مرحلة جديدة تدخلها قضية سوريا، ومثلما كان التدخل فى سوريا مجالا لتحالف بين أمريكا وتركيا، فإن الانسحاب الأمريكى فتح مجالا جديدا لخلافات وتفاهمات بين الأطراف المختلفة، تحدد نتائجه مستقبل الحل السياسى.
ظاهريا يتركز الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا، لكنه يمتد للأطراف الأخرى، روسيا وإيران وأوروبا وسوريا نفسها التى أصبحت طرفا فى معادلة السياسة باعتراف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
وقد تجاوز الخلاف التصريحات المغلفة إلى التهديد العلنى، بين ترامب وأردوغان، بشأن مصير القوات الكردية المسلحة فى سوريا بعد انسحاب واشنطن، حيث يعتبر الأتراك وحدات حماية الشعب الكردية إرهابية، بينما تطالب أمريكا بحمايتهم وتعتبرهم العنصر الحاسم فى هزيمة تنظيم داعش. وبينما تهدد أنقرة بشنّ هجوم لطرد هذه القوّات من شمال سوريا، تصر واشنطن على ضمان حماية الأكراد عقب انسحاب القوات الأمريكية، وتوعد دونالد ترامب أنقرة فى تغريدة: «سندمر تركيا اقتصاديا إذا هاجمت الأكراد، ونقيم منطقة آمنة بعرض 20 ميلا، وبالمثل، لا نُريد أن يقوم الأكراد باستفزاز تركيا».
ترامب لم يحدد أين وكيف سيتم إنشاء المنطقة الآمنة، ولا من يدفع تكاليفها، لكن تهديداته بدت صادمة لتركيا، التى اعتبرت «مساواة الأكراد السوريين بالمسلحين الأكراد خطأ فادح، حسب الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين الذى غرد: «دونالد ترامب.. لا يمكن أن يكون الإرهابيون شركاءك وحلفاءك»، متوعدا بـ«مواصلة القتال ضد كل الجماعات الإرهابية»، وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب إرهابية، وترى أن دعم واشنطن لها ضد داعش خيانة، وذلك ردا على قول مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون، إن الرئيس ووزير الخارجية مايك بومبيو يدركان أن تركيا ملتزمة «بعدم الإضرار بالأكراد الذين قاتلوا معنا ضد تنظيم داعش».
الخلاف الأمريكى التركى يتزامن مع إصرار ترامب على الدفع نحو إنهاء الحرب وبدء الحل السياسى بقوله: «روسيا وإيران وسوريا كانت أكبر المستفيدين من سياسة أمريكا لتدمير تنظيم داعش، ونحن استفدنا أيضًا، وحان الوقت لإعادة قوّاتنا إلى الوطن، أوقفوا الحروب التى لا تنتهى».
يأتى هذا فى الوقت الذى أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية، أن تنظيم داعش الإرهابى يعيش لحظاته الأخيرة فى سوريا، مع بدء تنفيذ واشنطن انسحابها من الأراضى السورية، وترسل رسائل إلى دمشق عن اتفاقات للحكم الذاتى، وبالطبع تحجز لنفسها مكانا فى الحل السياسى القادم، وربما تتقارب مع روسيا وإيران، الأمر الذى يضاعف من تعقيد الموقف التركى، حيث اعتبر وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو أن الأكراد «الذين قاتلوا إلى جانبنا طوال الوقت ليسوا إرهابيين، ويستحقون الحماية».
ويرى بعض المحللين أن الخلاف الظاهر بين أمريكا وتركيا، يتجاوز قضية الأكراد ويمتد إلى مخاوف تركيا من فقدان أوراقها فى سوريا نتيجة سحب ألفى جندى أمريكى، وهو ما يمكن أن يقوى موقف دمشق وروسيا وإيران، ويضعف من موقف المعارضة السورية الموالية والمدعومة من أنقرة والتى يستضيفها أردوغان ويفتح لها أبواب قنوات إعلامية بينما تنكشف مواقفها وتظهر فى صورة غير مؤثرة مما يقلل من فرصها فى مفاوضات الحل السياسى، وتتجاهلها روسيا ودمشق، خاصة مع تمرد بعض حلفاء أردوغان السوريين وإعلان انضمامهم للمفاوضات السياسية، مما يقلل من مكاسب أردوغان فى أى مراحل للحل السياسى، حيث تضعف قوة الأوراق التى يمتلكها أمام الأطراف الأخرى.