أرسلت القيادة السوفيتية طائرة خاصة إلى القاهرة، وحطت فى مطار ألماظة العسكرى لتنقل الرئيس جمال عبدالناصر والوفد المرافق له إلى موسكو مساء 21 يناير - مثل هذا اليوم - 1970.. وقرب فجر يوم 22 يناير.. كانت الزيارة سرية، وكان الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل ضمن الوفد المرافق، ويتذكر فى برنامجه «تجربة حياة»على «فضائية الجزيرة: «قصد أن تجىء الطائرة سوفيتية فى ذلك الوقت من باب السرية والحماية، وصعد إلى الطائرة حوالى 25 راكبا.. فى الجزء الأول كان الرئيس جمال عبدالناصر، والفريق أول محمد فوزى وزير الحربية ومحمود رياض وزير الخارجية وأنا والسفير السوفيتى فى القاهرة «سيرغى فينوغرادوف»، وفى الجزء الثانى من الطائرة كان عدد من القيادات المصرية والسوفيتية اللى كانوا يدرسون بعض موضوعات طلبها عبدالناصر، وبالتحديد كان منهم الجنرال غلوبيون وهو خبير فى الدفاع الجوى، وخبير فى العمليات البحرية برتبة أدميرال وهو «ألكسى شيوكوفسكى»، ومجموعة من الخبراء السوفيت الذين يعملون فى مصر، وأربعة من سكرتارية الرئيس، واثنين من الأطباء».
يؤكد «هيكل» أن عبدالناصر كان مصابا بنوبة برد، وجاء له أحد الأطباء وأعطاه دواء، لأنه يريد العمل فى الطائرة طوال فترة السفر،.. يتذكر هيكل: «أول ما طلعت الطائرة وبقينا فوق الدلتا تقريبا جاءت معلومات فى رسائل مشفرة من الفريق محمد أحمد صادق رئيس أركان حرب القوات المسلحة للفريق فوزى، بأن الإسرائيليين بدؤا عملية إنزال على جزيرة شدوان».. تواصلت الرسائل المشفرة وكان يحلها ضابط من الموجودين مع الفريق فوزى»،.. يوضح هيكل: «بدا الفريق فوزير عليه القلق، وقال لجمال عبدالناصر إنه يخشى جدا أن تكون عملية الإنزال على شدوان مقدمة لعملية عبور إلى الشاطئ الآخر أى إلى الغردقة، ثم من الغردقة إلى وادى النيل، لكن عبدالناصر استبعد هذا الاحتمال».
يكشف هيكل أن فكرة للعودة إلى القاهرة طرأت.. يقول: «الفريق فوزى اقترح أن نرجع وأن ينزل هو ويقود المعركة»، لكن عبدالناصر قال: «سيب المعركة للفريق صادق، وأنا مطمئن إلى قائد جبهة البحر الأحمر اللواء سعيد الشاذلى»، «الفريق فيما بعد»، وأضاف: «سيب الموضوع للعسكريين يديروا معركتهم دون اعتراض، لإنه إذا رجعنا هنعمل ربكة شديدة جدا».
استمرت المعركة طوال ساعات الرحلة وبعد الوصول إلى موسكو بساعات، وحسب الفريق فوزى فى مذكراته «حرب الثلاث سنوات - 1967 - 1970»: «نجحت المدفعية طويلة المدى التى دفعتها قيادة المنطقة إلى الشاطئ الغربى لخليج السويس فى تهديد قوة العدو المهاجمة، واضطرته للانسحاب، وفشل العدو فى الاستيلاء على الجزيرة»، وفى الثامنة والربع من صباح 23 يناير 1970 صدر بيان عسكرى مصرى قال: «بدأ العدو هجوما جويا مركزا على جزيرة شدوان.. وتصدت وسائل دفاعنا الجوى لطائراته وأسقطت طائرة منها شوهد قائدها يهبط بالمظلة فى البحر.. وهاجم العدو بواسطة قواته الجوية، المكونة من طائرات الفانتوم وسكاى هوك الأمريكية الصنع، بعض قواربنا التى كانت تتصدى له فى المنطقة وأصاب واحدا منها إلا أن وسائل دفاعنا الجوى أسقطت له طائرة آخرى، وخاضت القوات المصرية المعركة ببسالة وأنزلت بالقوات المهاجمة خسائر جسيمة فى الأفراد لا تقل عن ثلاثين بين قتيل وجريح، وتمكنت وسائل الدفاع الجوى المصرية من إسقاط طائرتين للعدو إحداهما من طراز «ميراج» والثانية طراز «سكاى هوك».. وبعد قتال عنيف ومرير استمر 36 ساعة كاملة خاضته ببسالة قوة مصرية صغيرة، اضطرت القوات الإسرائيلية التى تقدر بكتيبة مظليين كاملة للانسحاب من الأجزاء التى أحتلهتا».
كان جنود الجيش المصرى يخوضون معركتهم البطولية ببسالة، وكان الفريق فوزى ينقل الأخبار أولا بأول إلى عبدالناصر، وإلى جانب ذلك ووفقا لهيكل بدأ الرئيس وهو فى الطائرة الاستعداد لمراجعة الملفات الخاصة بالزيارة.. يؤكد هيكل: «طلع من شنطته تقريرا هو كتبه بخط يده عن سلسلة لقاءات مكثفة عملها هو مع كل الخبراء السوفيت استعدادا لرحلة موسكو».. يعلق هيكل: «هو كان فيه ميزة هائلة وهى إنه رجل بيعمل الواجب اللى عليه، ويدرس موضوعاته قبل ما يتكلم.. كان كاتب عشرين ورقة بخط يده على كل الملاحظات اللى سمعها سواء من القادة المصريين أو من الخبراء السوفيت أنفسهم، لأنه أراد أن يعد نفسه لمناقشة عسكرية هو يعلم أنها سوف تجئ».
وصلت الطائرة إلى موسكو الساعة العاشرة صباحا، ويتذكر هيكل: «لقينا أربع عربيات «الزيل» السوفيتية مغطاة بالستائر، ووجدنا الرئيس السوفيتى «بودغرنى»، وكوسيجين رئيس الوزراء فى انتظار عبدالناصر، ومشى موكب العربيات فى طرق دائرية لتجنب الدخول إلى موسكو لأنه كان مقصودا إبقاء هذه الزيارة سرا لا يذاع إلى أقصى مدى ممكن».. وتواصل الحدث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة