وائل السمرى

رياض السنباطى بلا مناسبة

الأحد، 13 يناير 2019 07:04 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هو ليس محمد القصبجى الذى تستدعى صورته حالة من التعاطف قبل الإعجاب، وليس كذلك زكريا أحمد الذى تريد أن تحضنه فور سماعك صوته أو الإنصات إلى ألحانه، وليس محمد عبدالوهاب ابن البلد الذى ارتقى بنفسه إلى مرتبة الملوك غير مفتقد لحنكة باب الشعرية، بينما ينظر إلى البواخر العائمة فى النيل من شرفة منزله بالزمالك، هو السنباطى، ذلك العميق حتى البعد، والقريب حتى الاندماج، برع فى «الإلهيات» ربما لأنه كان يحمل شيئا من هذا القبيل.
 
تمر صورته أمام عيناى فلا أتذكر سوى تلك الجملة «وعزة نفسى منعانى»، والجملة جزء من أغنية حيرت قلبى معاك، التى شدت بها سيدة سيدات الغناء ورجاله أم كلثوم، فلماذا ارتبطت تلك الأغنية عندى برياض السنباطى؟
 
كان السنباطى، بحسب ما عرف عنه، من أكثر الناس اعتزازا بنفسه، وعزة نفس السنباطى ليست تلك العزة التى تبعث على النفور، ولكنها عزة تبعث على الاحترام، هو رجل كبير ويعرف أنه كبير، وهذا كل ما فى الأمر.
 
هو خالد ويعرف أنه كان يصنع فنا خالدا، حالما ويخشى على أحلامه، مبدعا ويخشى على نغماته من التبديد، يحمل رسالة حقيقية، هو معلم حقيقى، معلم قبل أن يتمم تعليمه، وربما فى دلالة هذه الواقعة التاريخية التى سبقت دخوله إلى معهد الموسيقى، فقد تقدم إلى معهد الموسيقى العربية ليصبح طالبا فيها، ولما اختبره الأساتذة عينوه أستاذا وليس طالبا، فكانت تلك إشارة إلى نبوغه وإشارة إلى عبقريته وإشارة إلى عصر كان لا يحفل إلا بالعظماء.
 
صوته أيضا كان به شىء إلهى، عميق وواضح وبليغ، به «جلجلة» دون غمغمة، به عظمة دون جفاء، به حنو دون ابتذال، صوت رقيق وهو أبعد ما يكون عن الرقة المتعارف عليها، فهو ينتمى إلى رقة الأشجار السامقة، رقة الموج الهادر، السيل فى الصحارى، رقة الحقيقة الجلية، صوته يتطلب أذنا من نوع خاص، أذنا مدربة، تعرف أين يكون الشجن، ومن أين ينبع الطرب، وسيعلم من يتتبع النغمة بعد النغمة كيف تتمايل الحنجرة دون أن يتمايل الصوت، وكيف تكون الحلية الصوتية إضافة حقيقية للموسيقى واللحن وليست خروجا عليه، تسألنى لماذا تتذكر السنباطى الآن وما هى المناسبة؟ وأقول ولماذا نحتاج إلى مناسبة لنقول لمن يحسن إلينا شكرا؟









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة