"المانجو المقدسة" مصطلح غريب قد يعتبره البعض مزحة أو سخرية من شىء ما، ولكن فى الحقيقة هذه الفاكهة الاستوائية أصبحت لها قدسية كبيرة تصل إلى حد تقديس الآلهة فى إحدى الدول الآسيوية، وتحديدًا الصين، ولم يكن هذا الأمر منذ قرون طويلة عبر الزمن، بل فى منتصف القرن العشرين.
جاء تقديس ثمرة المانجو على يد الزعيم الصينى ماو تسى تونج، الذى أعلن عام 1966 بداية ما عرف بـ"الثورة الثقافية"، والتى كانت عبارة عن حركة اجتماعية وسياسية سعى من خلالها - بحسب قوله - إلى اجتثاث من سماهم الرأسماليين والبورجوازيين بالحزب الشيوعى الصينى وتشجيع الماوية (Maoism)، وهى عبارة عن نظرية سياسية شيوعية مقتبسة من أفكاره.
المانجو المقدسة فى الصين
نماذج رمزية لثمرة المانجو فى الصين
ودعمت الثورة الثقافية مكانة "ماو تسى تونج" فى الصين، لتجعل منه القائد الأبرز، بينما شهدت البلاد حالة فوضى وأعمال عنف أسفرت عن سقوط مئات آلاف القتلى وتدهور الاقتصاد، وعرفت جمهورية الصين الشعبية، أثناء فترة الثورة الثقافية، حدثًا غير مسبوق سجل كواحد من أغرب الأحداث خلال القرن العشرين، ففى أواخر ستينيات القرن الماضى اتجه الصينيون، بناءً على رغبة ماو تسى تونج، إلى تقديس فاكهة المانجو بشكل هستيرى أثار ذهول العالم.
ففى الرابع من أغسطس 1968، توجه وزير الخارجية الباكستانى شریف الدین بیرزادہ فى زيارة رسمية إلى الصين، قدم خلالها هدية رمزية للزعيم الصينى كانت عبارة عن سلة احتوت على نحو 40 ثمرة مانجو.
من جانبه، استغل الزعيم الصينى ماو تسى تونج هذه الهدية كما يجب ليجعل منها رمزًا لزيادة حماس العمال، وفى اليوم التالى 5 أغسطس 1968 أرسل الزعيم الصينى ثمرات المانجو إلى مجموعة من العمال الأوفياء بجامعة تسينجهوا، الذين تكفلوا بتوزيعها على عدد من أكبر مصانع العاصمة بيكين.
استقبال جماهيرى لثمرة المانجو فى أحدى المدن الصينية
مجسم للزعيم الصينى ماو تسى تونج وبجانبه سلة لفاكهة المانجو
وخلال فترة وجيزة، تحولت فاكهة المانجو، التى أرسلت للمصانع، لنوع من الأشياء المقدسة القادمة من عالم آخر، واعتبرها العمال، الذين لم يسبق لهم أن شاهدوها فى حياتهم، رمزاً مقدساً يعبر عن حب "ماو تسى تونج" لهم، لتبدأ بناءً على ذلك التصرفات الغريبة التى أثارت ذهول العالم، وذلك حسب تقرير نشرته شبكة "CNN" الإخبارية.
ففى مصنع النسيج فى بكين، أقام العمال احتفالاً رسمياً لاستقبال فاكهة المانجو قبل أن يقدموا على وضعها فى وعاء مغلق عند باب المصنع، وكل صباح أجبر جميع العمال على تقديم التحية لها عند دخولهم لاستلام مهامهم، وما إن تعفنت حبة المانجو أقدم المسئولون بمعمل النسيج على طهيها فى الماء الساخن قبل أن يعمد العمال إلى شرب كميات صغيرة من هذا الماء، الذى اعتبروه مقدساً.
احتفاء جماهيرى بالمانجو المقدسة فى الصين
العمال فى الصين يحتفلون بفاكهة المانجو
وفى نفس الفترة، سعى أحد مصانع العاصمة إلى إرسال المانجو لأحد فروعه بمنطقة شنجهاى، فما كان منه إلا أن استعان بطائرة نقل خاصة، خصصت لنقل ثمرة المانجو، وفى غضون أشهر قليلة بلغت هستيريا المانجو ذروتها حيث عمد المسئولون الصينيون إلى صناعة نماذج من البلاستيك والشمع والورق لفاكهة المانجو وإرسالها إلى بقية المدن وتوزيعها على العمال، كذلك اتجهت المصانع الصينية إلى إنتاج أدوات منزلية وعلب سجائر رسمت على واجهتها صورة هذه الفاكهة الاستوائية لتغزو المانجو أبسط مظاهر حياة الصينيين.
وفى مدينة تشنجدو، التى تصنف ضمن قائمة أكبر المدن الصينية من حيث عدد السكان، تجمع ما يزيد عن نصف مليون شخص لاستقبال فاكهة المانجو عند وصولها المدينة، إلى هذا الحد لم تحدث كل الأمور الغريبة، بل غير المتوقع أن حصلت امرأة على حكم بالإعدام فى أحدى القرى الصينية، بسبب وضعها المانجو فى مقارنة مع البطاطس، حيث وجهت لها المحكمة تهمة "سب" رمز من رموز البلاد.
وخلال اليوم الوطنى الصينى لعام 1968، كانت المانجو حاضرة فى معظم الملصقات الدعائية، حيث حظيت هذه الفاكهة الاستوائية بمكانة هامة لدى جميع شرائح المجتمع، وظلت الصين على هذه الحالة لفترة قاربت السنتين، حتى تراجعت مكانة المانجو بشكل تدريجى قبل أن تختفى تمامًا خلال السنوات التالية.
جنود فى الجيش الصينى يحتفلون بفاكهة المانجو
رسالة للزعيم الصينى ما تسى تونج
عمال صينيون يحتفون بفاكهة المانجو
الزعيم الصينى ماو تسى تونج
ثمرة المانجو مرسومة على إناء
ثمرة المانجو مرسومة على طبق
رسومات سلات المانجو فى كل مكان بالصين
رسالة سياسية للزعيم الصينى ماو تسى تونج عن المانجو