- «زينب»: زفونى فى توك توك وتركت التعليم لرعاية ابن عمتى المريض.. «غادة»: زوجى هجرنى لما طالبته بحقوقى وبناتى يعشن بأسماء وهمية
- «غادة»: زوجى هجرنى لما طالبته بحقوقى وبناتى يعشن بأسماء وهمية.. و «سماح»: سجلت أطفالى باسم أبويا ووضعنا مُعلق
- المأذون يعقد عرفيا مقابل 500 جنيه ويحصل على 2000 عند تحويل الزواج لرسمى.. و حقوقية: الأهالى يسلبون حق البنات وحريتهن فى اختيار شريك الحياة
أربعة سيدات يحطن بفتاة لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها، يقيدن حركتها حتى ينتهى الرجل الثلاثينى من فض غشاء بكارتها، صرخات تتعالى داخل غرفة إسمنتية تعلن معها انتهاء عذريتها وانضمامها لصفوف المتزوجات من فتيات القرية، طفلة لا تعى من الدنيا شيئا أرغمها شقيقها المسؤول عنها بعد وفاة والدها على الزواج من رجل يكبرها بثلاثة وعشرين عاما طمعا فى المال، فلم تفلح كلمات توسلها إليه، ولم تشفع لها دموعها ليتراجع عن قراره هذا.
دقائق قليلة عُنفت فيها الفتاة على يد زوجها «الفكهانى»، غابت بعدها عن الوعى، ولم تعد تتذكر من هذا الفصل فى حياتها سوى السبعة أشهر التى قضتها فى كنف هذا الرجل، وكلمات الإهانة وعلامات الضرب التى تركت أثرا على جسدها يأبى أن يزول بمرور السنين.
دائرة من الجهل والفقر تعيش فيها «سمر»، وفتيات كثيرات غيرها فى محافظة الشرقية، ترغمهن على قبول وتقديم الكثير من التنازلات طمعا فى توفير حياة أفضل لهن ولأسرهن، فيتحولن بمرور الوقت لسلعة قابلة للبيع والشراء تخضع لقوانين السوق من العرض والطلب، سلسلة من التجاوزات والمخالفات التى تُرتكب فى حق هؤلاء الأطفال تبدأ بإجراء عمليات الختان لهن بحجة الحفاظ على شرفهن، ثم إرغامهن على الزواج فى سن صغيرة بحجة تخفيف الأعباء المادية من على أسرتها تارة، أو تماشيا مع الأعراف والتقاليد السائدة بين العائلات هناك تارة أخرى.
«كرهت معاشرته.. كانت كل مرة أراه يُقبل على أشعر بالغثيان، ويخيل لى وكأنه وحش أو شبح.. فينتهى الموقف بضربى وإرغامى على فعل ما يحلو له.. كنت أفترش أرض الغرفة لأنام عليها.. فلا أطيق أن أكون معه على نفس الفراش.. وأوقات كثيرة كنت أترك المنزل وأرحل وأعود إليه بالقوة»، هكذا تحكى «سمر»، تفاصيل زواجها الأول فى سن صغيرة ساردة الأسباب والدوافع التى وقفت وراء ذلك «أهلى بسطاء جدا.. توفى أبى وترك ثلاث بنات وولد.. إخواتى البنات تزوجن مثلى فى سن صغيرة بسبب حاجتنا للمال.. وحتى بعد انفصالى عن هذا الرجل تزوجت من آخر يكبرنى بــ61 عاما، بغرض خدمته وعاملنى أولاده أسوأ معاملة حتى توفى، وبعده تزوجت من آخر استمر معى عاما واحدا فقط، ثم تركنى وبعد ذلك كان زواجى الأخير من شخص يكبرنى بسبع سنوات فقط أنجبت معه ثلاثة أطفال، ولكنه تركنى أيضا».
وتضيف قائلة: لو عاد بى الزمن لهربت من البيت قبل أن أتزوج فى هذا السن، فلا أحد يدفع ضريبة ما حدث لى سواى، كرهت حياتى وصحتى، وحُرمت من التعليم بحجة أن الزواج سُترة، وعلى أمل أن يتحسن مستوى معيشتنا، ولكن لم يحدث شىء فقط يزداد عمرى سنوات أسوأ.
جولة صغيرة بين قرى المحافظة التى تصل فيها نسبة الختان للإناث إلى 92%، طبقا لآخر إحصائية للمسح الصحى السكانى سنة 2014، وتحتل الصدارة فى قائمة محافظات الجمهورية من حيث انتشار معدل زواج القاصرات فيها بنسبة 38.7% وفقا للبحث الذى أجراها المجلس القومى للسكان وإدارة تنظيم الأسرة بمديرية الصحة بمحافظة الشرقية بالتعاون مع جامعة عين شمس 2018 - تعكس لك معاناة غالبية الفتيات هناك، تركن التعليم ويعشن تحت سطوة أسرة لا يقل عدد أفرادها عن ثمانية أشخاص، وأب مطالب بتوفير احتياجاتها الأساسية فلا يبقى أمام ضعف الإمكانيات وكثرة الطلبات سوى تقديم بناته لأقرب «مُشترى»، حتى وإن كلفه ذلك تزوير بيانات أو كتابة عقود صورية لا تحفظ لهن حقوقهن نظير بضعة جنيهات، لتبدأ رحلة من الألم والمعاناة تتحول معهم الطفلة لأم مسؤولة، وتنتهى بعودتها مرة أخرى لأسرتها ولكن هذه المرة بأعباء وأوجاع أضافية.
«زينب» تركت التعليم لخدمة ابن عمتها القعيد
كانت الأمور تسير على ما يرام، تستيقظ يوميا فى السادسة صباحا، تُحضر حقيبتها وأدواتها المدرسية، تستقل سيارة أجرة تنقلها لمدرستها التى تبعد عن قريتها ببضعة كيلو مترات، حيث تلتقى بأقرانها ومعلميها الذين طالما أحبتهم وسعدت بالبقاء فى كنفهم تلعب وسطهم وتقرأ معهم، فجأة تغير المشهد كليا وتحولت «ضفاير» الفتاة لخصل شعر ملونة تطل من طرحة الزفاف، وتبدلت ملامح وجهها ذا الخمسة عشر ربيعا لأخرى تنم عن شقاء ومعاناة سيدة مسؤولة عن رعاية أسرة وتلبية احتياجات زوجها المريض، وحلت تفاصيل جديدة على يومها فأصبحت تستيقظ فى الموعد نفسه، ولكن لترتيب المنزل وغسيل الصحون وتحضير وجبات الطعام.
«كان فاضل 3 شهور على الامتحانات.. هخلص وأدخل أولى إعدادى.. لقيتهم فى البيت بيقولوا لى خلاص مفيش تعليم تانى.. إنتى هتتجوزى.. فجأة لقيت نفسى مسؤولة عن بيت وعن زوج مريض قعيد.. أبويا قال لى اتجوزيه وليكى الثواب»، كلمات قليلة لخصت بها زينب ابنة قرية العدلية بمحافظة الشرقية سر انقلاب حالها بين ليلة وضحاها، عندما أجبرها والديها على ترك التعليم وتحضيرها للزواج من ابن عمتها الذى يكبرها بثمانى أعوام بحجة أنه مريض ويحتاج للرعاية.
تخرج «زينب» لشراء احتياجات أسرتها اليومية من طعام وشراب، تخلع عن جسدها الزى المدرسى لترتدى العباءة كسيدة فى الثلاثينيات من عمرها، تسير فى الشارع فتلمح الصغار ينصرفون من مدارسهم تتحسر على حالها، وتتمنى العودة لصفوفهم يوما ما، «المعلمين سألونى إزاى هتتجوزى وأنتى لسه صغيرة كدة فقولت لهم إن أبويا وأمى عايزين يجوزونى لابن عمتى علشان مريض»، هكذا بررت زينب لمعلميها ولنفسها أيضا سبب تركها المفاجئ للتعليم، إعمالا بقول والدها بأن «كله بثوابه».
تتحدث زينب ساردة تفاصيل يوم زفافها فتقول: «أخدونى من الكوافير على البيت على طول بالتوك توك.. ملبستش فستان فرح ولا حتى عملوا لى زفة.. من غير لا شبكة ولا مهر، وكل ما أخرج فى الشارع الناس تسألنى فين الذهب بتاعك فقولهم إن جوزى مريض مقدرش يجيبلى حاجة.. أنا زعلانة من أبويا.. ونفسى أرجع المدرسة أوى لدرجة إنى لما بنام بحلم بيها.. بس هعمل إيه خلاص بقى يا خسارة».
مراحل الزواج غير الرسمى فى قرى الشرقية
يعرف الدستور المصرى فى المادة 80 منه «الطفل» بأنه كل من لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، وتنص المادة الخامسة فى القانون رقم 143 لسنة 1994 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، بأنه لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية.
ولكن على الرغم من وضوح المادة السابقة إلا أنه لا يوجد نص قانونى صريح يعاقب كل من يقوم بتزويج فتاة قاصر، وإذا قام شخص بهذا الفعل لا يتم محاكمته إلا إذا اقترن الأمر بجريمة التزوير المنصوص عليها فى قانون العقوبات المصرى فى المادة رقم 227 التى تنص على أنه: «يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنتين أو بغرامة لا تزيد على 300 جنيه كل من أبدى أمام السلطة المختصة، بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج أقوالا، أو حرر أو قدم أوراقا يعلم أنها غير صحيحة ويُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز اسنتين أو بغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه كل شخص قام بعقد الزواج «المأذون»، وهو يعلم أن أحد طرفيه لم يبلغ السن المحددة فى القانون».
وأمام محاولات عدد من النواب ووزارة العدل لسن تشريع جديد يغلظ العقوبة لتصل إلى الحبس سبع سنوات وغرامة لكل من يساهم فى تزويج قاصر سواء المأذون أو أحد أقارب الضحية أو أهل الزوج وحتى أئمة المساجد الذين يشاركون فى هذا الفعل، يبقى هناك مجموعة من الحيل التى يلجأ إليها البعض لتوقيع عقد الزواج دون مساءلة قانونية، من خلال دفاتر التصادق على الزواج، وفقا لما ذكرته لمياء لطفى منسق برامج بمؤسسة المرأة الجديدة بمحافظة الشرقية، التى تقول: إن قانون العقوبات الحالى يقوم بمعاقبة المأذون فى حالة توثيقه للزواج أقل من السن القانونى، لذا يقوم بكتابة عقد عرفى فى دفتر التصادق على الزواج ويحوله إلى رسمى فى حالة بلوغ السن القانونية.
وأضافت لمياء، يمكن أن نطلق على ما يحدث للفتيات فى الشرقية بزواج السخرة، يتم فيه إرغام الفتاة قبل بلوغها السن القانونى على الزواج بحجة السترة وخوفا من وقوعها فى الحب أو الدخول فى علاقة غير شرعية، وحفاظا على العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة والتى تبيح زواج القصر.
يتسلم المأذون ثلاثة أنواع من الدفاتر الأول للزواج والثانى للطلاق والثالث دفتر التصادق على الزواج، وهو ما يستغله المأذون لإبرام العقود لمن هم أقل من 18 سنة وتحويلها فى الدفتر إلى رسمية بمجرد بلوغهم السن القانونى بالتاريخ القديم حتى يتسنى لهم تسجيل الأطفال، واستخراج شهادات ميلاد لهم، ويتقاضى المأذون مع كل عقد عرفى 500 جنيه ثم يتقاضى 2000 جنيه أو نسبة من المهر عند تحويله إلى رسمى.
«وصل الأمانة» كلمة السر والضمان الوحيد للفتاة التى يتم عقد قرانها قبل بلوغها السن القانونى، يوقع عليه الزوج حفاظا لحقوق الزوجة فى حالة رفضه تحويل العقد لآخر رسمى بمجرد بلوغها 18 عاما، ولكن هذه الحيلة التى يلجأ لها المأذون وجرى العرف عليها لا تحفظ حق الفتاة، كما يعتقد البعض، خاصة أن هناك فتيات كثيرات هجرهن أزواجهن دون حقوق ورفضوا الاعتراف بهن رسميا.
«أبو يوسف»: «نفسى أعوض بناتى عن كل اللى بيشوفوه بس مش قادر»
رجل فى الخمسينيات من عمره، يعمل فرانا فى مخبز من الرابعة فجرا وحتى التاسعة صباحا، مسؤول عن تربية خمسة أطفال وتوفير احتياجاتهم، أمام ضعف حالته الاقتصادية قام بتزويج اثنين من بناته الأولى فى عمر الــ16 عاما، والثانية عندما بلغت 14 عاما، يقول أبو يوسف: زوجت بناتى بسبب ظروفى المادية فزوجتى سيدة مريضة وأعيش فى سكن بالإيجار وحتى عملى متقطع فلا دخل ثابت أو تأمينات اجتماعية، ويضيف: البنات حملها ثقيل وتجهيز الفتاة الواحدة يتطلب آلاف الجنيهات، لذلك اضطررت لتزويجهما عرفيا فى سن صغيرة بأقل الإمكانيات، فابنتى الكبرى تزوجت ابن عمتها بعدما أخبرنى أننى لا أتحمل جنيها واحدا فى تجهيزها، وأنه سيقبل بأقل الإمكانيات وهذا ما حدث ولكن مع مرور الوقت وبعدما أنجبت منه طفلين بدأ فى إهانتها وضربها وأكثر من مرة تأتى، وتشتكى لى من سوء معاملته لها، ولكن لم أستطع أن أفعل شيئا، لأن زواجها أولا وأخيرا غير رسمى، وبالتالى هى بلا حقوق لا يبقى أمامها سوى قبول الإهانة والعيش معه لتربية أطفالها «اللى بيجى سهل بيروح سهل».
وعن كيفية تزويج بناته قال «أبو يوسف»: مأذون معروف بالاسم يعقد قران الفتيات فى سن صغيره ُيدعى «ط،ا»، كتب ورقتين عرفى واحتفظ بهما، لأنهما لم يبلغا السن القانونى، ولأنه يعرف جيدا أن هذا الأمر مخالف، وحرر إيصال أمانة دون فيه قيمة «القايمة» ووقع عليه العريس كوسيلة لضمان تحويل العقد لرسمى، ولكن حتى هذا الأمر لم يحمِها، لأن زوج ابنتى الكبرى يهددها بالطلاق فى أى وقت دون حقوق.
ويضيف: ابنتى الكبرى أنجبت طفلين لم يتم تسجيلهما حتى وقتنا هذا، ويحصلا على التطعيمات اللازمة من خلال الممرضات فى الوحدة الصحية اللائى يعرفن حالتنا وظروف زواج ابنتى.
هجرت نجوى ومنى بنات أبو يوسف، التعليم وهن فى المرحلة الابتدائية «تركن التعليم بسبب زيادة النفقات المادية ولأن البنت ليس لها سوى بيت زوجها فى النهاية، خاصة أن كثيرا من فتيات البلد تزوجن فى سن صغيرة هروبا من تحمل نفقات التجهيز، وأجبرتهن على العمل فى البيوت «خادمات»، لتوفير لقمة العيش لنا، وانتهى بهن المطاف مع أزواج يسيئون معاملتهن.. «أنا أستحق أنى أتعاقب بسبب بناتى دول لإنى دلوقتى حسيت بالمرارة اللى رميتهم فيها وفى نفس الوقت صعبانين عليا، ونفسى أعوضهم عن كل اللى بيشوفوه بس مش قادر، الوقت فات».
«هناك مشاكل كثيرة ترتبط بزواج الفتاة القاصر أهمها سلب حريتها وحقها فى اختيار شريك الحياة، بالإضافة لحرمانها من استكمال دراستها، وبالتالى تنخفض نسبة التعليم وتزداد نسبة المتسربين منه، بالإضافة لإجبارها على أمور أخرى فى حياتها الزوجية والشخصية على سبيل المثال يحددون لها ما تفعل وما لا تفعل، وتوقيت ممارستها لعلاقتها الحميمة مع زوجها، وبالتالى تظل الفتاة هكذا تعانى من غياب الاستقلالية الاقتصادية والاجتماعية حتى بعد الزواج»، هكذا علقت لمياء لطفى، منسق برامج بمؤسسة المرأة الجديدة بمحافظة الشرقية، على أضرار الزواج المبكر للفتاة، مضيفة: سبق وأن نظمنا الكثير من قوافل توعية من خلال مؤسسة المرأة الجديدة فى العديد من مدارس المحافظة فى المرحلة الإعدادية، واستجاب لنصائحنا عدد لا بأس به من الفتيات ورفضن أن يتم تزويجهن مبكرا، ولكن العقبة الحقيقية التى تقابلنا هى مدى وعى الأهل وسطوتهن على بناتهن ورفضهن الاستماع لنا.
«نورا»: والدتى أخذت 3 آلاف جنيه ثمن زواجى.. ووضع لى المخدر ليلة الدخلة وأصيبت بنزيف حاد
«كوب عصير تناولته الفتاة ذات الخمسة عشر عاما، غابت على أثره عن الوعى ولم تفق سوى فى دورة المياه على منظر الدماء تسيل على ساقيها، وألم لم تستطع تحمله، مشهد دفعها للبكاء والصراخ بشكل هستيرى»، هكذا تتذكر نورا تفاصيل زواجها من رجل يكبرها بخمسة وأربعين عاما، فتقول: تعرفت عليه عن طريق سمسار، أقنع أمى به واتفق معها أن تكون الزيجة مقابل 3 آلاف جنيه، والدتى وافقت على الفور، خاصة أن الأعباء تزايدت عليها بعد وفاة والدى، زوجتنى بعد أن «طاهرونى»، إجراء عملية الختان، بسنة واحدة، تضيف: «جوزونى بسرعة.. علشان مكنتش موافقة، ووافقت علشان الاحتياج، ولما قولت لهم مش عايزة أتجوز أمى قالت لى لا علشان ظروفنا صعبة، علشان نلاقى نأكل ونشرب كفاية كدة عذاب شوفناه».
وتضيف: «أتذكر جيدا هذه الليلة كنت أبكى بشدة بمجرد أن رأيته، كان يشبه جدى كثيرا، لم أتخيل يوما أن تكون هذه نهايتى، وضع لى مخدرا فى كوب العصير لا أعلم لماذا فعل ذلك، هل خوفا منى أم علىَّ من الألم أصيبت بعدها بنزيف حاد، ظللت أتعالج منه فترة طويلة، كان المشهد أمام والدتى، سكتت لم تنطق بكلمة بكت على حالى كثيرا، ولكنها كانت مضطرة وفقا لما قالته بسبب شدة الحاجة لم أتحصل على جنيه واحد من هذه الزيجة، الوسيط أخذ نصيبه وعائلتى تقسمت الأموال، تركنى هذا الرجل بعد يومين فقط من الزواج العرفى، ورحل لأعود مجددا فى منزل أمى بأعباء إضافية جعلتنا مجبرين على قبول الزيجة الثانية، وأنا فى السابعة عشرة من عمرى، من رجل يكبرنى بسنوات معدودة أنجبت معه ثلاثة أطفال، وتركنى أيضا مسؤولة عن تربيتهم وتوفير نفقات السكن الإيجار الذى نعيش فيه وأقوم بدور الأب والأم معا».
وتضيف: «أهلى ظلمونى عندما قبلوا زواجى فى سن صغيرة، لم أعش للحظة الحياة مثل أى فتاة فى سنى، دائما أقول لنفسى يا ريتنى ما تزوجت، صعب علىَّ نفسى كثيرا، أعيش حاليا محطمة ومدمرة نفسيا لا أنا بنت ولا أنا ست تعيش مع رجل يحبها ويحافظ عليها، كان نفسى أتزوج كبيرة من شاب فى عمرى، أحبه ويحبنى».
الدكتورة عايدة عطية، مقررة المجلس القومى للمرأة بالشرقية ومدير برنامج تنظيم الأسرة بمديرية الصحة تتحدث عن الأضرار الجسدية التى تلحق بضحايا الزواج المبكر قائلة: هؤلاء الفتيات يكن أكثر عرضة للإصابة بالأنيميا وتعسر الولادة والولادة القيصرية، وتشهد تلك الفئة أيضا أعلى معدلات وفيات للأمهات والأطفال، بسبب زواجهن فى عمر أقل من 20 عاما، بالإضافة إلى إنجابهن أطفالا ناقصى النمو يحرمون من نعمة الرضاعة الطبيعية، هذا بالإضافة إلى حرمانها من فرصة التعليم والإدراك والوعى بمتطلبات الزواج والعلاقات الاجتماعية المحيطة به.
«غادة»: زوجى هجرنى
فى السابعة من عمرها، أجريت لها عملية الختان على يد إحدى «الدايات»، أسفرت عن إصابتها بنزيف حاد كاد أن يودى بحياتها، وفى الرابعة عشرة من عمرها تم تزويجها لشخص فى الستينات من عمره، تزوجها لمدة عامين ونصف وأنجب منها طفلين ثم هجرها بلا عودة، هذه هى قصة «غادة» ذات الستة عشر عاما التى تبدأ حديثها قائلة: كل من يرانى يعطينى أكبر من سنى بسبب بدانة جسدى، وهذا حال كثير من الفتيات هنا، عندما بلغت الرابعة عشرة من عمرى، أتى لى عريس عن طريق أحد معارفنا، طلب منى والدى الموافقة خاصة أنه مريض لا يستطع الإنفاق على 8 بنات، وبالفعل وافقت وتم كتابة عقد عرفى لدى محامٍ، وأعطانى مهرا 20 ألف جنيه، وانتقلت للعيش معه فى القاهرة، كان دائما يرفض اصطحابى فى الشارع ويجبرنى على المكوث فى المنزل، يخرج طوال النهار ويعود فى الليل فقط للمتعة، وكأنه استأجرنى فعليا لهذا الشىء فقط، أنجبت منه ابنتى الأولى وعشت معه عامين ونصف قبل أن أحمل فى الطفلة الثانية ويقرر أن يتركنى بلا عودة.
وتضيف ابنة الست عشرة عاما: بدأ ينزعج منى عندما تحدثت معه عن حقوقى فى الخروج معه كأى زوجة فى الشارع، ورغبتى فى شراء شقة وكتابتها باسمى حماية لى ولأطفالى، وقتها قرر أن يتركنى ولا أعلم عنه شيئا حتى الآن، ذهبت للمحامى وسألته عنه وعن أوراق الزواج لاستخراج شهادات ميلاد لأطفالى، ولكنه قال: إن زوجى أخذ كل الأوراق وتركنى بلا أى حقوق أو ضمانات.
غادة التى تعمل فى مجال التعبئة بأحد المخازن للإنفاق على نفسها، تطلق على طفلتيها أسماء وهمية حماية لهما من نظرات الشفقة التى تلاحقهما فى المنطقة: «أنا قاطعت عائلتى، لأنهم السبب فى كل ما يحدث لى ولأخوتى اللائى تزوجن أيضا فى سن صغيرة ويعيشن الآن وسط إهانات وضرب بحجة إن ضل راجل ولا ضل حيطة.. ومن المستحيل أن أفعل فى بناتى ما حدث معى».
وتقول الدكتورة إيمان دويدار، استشارى الصحة النفسية للأطفال: الفتاة فى مثل هذه المجتمعات تكون مقهورة من عدة عناصر أولها العامل الأسرى، وثانيها البيئة والمجتمع المحيط بها الذى تعيش فيه، وما يخضع له من أعباء اقتصادية، ونتيجة لذلك كله تعانى من اضطرابات نفسية عديدة مثل الخوف الذى يدفعها للعيش حياة غير مستقرة، إلى جانب عدم شعورها الدائم بالأمان وفقدها للثقة تجاه والديها، إلى جانب أن الزواج المبكر للفتاة، وما يترتب عليه من نتائج سلبية كالإهانة والضرب يجعلها عنيفة ومنطوية.
وأضافت: كما أن الفتاة أيضا يظل لديها إحساس طوال الوقت بعدم قبولها من قبل الأسرة وتشعر دائما كما لو كانت بمثابة عبء عليهم يريدون التخلص منه أى وقت، وهذا يفقدها حياتها الطبيعية، أو أن تعيش كأى طفلة فى سنها مما يصيبها بأمراض نفسية عدة مثل التبول اللاإرادى واضطرابات النوم والهلع، وهذا كله ينعكس على تعاملاتها وحياتها اليومية.
«سماح» سجلت أبناءها باسم والدها
لم تختلف قصة سماح عن سابقتها كثيرة، فتاة لحقت بصفوف المتزوجات فى السادسة عشرة من عمرها لشاب يكبرها بعشر سنوات، عرفته عن طريق أحد الوسطاء الذى أقنع أهلها أن الزواج سترة لها ورحمة لهم من نفقاتها، وبالفعل تركت التعليم وعاشت فى كنف رجلها الذى أنجب معها طفلتين أيضا ثم تركها، لتواجه مصيرا مجهولا برفقة أطفال غير محسوبين على الدولة، فقيدتهم باسم والدها.
تقول سماح: كنت أقيم فى شقة بمدينة بلبيس، وكان زوجى دائم التردد علينا، أنجبت منه الطفلة الأولى عندما بلغت السابعة عشرة من عمرى، ثم الطفلة الثانية، وبعدها تركنا فجأة دون سابق إنذار، ولا أعلم عنه شيئا، زواجنا كان بعقد عرفى، وعندما ذهبت للمأذون أسأله عن الأوراق قال: «ملكيش عندى أوراق أنتى عايزة تودينى فى داهية عايزين تعملوا لى سمعه فى البلد إنى بجوز البنات عرفى».
وتضيف: «لم أكن أعلم أى شىء عن حقوقى وأهلى وافقوا بسبب الظروف المادية بعد إلحاح من الشخص الوسيط، تركت التعليم وأنا فى الصف الأول الإعدادى، واللى هون علىّ الأمر قليلا إنى لست الضحية الوحيدة، فهناك فتيات كثيرات تزوجن فى سن صغيرة وحدث معهن ما هو أسوأ».
ترجع سماح بذاكرتها أعوام قليلة عندما كانت فى العاشرة من عمرها وأجريت لها عملية الختان فتقولك «طاهرونى» على يد ممرضة فى الوحدة الصحية، بحجة أن هذه العملية فيها صون وحماية لشرف البنت وعفة لها، صرخت من شدة الألم فى هذا اليوم، وكانت أمى تردد كلمات بجانبى «حافظى على نفسك.. حافظى على نفسك»، وتتحدث عن حالها الآن قائلة: على الأوراق أنا متزوجة، ولكن على أرض الواقع لست كذلك فلا حقوق لى ولا أعلم شيئا عن هذا الرجل، وضعى معلق ومسؤولة عن أطفال غير مثبتين لأبوهم الشرعى، أنا لا أملك من الدنيا أى شىء».
فى 2018 وصل عدد البلاغات التى تلقاها خط نجدة الطفل التابع للمجلس القومى للامومة والطفولة، بشأن حالات زواج الأطفال إلى 61 % من إجمالى عدد البلاغات المقدمة، ووصلت نسبة البلاغات التى تلقاها الخط عن مأذون شرعى أو موثق بنسبة 10% من إجمالى البلاغات، مقسمة ما بين 31 بلاغًا للإبلاغ عن مأذون شرعى اعتاد عقد قران البنات دون السن مقابل المال و10 بلاغات للإبلاغ عن شخص اعتاد إعداد عقود الزواج العرفى بغرض تزويج البنات دون السن، وأخيرا 10 بلاغات تخص تزويج بنات بغرض الاتجار وجمع المال.
ويقول صبرى عثمان، مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومى للأمومة والطفولة، يقول إن ما حدث مع الحالات السابقة والمعروف بزواج الصفقة هو شكل من أشكال الاتجار بالبشر، حيث يتقاضى أولياء أمر الفتاة مقابل مادى لإرغامها على الزواج، مضيفا: المشكلة الحقيقية التى تواجهنا فى عملنا هو إثبات هذا النوع من المخالفات من الصعب أن نضبط الأب متلبسا بتقاضيه مالا نظير عقد قران ابنته، ولكن بشكل عام نجن بحاجة لسن تشريع رادع لوقف مثل هذه الممارسات الخاطئة والجرائم التى ترتكب فى حق الفتيات.
وتابع: نتلقى عبر خط نجدة الطفل الكثير من الشكاوى والبلاغات الخاصة بتزويج الفتيات القصر، وهناك شكاوى عديدة تتعلق بصعوبة اثبات نسب الأطفال، خاصة إذا توفى الزوج أو هرب أو قام بتطليق الفتاة، فتصبح فى النهاية بلا أى حقوق، واختتم حديثه قائلا: الفتيات اللائى يتزوجن فى سن صغيرة لا يتعظن للأسف، ويتسببن فى دخول بناتهن للدائرة نفسها، ويرغمهن أيضا على الزواج فى سن صغيرة بحجة الفقر والحاجة.
وهذا بالفعل ما حدث مع «أم أمل» التى تزوجت فى الثالثة عشرة، وتركها زوجها بعدما رزقت منه بثلاث بنات وبعد مرور السنين قامت بتزويج بناتها الثلاث فى سن صغيرة كانت أكبرهن تبلغ من العمر 17 عاما، ويعيشن حاليا وسط سيل من الإهانات على يد أزواجهن، مما يعنى أن المسلسل مازال مستمرا رغم نتائجه السلبية على الطفلة والأسرة والمجتمع ككل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة