لا أحد يعرف جمال عبدالناصر مثل أسرته، التى تعاملت معه فى كل فترات حياته بما فيها من ضغوط وتحولات وأفراح وأحزان، لكن رغم هذه الحقيقة فإن هناك أناسا تيسر لهم الاقتراب من عبدالناصر لدرجة ربما لم تتوفر لأسرته، ربما منهم مجدى كامل.
لم يعش الفنان مجدى كامل عصر عبدالناصر، ولم يكن صديقا مقربا منه ولا زميلا له فى الجيش أو مجلس قيادة الثورة، لكنه شاركه فى تاريخه وحياته ومواقفه، وعاش سياق عبدالناصر كاملا فى الدراما وعلى شاشة التليفزيون، بعدما جسد شخصيته مرتين فى عملين دراميين.
حياة عبدالناصر الحافلة حظيت وتحظى باهتمام واسع من كل الدوائر، وفى مقدمتها الوسط الفنى، الذى أنتج عديدا من الأعمال عن الرئيس، أو دوائره، أو شخصيات قريبة منه، فى مقدمتها فيلم «ناصر 56» الذى لعب بطولته النجم الراحل أحمد زكى، ولأن الدراما حياة ثانية فقط عاش عبدالناصر فى شرائط أخرى، منها مسلسل «ناصر».
فى الذكرى 101 لميلاد الزعيم التقينا الفنان مجدى كامل الذى لعب دور عبدالناصر مرتين، فى مسلسلى «العندليب» و«ناصر»، وخلال الحوار استعرض «كامل» تفاصيل تحضيره للدور.
فإلى نص الحوار..
هل كنت تعلم شيئا عن شخصية الرئيس الراحل قبل مسلسل ناصر؟
- بداية علاقتى بشخصية الزعيم الراحل ليست فى مسلسل ناصر، إذ قدمت الدور نفسه قبلها فى مسلسل «العندليب»، ورغم أنه لم يكن دورا أساسيا إلا أنه وفر لى معرفة جيدة بشخصية الزعيم الراحل، إلى جانب ما أعرفه من معلومات سابقة كغيرى من الناس، فهو شخصية مشهور ومحبوبة لدى كل فئات الشعب.
وكيف جهزت نفسك للدور وشخصية الزعيم؟
- العرض كان مفاجئا لى، وترددت فى قبوله، وبعدما اتفقنا على الأمر سعيت إلى الاقتراب من شخصية الرئيس الراحل والتعمق فيها، حتى أمسك بمفاتيح الشخصية وأؤدى الدور بشكل متقن ومبدع، وبفضل هذا التعمق تطورت رؤيتى لشخصية الرئيس الراحل، إذ أصبحت بصدد معرفة معلومات أكثر وأعمق عن حقبة تاريخية كاملة، والتعرف على شخصية إنسانية من كل جوانبها، وقد عملت على جمع كل دراسة أو مقال كُتب عنه، وكل الكتب التى تناولت حياته ومواقفه، ومشاهدة كل الأعمال التى تناولت شخصيته، مثل ناصر 65 وأوراق مصرية وغيرهما، حتى وضعت يدى على الشخصية بشكل كبير.
هل تذكر المعلومات التى اطلعت عليها قبل بدء التصوير؟
- خلال فترة التحضير كنت حريصا على الاطلاع على كل المعلومات والوثائق المتاحة عن عبدالناصر، فشاهدت صورا نادرة له منذ طفولته حتى قبيل وفاته، واستمعت إلى المؤرخ الدكتور جمال شقرة، وقرأت كثيرا من الدراسات والكتب، كما اطلعت على وثائق نادرة عن إدارته ومواقفه السياسية، وكل التفاصيل الخاصة بأسرته وعائلته.
وهل التقيت أحدا من أسرته قبل بدء تجسيد الشخصية؟
- خلال فترة التجهيز للمسلسل لم أقابل أحدا من أفراد أسرته للأسف، لكن حدث هذا بعد انتهاء عرض المسلسل.
من أين حصلت على أهم معلوماتك عن شخصية الرئيس؟
- مصادرى كانت متعددة وشاملة، وحصلت على معلومات ضخمة من الدراسات والكتب والأعمال الدرامية، لكن أهم ما حصلت عليه كان من خلال «سيديهات» وفرتها ابنته الدكتورة هدى عبدالناصر، كشفت لى كثيرا من جوانب الشخصية وأسرارها.
وهل كان هناك مفتاح معين لأداء الدور؟
- شخصية عبدالناصر ثرية ومتعددة الجوانب، وخلال وضعنا للخطوط العريضة لأداء الدور اعتمدنا مفتاحا للتعامل مع شخصية الزعيم الراحل، وهو قوته البادية فى عينيه، إذ لم يكن أحد من المتعاملين معه يجرؤ على النظر فى عينيه مباشرة، ومن هذا المدخل حاولت أن أقترب من روح جمال عبدالناصر.
بحكم الاقتراب من الشخصية.. ما صفات ناصر من وجهة نظرك؟
- خلال العمل على المسلسل توفرت لدينا حصيلة كبيرة من المعلومات والتفاصيل عن شخصية الرئيس الراحل، وأبرز ما يلفت الأنظار أنه كان شخصيا مثقفا وصاحب رؤية، وكان متحدثا مفوها، ومحبا للقراءة بشكل كبير، فقد قرأ كل كتب الكلية الحربية فى 18 يوما فقط، إضافة إلى أنه كان يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة.
هل طغت قوة الرئيس وجديته على طبيعته الإنسانية العادية؟
- رغم جدية الرئيس عبدالناصر وقوة شخصيته إلا أنه كان شخصا طيبا وهادئا، وكان رومانسيا أيضا، فقد جمعته علاقة لطيفة للغاية بزوجته السيدة تحية كاظم، وكانت حياتهما مليئة بالحب والود والتفاهم.
هل اطلعت على شىء عن تفاصيل الحياة الشخصية للرئيس؟
- كان عبدالناصر يحمل مشاعر أبوية حقيقية تجاه كل المحيطين به، فقد كان أبا جيدا لعائلته كلها، وليس لأسرته الصغيرة فقط، وبفضل دوره كانت عائلته متماسكة بشكل كبير، ورغم مشكلاته مع زوجة أبيه إلا أنه كان دائم السؤال عنهم، وكان حريصا على رعاية أبيه وأشقائه.
البعض يشككون فى شخصية ناصر.. فكيف تراه؟
- ما علمته عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، من خلال قراءاتى ومعايشتى لشخصيته على مدى شهور، أنه كان شخصا جادا ومنضبطا، لا يحب المحسوبية أو الوساطة، ويحترم القوانين، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليه الوصاية، كما كان يتمتع بكاريزما كبيرة، ويملك شخصية قوية للغاية، وهو ما منح مصر مكانة مرموقة على مستوى العالم.
وكيف ترى انحياز جمال عبدالناصر للفقراء؟
- كان واضحا منذ لحظاته الأولى فى الحكم، بل منذ اندلاع ثورة يوليو، أنه ينحاز للفقراء انحيازا حقيقيا، وبفضل هذه الرؤية أنجز لهم ما لم ينجزه أحد قبله، فقد أصدر قانون الإصلاح الزراعى الذى منح بسطاء الفلاحين أرضا لتملكها وزراعتها، وسمح لكبار الملاك بالاحتفاظ بـ200 فدان، تقلصت فيما بعد إلى 100 فدان فقط، وكان الرئيس الراحل يرى مهمته الأساسية أن يملك الفقير قوت يومه، لهذا كان يأخذ من الأغنياء ويمنح الفقراء، ويرى أن المواطن المصرى لا ينبغى أن يكون مجرد أجير عند الآخرين.
وهل تغيرت رؤيتك للرئيس الراحل بعدما قدمت المسلسل؟
- قبل لعب الدور كانت معرفتى بشخصية الرئيس من الخارج، مثل أغلب المتابعين، خاصة من لم يعيشوا فترة حكمه، لكن بعد شهور العمل تعرفت على شخصية الرئيس بشكل أعمق، ونتفق أو نختلف مع الرجل إلا أنه لا شك فى أنه كان شريفا، وحقق نهضة كبيرة لمصر، وحقق العدالة الاجتماعية للشعب، وما فعله من أجل الوطن لا يمكن أن ينساه المصريون على الإطلاق.
هل وصلك أى شىء عن انطباع أسرته أو تعليقها على المسلسل؟
- حتى انتهاء عرض المسلسل لم يصلنى شىء، لكننى التقيت بعدها المهندس عبدالحكيم عبدالناصر، نجل الزعيم الراحل، وقال لى: «أنا أول مرة أقعد مع أبويا من 38 سنة»، وكانت هذه الشهادة وساما على صدرى ومصدر فخر كبير لى، ودليلا على نجاح العمل، كان مفاجئا لى أن يرى أحد أبناء الزعيم أننى كنت قريبا من الزعيم إلى درجة تذكره به، وكانت هذه الشهادة الوحيدة من الأسرة، إذ لم ألتق أحدا منهم بعد ذلك.
ما المدة التى استغرقها العمل وفترة معايشتك لشخصية الرئيس الراحل؟
- استغرق تصوير المسلسل 3 أشهر كاملة، ظللت خلالها معايشا لشخصية الرئيس الراحل بشكل يومى، لا أخفيك أننى حينما تلقيت عرضا من المخرج جمال عبدالحميد لتجسيد شخصية عبدالناصر، شعرت بالرعب، وكنت أقدم رِجلا وأؤخّر أخرى، لأن لعب دور مثل هذا أمر صعب للغاية، ولا بد من أن تكون لديك معلومات كافية حول الشخصية وطبيعتها، وشخصية عبدالناصر قوية للغاية، ولكن فى النهاية وافقت على العرض، واتفقنا على أن نلعب على العينين، على عكس ما تم الرهان عليه فى شخصية عبدالناصر بمسلسل «العندليب»، إذ لم يكن المسلسل خاصا بالزعيم الراحل، وإنما كان دورا ثانويا.
وهل تشعر أن شعبية عبدالناصر كانت حقيقية أم مصنوعة؟
- شعبية الرئيس الراحل كانت حقيقية جدا، ولمست بنفسى هذا داخل مصر وخارجها، فخلال تصويرنا المسلسل فى سوريا مثلا لم أجد بيتا واحدا لا يضع صورة للرئيس الراحل، وقد شاهدت ذلك أيضا فى ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، إذ رفع آلاف المشاركين فى الثورتين صور الرئيس الراحل، فهو زعيم ثورة 23 يوليو، وصاحب كثير من الإنجازات الحقيقية، ولن ينسى الشعب المصرى إنجازاته وخدماته لوطنه، والدور المهم الذى لعبه من أجل نهضة مصر، جمال عبدالناصر صاحب شعبية جارفة، لأنه بطل وطنى ورمز للثورات والكفاح وبناء الوطن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة