جرت العادة أن يسبق كل شهر هجرى ، إعلان من دار الإفتاء المصرية، عن مطلع الشهر، وخاصة فى شهر رمضان ونهايته، لبيان مواقيت بدء الصيام وانتهائه، وأيام العيدين " الفطر والأضحى" ، وعلى الرغم من تقدم علوم الفلك ، الا أن وجود دار الإفتاء عامل رئيسى فى هذه العملية وهو الأمر الذى أثار عدة أسئلة منها: ما علاقة دارالإفتاء برؤية الهلال وعمليات الفلك، وكيف تتم عملية الرؤية، ومن المكلف بها؟ .. فى دارالإفتاء المصرية وظيفة غير معروفة على المستوى العام يحمل شاغلها مسمى " مدير الحساب الشرعى وأمين الفتوى " الذى يعد المسئول الأول عن تحديد بدايات الشهور الهجرية، بالتنسيق مع معهد الفلك، باعتباره حلقة وصل مباشرة بين المعهد ودار الإفتاء.
الضوابط الشرعية لرؤية الهلال
بحسب ما أفاد الدكتور على فخر، مدير الحساب الشرعى وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن عملية الرؤية تخضع لضوابط شرعية، أبرزها تحقق رؤية الهلال من قبل أثنين من العدول، أى المتصفين بالصدق والأمانة ، فضلا عن وجود 5 لجان مشتركة بين دار الإفتاء المصرية، ومعهد بحوث الفلك، حيث تخرج فى وقت واحد وتباشر عملية رصد ورؤية الهلال من خلال رؤية مشتركة وتبادلية بين أفراد اللجنة.
وأضاف فخر، لـ"اليوم السابع"، أن اللجان كل منها يضم ممثلين للأزهر والأوقاف وعلماء الفلك وعضو الأمانة العامة لدار الإفتاء، حيث تتحقق الرؤية بمشاهدة عضوين بلجنة واحدة أو بلجنتين من اللجان الخمسة للهلال فى أحد نقاط الرؤية وهى 5 نقاط على مستوى الجمهورية وتؤخذ شهادته ويتم إبلاغها عبر أمين الفتوى هاتفيا لمفتى الجمهورية ليناقشها ويتأكد من تحقق الرؤية قبيل الإعلان عنها على الهواء مباشرة بقليل.
وأوضح فخر ، أن أعضاء دار الإفتاء الذين يعملون فى الحساب الشرعى وأمانة الفتوى يجب أن تتوافر بهم صفات خاصة، أهمها سلامة النظر، وأن يكون قادر على الرؤية من خلال الأجهزة الحديثة، لافتا إلى أنه يتم تدريب الأعضاء المشاركين فى رؤية الهلال من خلال معهد الفلك، وإطلاعهم على المفاهيم العامة المتعلقة باستطلاع الهلال والحسابات الفلكية الخاصة به.
وأشار فخر، إلى أن دار الإفتاء ومعهد الفلك ،يتعاونان ضمن بروتوكول تعاون للعمل والتدريب، حيث يوجد دليل للرصد والرؤية ، تم إعداده من قبل معهد الفلك ويوجد لدى كل أمناء الفتوى وجميعهم متمرسين على عملية الرصد، ويجرى عقد نقاشات بالدار قبل التحرك للقيام بعملية الرصد، حيث يدخل من يرى الهلال تحت صفة شهود العدل ، وهذه الصفة تتحقق فى الشرعيين والفلكيين على حد سواء، مضيفا أن كلا الطرفين أكتسب من الآخر جزء كبير جدا من ثقافته المهنية، كما يتفق الطرفان على التدريب المتبادل لزيادة الوعى والخبرة فى هذا الجانب.
5 نقاط لرؤية الهلال
وأوضح فخر، أن الرؤية تتم فى خمس نقاط، هى: الفيوم ، ومطروح ، وسوهاج ، وقنا ، وأسوان، وهناك مشاورات لزيادتها بـ 3 نقاط جديدة، ووظيفة هذه النقاط ، فحص صفحة السماء ومشاهدة الهلال مقترنا بالشمس أو الكواكب حسب تقدير فلكى معين فى درجة التقارب ومدة البقاء فى هذه الحالة وهو ما قد يتحقق لجميع اللجان بجميع أعضائها أو شخص أو أكثر وتؤخذ بشهادة شخصين مجتمعين أو متفرقين.
وأضاف فخر : " رؤية الهلال تعد من اختصاصات القضاة الشرعيين، الذين يعملون بدار الإفتاء المصرية بصفة أمين فتوى، ويقدم علم الفلك مساندة لدار الافتاء فيما يخص الهلال، حيث إنّه لا يجوز لأي شخص أو أي جهة التحدث لوسائل الإعلام، عن أى توقّعات خاصّة بالهلال دون الرّجوع إلى دار الافتاء ، لأنّه يؤدي إلى ظهور الاختلاف والشك بين أفراد المجتمع الإسلامي، و يؤثر الغبار و الطقس الغائم على رؤية الهلال بشكل صحيح حيث يتم مراقبة الهلال في أوّل الشهر و ليس في آخره ،حيث إنّ هلال أوّل الشهر يكون في الجزء الجنوبي من مكان غروب الشمس أمّا هلال آخر الشهر لا يمكن رؤيته بعد أن تغرب الشمس ،و هلال أول الشهر إلى الأعلى جنوباً أم هلال آخر الشهر إذا تمت رؤيته قبل غروب الشمس يتجه إلى الأسفل بالإتجاه الشمالى.
الدليل الفلكى والرؤية الشرعية
من جانبه قال الدكتور محمد غريب، أستاذ فيزياء الشمس المتفرغ بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، وعضو لجان الاستطلاع: إن المعهد، يقدم توقعات فلكية بالمواقيت وفقا للمعطيات والحسابات فلكية، ويخطر بها دار الإفتاء المصرية، حيث هى جهة إعلان المواقيت رسميا، ويتم بناء على ذلك الاتفاق على الخروج للاستطلاع، مضيفا أن المعهد لديه دليل فلكى يعطى مواقيت تقديرية حسب حسابات رياضية تساعد فى الرؤية والرصد .
وأضاف غريب، لـ"اليوم السابع"، أن اللجان تباشر عملها عند غروب الشمس، فى نقاط مرتفعة تكون أعلى هضاب أو جبال، ويشترط أن تكون الجهة الغربية خالية من أى مبان أو عوائق تحجب الرؤية للتحقق من الهلال، ويتم الرصد بواسطة تليسكوب، حيث الحسابات الفلكية استرشادية بالمدارات والرؤية تحسم، وبناء عليه يقوم عضو دار الإفتاء بإبلاغ المفتى لإعلان الميقات كونه جهة الاعتماد.
لجان علماء دار الافتاء والفلك
وأشار غريب، إلى أن اللجان تتكون من علماء دار الإفتاء ومن مسئولى الأوقاف المحليين ومندوبين من المحافظات التى يجرى بها الرصد، مع مندوبى معهد الفلك، وقد يصل عدد اللجنة الواحدة إلى 6 أفراد، مضيفا أنه يمكن الاستماع لشهادة الشهود من المواطنين فى حالة غياب الرؤية ورصدها من قبل المواطن حيث يقوم المواطن بإبلاغ دار الإفتاء والدار تقوم بتوصيله للمعهد الذى يحقق معه عبر الهاتف للتأكد من تيقن الرؤية، كما تقدم كافة اللجان تقارير عن الرؤية من عدمها، وفى حالة عدم الرؤية تقدم اللجنة التى لم تشاهد تقريرا بسبب عدم الرؤية كالغبار أو الأمطار أو غيره ويسجل فى محضر رسمى باسم الشاهد "عضو اللجنة" وشهادته لضبط الأمور كونها شهادة والرأى الأخير والشرعى، والمعلن والمعتبر يكون لفضيلة المفتى، مؤكدا أنه لا يوجد سوابق خلاف سابق فى رؤية هلال من عدمه من قبل علماء الرصد وعلماء الفتوى الشرعيين.
فى سياق متصل قال الدكتور عمر محمد على، أستاذ نظم المعلومات الجغرافية بجامعة حلوان: إن الرأى الشرعى، والرأى الفلكى فى رصد الأهلة أمر واجب التحقق ولا يتعارضان، حيث لا يختلف الجانب الشرعى مع الجانب العلمى مضيفا أن الأخذ بتقنيات العصر من الحسابات الفلكية الدقيقة والتى توفر البيانات والمصادر والمراصد العلمية الحديثة والمتاحة فى معظم الدول الإسلامية بات أمر متوفر ويعد ضبط لعملية الرصد والتى حققت نجاحا ، مضيفا لـ"اليوم السابع" أن مشاركة الشرعيين والفلكيين معا يعطى الدقة والمصداقية لعدم تعارض الدين والعلم مع الأخذ بالتقنيات العصرية.
ورؤية الهلال هي عملية تحري رؤية ميلاد القمر الجديد الذي يحدد بداية مراقبة الشهر القمري وهو مهم جداً في تحديد أشهر السنة الهجرية والتي ترتبط الشعائر الإسلامية بها، حيث تبدأ عملية المراقبة بعد غروب شمس اليوم التاسع والعشرين من الشهر القمري مباشرةً، وتكون المراقبة محدودة بوقت قصير، لا يتجاوز الساعة أحيانا، ثم يختفي بعدها الهلال فلا يمكن رؤيته بعدها، أما اتجاه النظر فيكون في جهة الغرب، قرب مغطس الشمس، إلى الجنوب قليلاً من المكان الذي يغطس فيه حاجب الشمس العلوي، ويكون من العسير رؤية القمر في أكثر الحالات وذلك بسبب قربه من الشمس وتأثره بالإضاة الناتجة عن شفق الشمس، كما أن حجم الجزء المضاء من القمر يكون ضئيلاً مما يصعب من إمكانية الرؤية، ويفضل أن يكون الرصد في ألأماكن المفتوحة التي يظهر الأفق فيها دون معوقات كالتلال والجبال والعمران، كما يبتعد الراصد عن مصادر الإضاءة المشوشة لعملية الرصد، كما أن عوامل الطقس ونسبة الرطوبة والغبار والغيوم تؤثر على وضوح الرؤية وإمكانيات الرصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة