ربما كانت لحظة مفصلية فى تاريخ مسلمى الجنوب الفلبينى مع ترشح الرئيس الحالى رودريجو دوتيرتى فى الانتخابات الرئاسية بالفلبين فى عام 2016، حيث يتبى مشروع تأسيس دولة فيدرالية يتمتع خلالها المسلمون بحكم ذاتى على مناطقهم، بالإضافة إلى إدراكه الواسع بقضايا الجنوب منذ أن كان عمدة مدينة دافاو الجنوبية لمدة 20 عاما كاملة، وهو الأمر الذى ساهم فى قيام سكان الجنوب المسلمين لدعمه وبالتالى كانت أصواتهم حاسمة ليفوز بالانتخابات والوصول إلى قصر الرئاسة فى العاصمة مانيلا، أملا فى أن يضع حدا للمأساة التى عانوا منها لعقود طويلة من الزمن.
ولعل استفتاء اليوم الاثنين فى مناطق الجنوب الفلبينى، والتى من المتوقع أن تسفر عن حصول المسلمين على حكم ذاتى فى مناطقهم، بمثابة ثمرة الدعم الذى قدموه لدوتيرتى قبل ما يقرب من ثلاثة أعوام، حيث لعب دورا بارزا فى تمرير خطته لتشكيل فيدرالية من شأنها حصول مناطق الجنوب ذو الأغلبية المسلمة على الحكم الذاتى عبر البرلمان، وهو الأمر الذى فشل فيه أسلافه بصورة كبيرة.
رؤية دوتيرتى.. رئيس الفلبين يقوض الإرث الأمريكى
ويمثل الدعم الكبير الذى يقدمه دوتيرتى لخطة استقلال الجنوب امتدادا لسياساته القائمة على القضاء على بقايا الاستعمار الغربى، حيث كان الجنوب الفلبينى مستقلا حتى فى ظل الاستعمار الأسبانى للبلاد، إلا أن تنازل أسبانيا عن الفلبين للولايات المتحدة بموجب معاهدة باريس، كان بمثابة نقطة فارقة فى تاريخ البلاد، حيث قامت القوات الأمريكية بضم الجنوب إلى الشمال، قبل أن تمنح الولايات المتحدة الفلبين استقلالها فى منتصف الأربعينات من القرن الماضى.
رودريجو دوتيرتى
وهنا بدأت معاناة سكان الجنوب من جراء التهميش الذى مارسته الحكومات الفلبينية المتعاقبة، على المسلمين، خاصة فى عهد فرديناند ماركوس، والذى تولى مقاليد الحكم فى عام 1965، حيث تبنى نهجا قمعيا عنيفا فى مجابهة الدعوات التى تبناها الجنوبيون لتحقيق حلم الاستقلال، وصلت إلى حد ارتكاب مجازر بحقهم قامت خلالها القوات الفلبينية بقتل المئات من المسلمين، وهو ما يعتبره الرئيس الفلبينى بمثابة الإرث الذى تركته الولايات المتحدة فى بلاده، خاصة وأنها كانت تبارك الخطوات التى يقوم بها حلفاؤها وعلى رأسهم ماركوس.
بين أوباما وترامب.. دوتيرتى يواصل التحدى للهيمنة الأمريكية
ويعد الدعم الذى يقدمه الرئيس الفلبينى للاستفتاء بمثابة استمرارا لمواقفه المناوئة للهيمنة التى مارستها الإدارة الأمريكية على بلاده لعقود طويلة من الزمن، وهو ما بدا واضحا فى خطاباته المعادية للولايات المتحدة، خاصة خلال عهد الإدارة السابقة، التى ترأسها الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى وصفه دوتيرتى قبل انتهاء ولايته بـ"إبن العاهرة"، وهو التصريح الذى أثار حالة من الجدل على المستوى الدبلوماسى، خاصة وأنه أعلن بالتزامن مع ذلك عن قطع العلاقات مع واشنطن.
الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما واجه إهانات بالغة من دوتيرتى
وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين مانيلا وواشنطن بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل عامين، خاصة بعد الزيارة التى قام بها الرئيس الأمريكى إلى مانيلا فى نوفمبر 2017، فى إطار جولة آسيوية، إلا أن تصريحات دوتيرتى المعادية لواشنطن لم تتوقف، حيث وصفها بأنها بلد سيئ للغاية ولا يستحق شرف زيارته لها، وذلك فى تعليق على دعوة ترامب له بزيارة البيت الأبيض.
خطوات جدية.. دوتيرتى يدعو للتصويت بـ"نعم"
وعلى الرغم من أن الطريق إلى الاستفتاء قد بدأه الرئيس الفلبينى السابق بينينو أكينو، والذى وقع اتفاقية سلام مع جبهة مورو الإسلامية فى الجنوب عام 2015، إلا أن الغالبية العظمى من مؤيدى الاستقلال يرون أن الخطوة كانت مجرد محاولة لتهدئة الأوضاع، حيث لم يتخذ خطوات جدية لتمرير قانون يعطيهم الحق فى إجراء استفتاء من شأنه منحهم الحكم الذاتى، على عكس النجاح الذى حققه دوتيرتى فى هذا الإطار.
ترامب ودوتيرتى
ودعا دوتيرتى، فى خطاب قبل عدة أيام، سكان الجنوب للتصويت بـ"نعم" فى الاستفتاء، موضحا أن هذا هو السبيل الوحيد لتصحيح الظلم التاريخى الذى تعرض له سكان الإقليم خلال عقود طويلة من الزمن، معتبرا أن الخطوة التى تشهدها بلادهم هى بمثابة ثمرة دموع وعرق ودماء بذلها الأسلاف، ليهتف بعد ذلك أثناء الخطاب "الله أكبر".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة