تعد منطقة المسلة الناقصة بمحافظة أسوان من أهم الشواهد التى تعكس عظمة القدماء المصريين فى فن العمارة والبناء والنحت، لذا عند زيارتك لمحافظة أسوان ستكون منطقة المسلة على أولوية أجندتك السياحية، حتى ترى كيف تمكن المصرى القديم من التمكن فى بناء القطع المعمارية بهذه الدقة كما تمكن من نقلها بالأحجام العملاقة عبر المراكب لتستقر بمختلف المعابد الهامة.
وأكد الدكتور عبد المنعم سعيد، مدير عام أثار أسوان والنوبة، أن المسلة كانت رمز من رموز المعبود رع إله الشمس لدى المصرى القديم، وكانت القمة المدببة بالمسلة والتى يطلق عليها "بن بن"، بمثابة المقعد الذى كان يجلس عليه المعبود رع، موضحا أن هذه القمة كانت تصنع بخليط من الذهب والفضة فعندما ينعكس عليها ضوء الشمس أو القمر ليلا كان تنير المعبد بأكمله، مضيفا أن المسلات الفرعونية ظهرت فى عصر الدولة القديمة، إلا أنها انتشرت فى عصر الدولة الحديثة وكان عصر الملكة حتشبسوت هو العصر الذهبى لها.
وأوضح مدير أثار أسوان والنوبة، لليوم السابع، أن الأهمية التاريخية لمنطقة المسلة الناقصة ترجع إلى أنها كشفت كيفية قطع وصقل المسلة، حيث كان يتم عمل قنوات محيطة بها من خلال حجر الديوريت، وكان يتم اشعال النيران فوق سطحها ثم اسكاب الماء عليها حتى يتم صقلها ويتمكن المصرى القديم من الكتابة على جدرانها، مشيرا أنه كان يتم شق قنوات من مجرى النيل لتصل إلى المسلة لنقلها إلى المعابد الأخرى.
وحول المسلة الناقصة، أوضح مدير آثار أسوان والنوبة، أن المسلة يبلغ وزنها نحو 1164 طن وارتفاعها 14 مترا، مشيرا أنها لم يكتمل بنائها نظرا لأن حدث بها شروخا فتعذر نقلها، إلا أنها رمزا هاما على طريقة بناء المسلات الفرعونية التى تنتشر حول بلدان العالم.
وحول خطة تطوير منطقة المسلة الناقصة، أشار إلى أن وزارة الآثار انتهت بالفعل من إزالة كافة شجار الهيش التى كانت تحجب الرؤية عن المسلة، وتم وضع مشروع لإقامة ماكيت مصغر عن المنطقة بجانب لوحات إرشادية توضح معلومات عن المسلة وكيفية صنعها، من أجل تزويد الزائر بالمعلومات المختلفة عنها.
كما التقى اليوم السابع بأقدم حارس بمنطقة المسلة الناقصة، ويدعى سعيد مهران، والذى بدأ حديثه قائلا: أعمل فى هذه المنطقة منذ 15 عاما، فمنذ عملى فى وزارة الآثار وأنا حارسا على هذه المنطقة التى يأتى لها مختلف الجنسيات يوميا، وأوضح: هذه المسلة تعد أكبر مسلة بالعالم فإذا كان اكتمل بنائه كانت ستصبح من أهم المسلات الفرعونية التى تم بناؤها، ولكن خلال عملية البناء فى عهد الملكة حتشبسوت حدث شرخا فى الجزء العلوى، اعاب بنائها، واستقرت من وقتها المسلة آلاف السنين فى مكانها لتصبح أهم مزارا أثريا بأسوان.
وأضاف أقدم حارس بمنطقة المسلة الناقصة قائلا: أن هذه المنطقة كانت مجمع لتصنيع المسلات الفرعونية من الجرانيت ونقلها إلى مختلف المعابد المصرية، فمن ضمن المسلات المنحوتة بالمنطقة توجد مسلة تركها المصرى القديم لنتعلم كيف كان يتم بنائها بهذه الأحجام وكيفية نقلها عبر مجرى النيل الذى مازالت أثاره باقية حتى الوقت الراهن.
وأوضح كان المصرى القديم يقوم بنحت قطع الجرانيت لصناعة المسلة من خلال اقتطاعها من الأحجار، وكان يستخدم حجر الديوريت كأداة لقطع الأحجار وفصلها عن بعضها لبعض، ثم يستخدم الحجر ذاته أيضا فى تنعيم المسلة حتى يتمكنوا من الكتابة والتوثيق عليها، ثم تأتى أهم مرحلة وهى فصل المسلة عن الكتلة الحجرية المرتبطة بها، موضحا أنه كان يستخدم من أجل ذلك شجر الجميز، والذى يوضع بين المسلة والحائط الملتصق بها من خلال فتحة طولية وكان يترك لمدة يومين فى الماء فعندما يمتد حجمه يتمكن من فصل المسلة.
وعند زيارتك منطقة المسلة الناقصة، أول ما قد يثار فى ذهنك كيف نجح المصريين القدماء فى نقل هذه المسلات ذات الأحجام الضخمة، إلى المعابد الأثرية بالمحافظات الأخرى، فأشار"ٍسعيد" قائلا: كانت عملية النقل من أصعب المراحل فى بناء المسلة لذا كانت تنقل عبر مراكب تسير فى مجرى النيل، وكان يتم صناعة هذه المراكب من خشب الأرز المتين، حيث كانت هناك قناة مازالت اثارها باقية منذ آلاف السنين، ترسى المراكب على ضفافها حتى يتم نقل المسلة عليها".
وتعد مصر من أكثر الدول التى تملك مسلات فرعونية يتجاوز عمرها آلاف السنين، وبرغم أن العديد من المسلات الأثرية لملوك مصر الفرعونية تعرض فى عدد من الدول الأوربية مثل فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، إلا أن منطقة المسلة بأسوان خير دليل على أن المصرى القديم هو الوحيد الذى يملك مهارة فائقة قى بناء هذا الفن المعمارى الفريد، وأشار أقدم حارس بالمنطقة، إلى أنه بهذه المنطقة صنع تابوت الملكة حتشبسوت الذى يعد من أكبر التوابيت المصنوعة، حيث صنع من مادة الجرانيت، وكان حجمه كبيرا للغاية، وتم نقله بعد ذلك إلى معبد الملكة حتشبسوت بمحافظة الأقصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة