لا يمكن أن تظل جرائم تنظيم الحمدين السياسية والاقتصادية طى الكتمان طوال الوقت، ولا يمكن أن يستمر موال شراء سكوت الصحف والمحققين لأجل غير مسمى، فهناك فى العالم صحف لا تقبل البيع وكتاب لا يؤجرون أقلامهم لمن يدفع، وفى هذا السياق يتفرج العالم على نتائج فضيحة تنظيم الحمدين وبنك باركليز البريطانى الشهير، وهى الفضيحة التى بدأت فصولها عام 2008 واستمرت التحقيقات السرية والعلنية فيها أكثر من 5 سنوات، وكانت أولى جلسات محاكماتها العلنية منذ أيام قليلة.
الفضيحة باختصار طرفاها 4 مسؤولين كبار ببنك باركليز وحمد بن جاسم وكبار معاونيه فى الصندوق السيادى القطرى وممثلة «شركة قطر القابضة»، ففى العام 2008 كان بنك باركليز يعانى من أزمة مالية طاحنة وتراجعت أسهمه بشكل كبير، كما تأثرت عملياته سلبا بحكم تراجع عملياته الناجحة واهتزاز أسهمه فى الأسواق العالمية، حتى بات على شفا الإفلاس، الأمر الذى دفع الحكومة البريطانية إلى التدخل والتقدم بما يسمى عرض الإنقاذ، الذى يعنى ضخ عدة مليارات من الجنيهات الاسترلينية فى البنك لإنقاذه من الإفلاس مع منح الحكومة البريطانية قدرا كبيرا من السلطة فى الإشراف على عمليات البنك وسياساته المالية مع تطبيق نظام تقشفى يخص رواتب كبار المسؤولين وموظفى البنك.
كبار مسؤولى البنك وعلى رأسهم المتهمون الأربعة الكبار، وهم المدير التنفيذى السابق جون فارلى، وروجر جنكنز رئيس مجلس إدارة وحدة التمويل الاستثمارى فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمديران السابقان توماس كالاريس وريتشارد بواث، قرروا التستر على أوضاع البنك ورفض عرض الإنقاذ من الحكومة البريطانية، لأن قبوله يعنى تخفيض مخصصاتهم المالية أكثر من 60 بالمائة، وكان الحل الذى توصلوا إليه التفاوض مع «إتش بى جى» أو حمد بن جاسم المسؤول الأول عن الصندوق السيادى القطرى/ ليكون بديلا عن الحكومة البريطانية، لأن حمد بن جاسم لن يكون له شروط مشددة على البنك أو يطالب مسؤوليه بالتقشف، وهو المعروف أصلا بعملياته المشبوهة فى الأسواق المالية العالمية وتورطه فى قضايا عديدة لغسيل الأموال وتمويل جماعات الإرهاب، فضلا عن علاقته الوثيقة بعدة أجهزة استخبارات غربية توفر له مظلة الحماية وحرية الحركة وعقد الصفقات مقابل تمويل الأنشطة الإرهابية فى العراق وسوريا وليبيا وشمال سيناء.
وبدأت بالفعل عمليات التفاوض بين عصابة الأربعة فى بنك باركليز ومستر «إتش بى جى» التى كان مسارها الرئيسى ضخا متبادلا للأموال بين البنك وحسابات إتش بى جى وكبار مساعديه، واستمرت هذه المفاوضات أشهر عدة حتى انتهت إلى صفقة من أغرب الصفقات المالية، ويتم بمقتضاها تقديم قطر القابضة قرضا قيمته 12 مليار دولار للبنك مع اقتطاع نحو 200 مليون دولار عمولات مشتركة، ومن هذا المبلغ نفسه تحصل الحكومة القطرية على قرض قيمته 3 مليارات دولار من بنك باركليز بفائدة مرتفعة مقابل نسبة من أسهم البنك، لإنعاش سياسات البنك المالية وغسيل سمعته فى الأوساط العالمية، ولكن تكلفة هذا القرض الثانى 320 مليون دولار تصب كلها فى حسابات «اتش بى جى» أو الفاسد الأكبر.
ووفق هذه الصفقات التى تدخل تحت بند الاحتيال والتلاعب، فاز الرباعى الفاسد فى إدارة البنك ومعهم حمد بن جاسم ومساعدوه فى الصندوق السيادى القطرى بعمولات كبيرة، لكنهم تستروا على الأوضاع المتردية للبنك وعرضوا حسابات مئات الآلاف من العملاء وصغار المساهمين للخطر، كما أوقفوا عملية إنقاذ حقيقية وشفافة كان يمكن أن تقوم بها الحكومة البريطانية من أجل مصالحهم الشخصية، وهى الحيثيات التى يحاكمون بسببها أمام القضاء البريطانى، وبالطبع سيأتى وقت يطالب فيه المدعون بمثول حمد بن جاسم ومساعديه أمام المحكمة، وإن غدا لناظره لقريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة