د. سالم الكتبى

الإمارات وسوريا والواقع الإقليمى الجديد

الجمعة، 04 يناير 2019 05:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خلال نحو سبع سنوات من الصراع والأزمات والحرب والفوضى وما أسفر عنه ذلك كله من تداعيات خروج ملايين اللاجئين والنازحين من بيوتهم وقراهم ومدنهم، تغيرت معطيات كثيرة فى المشهد السورى، وتبدلت موازين القوى السياسية والاستراتيجية، وجاء القرار الأمريكى بسحب القوات من سوريا بمنزلة نقطة تحول كبيرة فى مسار الأزمة.
 
الحقيقة أن القرار الأمريكى وضع الكثيرين فى أزمة على عكس ما ردد البعض بشأن الرابحون والخاسرون، فالواضح أن روسيا وتركيا ارتبكا من جراء قرار الرئيس ترامب، واحتاجا إلى عقد لقاء عاجل لدراسة تنسيق المواقف فى مواجهة التطور الجديد.
 
الموقف الأمريكى مثّل لغزاً غامضاً، لكنه لا يعنى كما يعتقد البعض بمنزلة هزيمة للولايات المتحدة فى سوريا، فالرئيس ترامب ليس من أنصار نشر القوات الامريكية فى مناطق الصراعات، وسبق أن انتقد موقف إدارة سلفه أوباما بشأن انتشار القوات الأمريكية فى مناطق الصراعات، كما أعلن فى مارس الماضى عن رغبته فى سحب القوات من سوريا، وربما تفسر تصريحاته خلال زيارته المفاجئة للعراق جانباً من دوافعه الخفية للقرار، فقد أشار إلى تمركز القوات الأمريكية فى العراق باعتباره يوفر الفرصة لتنفيذ أى تدخل عسكرى أمريكى فى سوريا مستقبلاً، وهذا يعنى أنه لم ينفض يديه سوى من أعباء الوجود العسكرى على الأرض، وربما استخدمه لعقد صفقة ما مع الجانب التركى، لكنه مع ذلك يصر على توظيف كل ما بيديه من أوراق حتى النهاية، حيث تناولت تقارير إعلامية مسألة الإبقاء على الأسلحة التى قدمتها الولايات المتحدة للأكراد، وأن هذه التوصيات سترفع للبيت الأبيض، ولو تم الأخذ بهذه التوصية فإن الأزمة ستزداد تعقيداً وسيغضب الأتراك الذين فرحوا بما تردد إعلامياً بشأن قول الرئيس ترامب لنظيره التركى رجب طيب أردوغان أن الولايات المتحدة ستغادر سوريا وتتركها لتركيا!
الحقيقة أن الموقف بات صعباً للغاية، فلم يتصور أردوغان أن الأكراد سيستنجدون بالجيش السورى، وأن سحب القوات الأمريكية يعنى انتصاراً جديداً للجيش السورى وليس لتركيا.
 
فى ضوء قراءة جيدة لما هو آت، فإن قرار دولة الإمارات بعودة العلاقات مع سوريا يمثل خطوة عقلانية للتعاطى مع الواقع من أجل الدفع باتجاه مصلحة الدولة والشعب السورى، والحفاظ على تماسك سوريا فى مواجهة الأطماع التى تحيط بها من جانب إيران، التى تمتلك مشروعاً توسعياً وتريد أن تحصل على المقابل جراء تدخلها فى سوريا!
 
الحقيقة أن السياسة لا تعترف بالجمود، فالثابت الوحيد فى السياسة هو المتغير، ومن يظل على مواقفه دونما إعادة تقدير للمواقف والسياسات يصاب بالتكلس والجمود، ومن مصلحة الدول العربية جميعها الآن استعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، وعدم تركها لأعداء العرب، فهذه الخطوة تمثل مصلحة مشتركة للطرفين، العرب وسوريا معاً، فالرئيس الأسد سيستفيد بتعزيز موقفه فى مواجهة أى ضغوط خارجية قد تمارس عليه للقبول بإملاءات تنال من سيادة سوريا ووحدة أراضيها خلال مرحلة كتابة الدستور الجديد والتفاوض حول تقاسم النفوذ والمصالح خلال المرحلة المقبلة، بينما ستكون عودة سوريا فرصة كبيرة للعرب للمشاركة فى هزيمة مشروعات التآمر والحفاظ على سيادة ووحدة أراضى هذا البلد العربى ودعم الشعب السوري، والإسراع بعودة ملايين اللاجئين والنازحين، والتصدى لنفوذ ايران التى تريد الانفراد بسوريا بعد خروجها من أزمتها،  باعتبار أن ترك سوريا لإيران يعنى فى أحد جوانبه التسليم بتصاعد قوة ونفوذ ايران الإقليمى، كما أن العودة لسوريا تعنى تفويت الفرصة على تركيا أيضاً لاستقطاب هذا البلد العربى وبدء مرحلة جديدة تستهدف تعزيز الدور التركى فى الشرق الأوسط.
 
من الثابت أن قطع العلاقات العربية مع سوريا كان أحد أسباب ضعف التأثير العربى الجماعى فى الأزمة بل غيابه، فاللاعبين الأساسيين فى سوريا كانوا كثر ليس من بينهم العرب، وعقدت جلسات مفاوضات عدة فى عواصم غربية لم يشارك فيها الجانب العربى.
 
وإذا كان العرب قد أبعدوا سوريا بأيديهم عن منظومة العمل الجماعى العربى خلال ذروة الانفعال السياسى والاستراتيجى فى منطقة الشرق الأوسط، فإن إعادة دراسة الموقف تمثل موقفاً إيجابياً يتماهى مع التطورات المتسارعة فى هذا البلد العربى ذى التأثير الاستراتيجى الكبير، وليس من المنطقى الحديث عن بُعد مع القيادة السورية فى ظل وجود أطراف أجنبية عدة على الأرض السورية!
 
وإذا كان البعض يستغرب قرار دولة الامارات إعادة العلاقات مع سوريا، ويرى فيه عنصر مفاجأة، وإذا كان البعض أيضاً يروج لفكرة ارتباط القرار الاماراتى بقرار البيت الأبيض سحب القوات الأمريكية من سوريا، فإننى اذكّر هؤلاء بتصريحات سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان المنشورة بتاريخ السابع من مارس عام 2016 فى ذروة الأزمة السورية، حين أكد سموه أنه "لا يوجد حل عسكرى فقط لحل تلك الأزمات بل هناك حلول سياسية ولابد أن تعمل كل الأطراف فى اتجاه الحل السياسى وعلى بغداد ودمشق احتواء كل مكونات الشعبين وكذلك وضع حد للتدخل الإيرانى فى المنطقة"، وأيضاً تصريحات الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية فى يونيو الماضى، أى منذ نحو ستة أشهر وقبل قرار سحب القوات الامريكية وطبعا وغير ذلك من تطورات، حيث أكد قرقاش فى تلك التصريحات التى أدلى بها لصحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية الصادرة باللغة الإنجليزية، أنه كان من الخطأ إبعاد سوريا عن الجامعة العربية، وأن هذا الاجراء منع وجود أى نفوذ سياسى عربى فى سوريا، لأن جميع قنوات الاتصال قد أغلقت مع هذا البلد العربى!
 
أشار قرقاش أيضاً فى تلك التصريحات، التى استغربها البعض وقتذاك أن العرب لم يقدموا منظوراً متكاملاً للتعاطى مع الأزمة السورية، ولم يطرحوا حلولاً للقضية، وأن قرار إبعاد سوريا من الجامعة كان بمنزلة قرار اقصاء للقوى العربية المؤثرة من الاجتماعات الخاصة بالشأن السورى إلى جانب الدور الذى لعبته كل من إيران وتركيا فى إضعاف الدور العربى فى سوريا.
 
الامارات لديها منظور استراتيجى متكامل وواضح تبلور منذ فترة بشأن سوريا، ومن ثم فإن قرار عودة العلاقات يمثل إعلاناً وترجمة لهذه القناعة الراسخة، وتجسيد لحرص الامارات الثابت والراسخ على لم الشمل العربى والتصدى للتدخلات الخارجية فى الأمن القومى العربى، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى من بوابة ترميم الخروقات والثغرات التى تسللت إلى منظومة الأمن والاستقرار الإقليمى منذ عام 2011 وحتى الآن.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة