محمد الدسوقى رشدى

الأديان لا تنصرها الحجارة

الخميس، 17 يناير 2019 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أهل الجماعات السلفية والإخوانية فى مصر لا يمل الواحد فيهم عن نشر صورة لمسلم يصلى فى طرق وشوارع بلاد أوروبية ملحقة بتعليق: «الله أكبر ما شاء الله، متدين يحب ربه ويؤدى فرضه فى كل مكان»، نفس العين إذا شاهدت مسيحيًا يصلى فى كنيسة لم تنتهِ جدرانها بعد، أو فى منزل أو بيت خدمات، تهتف كما حدث فى العامرية أو المنيا: «مش عاوزين كنيسة.. مش عاوزين كنيسة»، ويسألونه عن تصريح وكأن الصلاة تحتاج إلى ختم النسر من الحى ووزارة الإسكان وقرار جمهورى.
 
ما حدث ويحدث فى المنيا نتيجة لتطرف سلفى ودينى وجهل شعبى بخطر الفتنة الطائفية على الوطن، قبل أن يكون جهلا بتعاليم الدين ذاته، هذا وقت مواجهة الواقع وليس وقت أكاذيب أو عمليات تجميل، الوقت الآن وقت فتح الجروح ومعالجتها، دينيًا بإزالة آثار عدوان التطرف، ومجتمعيًا بوضع حد للجهل بمخاطر الفتنة على وطن قوته فى نسيجه الواحد، ومؤسسيا برفع القانون الذى يحافظ على استقرار الوطن فوق رؤوس الجميع.
 
التعامل مع أزمات الفتنة بروح الحوادث الفردية لن يكون مجديًا، هى خلية سرطانية فى جسد هذه الأمة يغذيها التطرف والجهل والخطاب الدينى الأعرج فكريًا، وقبل ذلك غياب القانون ووجود مسؤولين فى الإدارات والأحياء ومكاتب المحافظات ليسوا على نفس درجة كفاءة وأحلام وطموحات القيادة السياسية، يغرقون فى الروتين ولا يملكون حلولًا إبداعية لعلاج المشاكل قبل تضخمها، ويلجأ ظنًا منهم أن التهدئة أهم من الحل الجذرى.
 
ما حدث فى المنيا بقايا شاردة من عصر الجهل والتخلف والتعصب، لن تختفى بسهولة، ولن تزول بين ليلة وضحاها، فالذين يملأهم التعصب ويشعلون فتنة بسبب شائعات نسائية أو شائعات عن بناء كنيسة يستحقون أن تهدم منازلهم فوق رؤوسهم التى امتلأت بتعاليم الجهل ووعظ التطرف طوال الأعوام الماضية، لا بد أن ندرك ذلك حتى ترتاح ضمائرنا وتهدأ عقولنا، ولا بد أن يتقدم العقلاء من أبناء هذا الوطن فى طريق التهدئة ونشر الوعى وإعادة ترتيب الأولويات التى تأخذ بيدنا للخروج من تلك المحنة، لا بد أن يعلم كل صاحب غرض فئوى أو شخصى أن مصلحة مصر أهم.
 
لا تأخذكم بهؤلاء الذين أشعلوا الفتنة فى المنيا أى رحمة، فلا شىء قد يصلح للخلاص من بعبع الفتنة الطائفية الذى يطل علينا «كل شوية» ويزرع فى قلوبنا خوفًا ورعبًا سوى حل جذرى يعلى من شأن القانون والمواطنة.
 
أى شىء يضير أو يصيب المسلم بوجع إذا قام المسيحى فى بلدته ببناء كنيسة أو حتى ألف؟.. لا الإسلام حرم ذلك، ولا الأخوة والعِشرة والمواطنة تقول بأن الدم والفتنة هما الرد الأنسب على تحرك سور كنيسة من مكانه أو تحويل مبنى سكنى إلى مبنى كنسى؟! هل تتخيل أن الإسلام قد يتأثر إذا زاد عدد الكنائس؟، هل تتخيل أن المسلمين فى مصر سيصبحون فى خطر إذا وقعت أعينهم على قبة كنيسة أو صليب؟، إن كنت تعتقد ذلك، أو من ساهم فى إشعال أزمة كنيسة المنيا، فكّر فى ذلك، فلا بد أن تعلموا أن الإسلام لم يتلقَّ إهانة أكبر من تلك، ولا بد أن تعودوا لمراجعة بنيان العقيدة الإسلامية، لتتأكدوا بأنفسكم أنها أقوى من إسلام شخص هنا أو تنصّر آخر هناك.
 
فى أزمة كنيسة المنيا تبدو الأمور أوضح قليلًا عن ذى قبل، خطاب دينى مشوش حول التدين إلى طقوس ظاهرية، وجعل المسلم يؤمن بأن نصرة دينه تتلخص فى زيادة عدد المساجد ومنع بناء المزيد من الكنائس، ودفع المسيحى لأن يؤمن بأن مضاعفة عدد الكنائس هو السبيل الأمثل للحفاظ على دينه وحقوقه، حتى أصبح من الطبيعى أن تجد أمام كل كنيسة مسجدًا، وأصبح من الطبيعى أن تجد صراعًا مكتومًا وخفيًا بين الطرفين حول من يجعل مبناه العقائدى أكبر وأجمل حتى ولو حدث ذلك على حساب آلاف الفقراء الذين أقرت الديانتان المسيحية والإسلامية بأولوية الإنفاق عليهم وكفايتهم ذل السؤال.
 
الحل فى الصراحة والمكاشفة، فى أن يواجه هذا الوطن مشكلاته ويعترف بخلايا التعصب التى تنتشر فى أوصاله حتى ننجح فى محاصرتها واستئصالها، الحل يكمن فى  إعلاء قيمة القانون فوق رؤوس الجميع، القانون الذى يحمى الوطن ويضمن استقراره وتماسكه له الأولوية، يتبعه خطاب دينى مستنير ومحترم يقنع المسيحى والمسلم بأن الأديان لا تنصرها الحجارة، سواء شكلت مسجدًا أو كنيسة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة