالشعارات الجوفاء وبالنضال المزيف على الكيبورد، وهو متصور أنه أدى ما عليه فى إطار رسالته الإصلاحية الشريفة، وأتى بما لم يأت العرب والعجم والبربر بمثله، وانظروا بالله عليكم ماذا قال فى تغريدته: «إذا كانت الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط كما وردت على لسان وزير خارجيتها تقتصر على مواجهة الإسلام المتطرف وإيران وضمان أمن إسرائيل والتفاخر بنقل السفارة إلى القدس دون أى إشارة إلى آمال وتطلعات الشعوب فى الحرية والكرامة، فالرسالة واضحة: علينا أن نعتمد على أنفسنا وأنفسنا فقط».
يا سلام سلم الحيطة بتعرف تتكلم، البوب يلوم واشنطن ووزير خارجيتها لأنهم تخلوا عن دعم شعوب الشرق الأوسط لنيل حقوقها فى الحرية والكرامة، ويطالب الشعوب بالاعتماد على أنفسها فقط! كيف تدعم واشنطن شعوب الشرق الأوسط لنيل حريتها وكرامتها يا دكتور بوب؟ ومتى دعمت واشنطن أى شعب فى العالم لنيل حريته وكرامته يا دكتور بوب؟ وهل حضرتك تلوم واشنطن مثلا على تراجع دعمها لمشروع الفوضى الخلاقة الذى هدم الدول العربية رأسا على عقب وقسم أراضيها إلى دويلات تسيطر عليها الدواعش والمرتزقة والجماعات المتقاتلة؟! هل حضرتك تأخذ على واشنطن نيتها للانسحاب من سوريا مثلا على أساس أن الوجود الأمريكى هناك يضمن الحرية والكرامة للقتلى السوريين مثلما يضمن زيادة عدد المهاجرين واللاجئين إلى أركان الأرض الأربعة؟
تغريدة البوب الافتراضى تؤكد أنه يمتلك العقلية الكرازوية، وأنه مثل غيره من النماذج فى العالم كان مجرد «كرازى لمصر»، المبعوث الأمريكى إلى السكان المحليين لتطبيق الاستراتيجية الأمريكية، تحت عناوين براقة وزائفة وشعارات جوفاء مثل الحرية والكرامة، حتى يمكن للمارينز أن يبنوا القواعد بحرية وأن تهبط الطائرات الأمريكية فى المطارات دون استئذان، وأن يتحول تراب الوطن إلى مساحات من الأراضى يمكن أن نتبادلها أو نهديها للدول الأخرى لتأكيد مبدأ التعايش وحسن الجوار!
البرادعى كان مكلفا بلعب دور كرازاى أفغانستان فى مصر بعد 25 يناير، لكنه فشل فشلا ذريعا، لأن المجتمع المصرى لا يضم قبائل أفغانستان، كما أن البوب نفسه لا يستند إلى قبيلة حاكمة ومحاربة، ولا إلى مجموعة مؤثرة أصلا فى المجتمع، وما يقوله ألاضيشه من أنه مفكر يهدى إلى طريق الرشاد، وأن أفكاره هى النور الذى يستدل به المؤمنون بثورة يناير، ما هو إلا محض كلام فارغ، ويكفى أن نرصد سجل نشاط البرادعى المفكر، كما يزعم مريدوه أو المنتفعون منه، لندرك أن أفكاره ما هى إلا تغريدات غامضة تشبه الرجل تماما، فهو يرفع شعار المواطن العالمى المفرط فى إنسانيته، الذى يدعو دائما إلى قيم مثالية، بينما بلده المكتوب فى جواز سفره يتعرض لأبشع أنواع الحروب السياسية والاقتصادية.
البوب الافتراضى سيظل كما هو فى الظلال الغامضة للنظام العالمى الجديد، يلقى المحاضرات الفارغة عن وسائل صنع السلام ويشارك غيره ممن منحوا نوبل أو تقلدوا المناصب الأممية برضا واشنطن فى المناقشات الحرة حول الأزمة المناخية والاتفاقات التى يجب توقيعها، وبين وقت وآخر يلقى حجرا على تويتر للسكان المحليين فى بلد المنشأ الذى أتى منه، لعل وعسى يعرفون آثار أقدامه إلى الكوزموبوليتانية الديمقراطية الرأسقدمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة