"صوت خافت فى أذن وزير الرى، ينبهه إلى قيمة ورمز تاريخى شاهد على بناء السد العالى، يوقظ الوزير ويقلب الوزارة رأساً على عقب "هاتولى سيارة الزعيم.. عايزكم تجيبولى عربية عبد الناصر"، توقف كلام وزير الرى لتبدأ جهود جبارة فى إنقاذ التاريخ الحى للعثور على السيارة التى كان قادها الزعيم جمال عبد الناصر عند تحويل مجرى نهر النيل لبناء السد العالى، وأثناء عملية إنشائه.
اليوم السابع يرصد رحلة استعادة التاريخ الحى لعصر بناة السد، كما يرويها المهندس أشرف سيدهم مدير الحملة الميكانيكية بديوان وزارة الرى، والذى تم تفويضه من قبل وزير الرى.
ى بصيانة السيارة وإعادتها إلى الحياة مرة أخرى باعتبارها رمزا تاريخيا.. حيث يقول إنه ذهب ومعه فريق عمل من الوزارة إلى المخازن التابعة لوزارة الرى بمنطقة شبرا - المظلات للبحث عن السيارة وسط مئات القطع من الخردة الملقاة على أسطح المخازن، وهناك وجد ضالته، وعلى الفور أجرى اتصالاً هاتفياً بالوزير يبلغه فيه بالعثور عليها، لكن هناك صعوبة كبيرة فى نقلها.. وعلى الجانب الآخر من الهاتف ابتسامة هادئة من الدكتور محمد عبد العاطى وزير الرى "ابدأ التنفيذ.. أوامرك معالى الوزير".
هنا لم يجد سيدهم سوى حل واحد، فقط بأن يتم تفكيك السيارة بالكامل، وعلى مدار 10 أيام متواصلة من العمل تمكن خلالها فريق العمل من نقل السيارة من مخازن "الكهنة" بعد مضى ثلاثين عاماً من الإهمال، عرضت خلالها للبيع بمبلغ 1000 جنيه، لكن القدر أنقذ التاريخ، وتراجع تاجر الخردة عن شرائها بحجة عدم صلاحيتها!
واستدعى وزير الرى، المهندس أشرف سيدهم ليسأله عن حالة السيارة، فأجابه "خردة يا معالى الوزير".. الصمت التام يخيم على أرجاء المكان لبضع دقائق، ثم يستدرك الوزير: عايزين نجددها.. "تمام يا أفندم".. وتمشى .." تمام يا أفندم".. بمعنى أصح عايزها على الزيرو يصمت بعض الوقت ليرد "تمام يا أفندم".
خرج سيدهم من مكتب وزير الرى مثقلاً بأعباء المهمة الصعبة وهى استعادة التاريخ المطموث فوق سطح أحد مخازن "الخردة" التابعة لوزارة الرى، ليبدأ العمل فيها فى فبراير 2018 إلى ديسمبر من العام نفسه.
القدر لم يخذل سيدهم وفريق عمله، الذى لم يجد حلا سوى مخاطبة الشركة المصنعة للسيارة، التى لم يكن متوفرا لديها أياً من هذه القطع، ولا حتى بأسواق الخردة الشهيرة.. إذاً التكنولوجيا هى الحل فقد تم تصميم بعض القطع من خلال برامج كمبيوتر وتنفيذها على "ماكيت" ثم تصنيعها فى أحد المصانع.
وتمكن فريق العمل من اكتشاف مفاجأة وهى أن السيارة تم طلاؤها قبل تكهينها بلون أسود، وهو ليس اللون الأصلى لها، حيث إن مواصفات السيارة الأصلية أنها موديل 1958، ماركة شيفروليه، موديل بِل إير، بمحرك 8 سلندر، بسعة 3 آلاف سي سي، وقدرة 167 حصان، ليتم استخدم التكنولوجيا مرة أخرى للخروج بملامح اللون إلى درجته الكلاسيكية القديمة، بين درجتى الأخضر: "البترولى والكرمبى".
وفى نهاية عام 2018، انتهى الفريق الفنى من إعادة السيارة إلى حالتها الأصلية، لتذهب إلى السد العالى، الذى كان شاهدا على شبابها فيما كانت هى شاهدة على لحظة ميلاده، لتستقر فى مكانها الذى تستحق ولتكون شاهدة على فصول جديدة فى عصرنا الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة