تحتفل المحكمة الدستورية العليا فى مارس المقبل بـ "اليوبيل الذهبى" لإنشاء القضاء الدستورى المصرى (مرور 50 عاما على نشأة القضاء الدستورى ) ، حيث ترتب المحكمة لإقامة احتفالية كبرى بهذه المناسبة.
كان دستور 1971 هو أول دستور مصرى تم النص فيه على نصوص ومواد وأحكاما خاصة بالمحكمة الدستورية العليا ، ثم تلى ذلك ما لحق به من تعديلات، ثم كانت نصوص قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، والذى جاء مبينا لاختصاصاتها.
ويؤرخ رسميا لبدء ما سمى بالرقابة الدستورية على القوانين بإصدار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر القرار بقانون رقم 81 لسنة 1969 بإنشاء "المحكمة العليا" التى تأسست فعليا عام 1970، والذى سميت بعد ذلك "المحكمة الدستورية العليا" فى دستور 1971.
لكن تاريخ القضاء الدستورى فى مصر وفكرة الرقابة الدستورية على القوانين تعود إلى أبعد من ذلك، حيث ظهرت على سطح الحياة القضائية لأول مرة مسألة ما لدى القوانين من دستورية عام 1924 أمام محكمة جنايات الإسكندرية، وذلك أثناء نظرها للطعن المقدم من هيئة الدفاع الخاصة بمجموعة من المواطنين وجهت إليهم النيابة العامة تهم بنشر أفكار ثورية تطالب بتغيير الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر، وذلك فى المدة ما بين عامى 1923 و1924 فى الإسكندرية ومدن أخرى، فحكمت المحكمة حضوريا على المتهمين بالسجن ثلاث سنوات استنادًا إلى المادة 151 من قانون العقوبات، فطعن دفاع المتهمين على هذا الحكم على أساس أن المادة المذكورة تخالف المادة 14 من الدستور.
وعبر سنوات بعدها وقبل القرار الجمهورى الرسمى، ففى عام 1941 أصدرت محكمة مصر الأهلية حكما تاريخيا يقضى بحق المحاكم فى الرقابة على ما لدى القوانين من دستورية، وذلك انطلاقًا من وجود قانونين يجرى العمل بهما ، فهناك القانون العادى الذى تسير به الأمور فى المحاكم ويستخدمه القاضى لحل النزاعات المعروضة أمامه، وهناك الدستور وهو أعلى القوانين. وهنا إذا تعارض نص من نصوص القانون العادى مع نص من نصوص الدستور، يجب على القاضى في هذه الحالة ترجيح النص الدستورى على نص القانون العادى، لسمو ومكانه الدستور.
وفى عام 1948 ونتيجة لجهود فقهاء القانون فى مصر من أجل رقابة القضاء على ملائمة القوانين للدستور، أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكما اعتبره الكثيرون، مسار تغيير جذرى لرقابة القضاء المصرى على دستورية القوانين المتداولة ، وبعد هذا الحكم صار واضحا مدى أحقيّة القضاء فى التصدى للقوانين غير الدستورية.
بعد ثورة يوليو 1952 وأثناء وضع دستور جديد بدلا من دستور 1923 كان مخطط النص على إنشاء "محكمة عليا" تكون لها سلطة الرقابة على دستورية القوانين، لكن لم يحدث ، فكان بعد ذلك قرار الرئيس جمال عبد الناصر عام 1969 بإنشاء "المحكمة العليا"، وتولت مهمة الرقابة الدستورية.
ثم ظهرت تسمية "المحكمة الدستورية العليا"، بصدور دستور 1971، على المحكمة التى تنظّم رقابة دستورية القوانين ، وجعلها هيئة قضائية مستقلة.
وبعد ثورة 25 يناير 2011 ، حدد دستور 2012 تشكيل المحكمة من رئيس وعشرة أعضاء، على أن يبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحهم، وطريقة تعيينهم، والشروط الواجب توافرها فيهم، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية.
أما دستور 2014 فأحتوى فى الفصل الرابع منه على 5 مواد تخص المحكمة الدستورية العليا ( المواد من 191 وحتى 195 )، حيث حدد اختصاصاتها ، بأنها تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وفى تنازع الاختصاص بين جهات القضاء، والهيئات ذات الاختصاص القضائى، والفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء، أو هيئة ذات اختصاص قضائى، والآخر من جهة أخرى منها، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها.
وقالت المادة 193 إن المحكمة تؤلف من رئيس، وعدد كاف من نواب الرئيس. وتؤلف هيئة المفوضين بالمحكمة من رئيس، وعدد كاف من الرؤساء بالهيئة، والمستشارين، والمستشارين المساعدين. وتختار الجمعية العامة رئيس المحكمة من بين أقدم ثلاثة نواب لرئيس المحكمة، كما تختار نواب الرئيس، وأعضاء هيئة المفوضين بها، ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية.
وفى هذا إطار الاحتفال باليوبيل الذهبى على انشاء القضاء الدستورى المصرى ، تنظم مساء اليوم ندوة بمعرض الكتاب تحت عنوان "القضاء الدستوى فى 50 عام"، يشارك فيها المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، ونواب رئيس المحكمة السابقون محمد عبد القادر وعلى عوض ومحمد الشناوى، وكذا الدكتور فتحى فكرى أستاذ القانون الدستورى، وحلمى النمنم وزير الثقافة السابق وغيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة