تحولت الرياضة، بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، إلى صناعة ضخمة، تقدم منتجات عظيمة الأثر، ماديا ومعنويا، ويتمثل المادى فى ضخ الأموال فى شرايين اقتصاد الدول مثل أمريكا وبريطانيا وإسبانيا وألمانيا والبرازيل، وغيرها من الدول، أما المعنوى، فتزيد من عمق الانتماء وترسم البسمة على شفاه الجميع، خاصة البسطاء..!!
ووسط الصراع الشرس بين الأندية فى مصر لضم لاعبين سواء مصريين أو أجانب، ورصد مبالغ ضخمة، أثارت دهشة مشجعى كرة القدم، تساءل البعض: هل أصبحت الرياضة، وفى القلب منها كرة القدم، صناعة تضخ فى شرايين الاقتصاد المصرى ملايين الدولارات..؟! أم أنها طاردة للعملات الصعبة من اليورو والدولار من خلال إبرام صفقات مع لاعبين ومدربين أجانب يتقاضون شهريا مبالغ خيالية، ومن ثم خروج هذه المبالغ لخارج البلاد..؟! وهل البطولات المحلية فى مصر تدار بشكل احترافى واضح وصارم مثلما يحدث فى كل الدول المتقدمة رياضيا أم تدار بنظام مشوه غير واضح الملامح ما بين الاحتراف ظاهريا والهواة باطنيا وغياب اللوائح والقوانين المنظمة للبطولات..؟!
لابد من الاعتراف أن الرياضة أصبحت صناعة تضخ المليارات فى شرايين اقتصاد الدول التى تديرها بشكل احترافى ومهنى كبير، وهناك دول عربية سارت على نفس النهج وأصبحت رقما صحيحا فى معادلة الاحتراف الرياضى ووصلت إلى مرتبة متقدمة وحققت عائدات محترمة، عكس ما يحدث فى مصر..!!
الانتقالات الشتوية، تحولت لصراع ملتهب، استعرت فيها أسعار اللاعبين بشكل ينذر بتكبد الأندية خسائر كبيرة، فى الوقت الذى استفاد فيه اللاعبون والسماسرة فقط، والعائد الاقتصادى، لا يرقى لثمن لاعب أجنبى فى أندية الأهلى الزمالك أو بيراميدز، وتحول الأمر إلى ما يشبه العنت ومحاولة كل نادٍ تكسير منافسه بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة..!
عكس ذلك يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلال تقرير رائع، أعده عبدالله ناصر الجنيبى رئيس لجنة دورى المحترفين الإماراتى عن اقتصاديات كرة القدم، وعرض نتائجه على مؤتمر دبى الرياضى الدولى الذى أقيم مؤخرا فى دولة الإمارات الشقيقة، تضمن أرقاما صادمة من بينها أن كرة القدم تعد مصدر دخل رئيسى لما يقرب من مليار نسمة حول العالم من أصل 7 مليارات يضمهم كوكب الأرض.
وأكد رئيس لجنة دورى المحترفين الإماراتى فى تقريره أن كرة القدم بشكل خاص، والرياضة بشكل عام أحد أهم ركائز الاقتصاد فى العالم وضرب مثالا بالاقتصاد الأمريكى، مؤكد أن الرياضة تساهم بما لا يقل عن 220 مليار دولار سنويًا، ما يمثل ضعف إنتاج السيارات، و7 أضعاف دخل السينما.
«الجنيبى» أكد أيضا أن نادى اليوفنتوس الإيطالى ارتفعت قيمته %30 بمجرد الإعلان عن ضم كريستيانو رونالدو من نادى ريال مدريد، وازداد دخله من 30 إلى %50 عقب إتمام تلك الصفقة.
تأسيسا على ما سبق، يتأكد ومن لغة الأرقام التى لا تكذب ولا تتجمل، أن الرياضة أصبحت صناعة ضخمة، يمكن لها أن تضخ المليارات فى شرايين اقتصاد الدول، بجانب تعميق الانتماء ورفع الروح الوطنية وجلب السعادة والمتعة ورسم البسمة على شفاه البسطاء، كما أن سوق انتقالات اللاعبين يحقق أيضا طفرات فى الأرباح والمكاسب للنادى، مثل انتقال رونالدو إلى اليوفنتوس، حيث حقق أرقاما مذهلة، ونيمار فى باريس سان جيرمان، وما يصنعه ميسى فى برشلونة، ومن ثم فإن انتقالات اللاعبين لابد وأن تحقق مكاسب كبيرة للأندية، لا أن تجلب لها خسائر، وتستخدم من باب المكايدة الكروية، والصراعات الشخصية..!!
متى يضطلع القائمون على الرياضة وفى القلب منها كرة القدم فى مصر، بدورهم الحقيقى، والنهوض بالرياضة ونقلها من خانة «التشوه» المريض، وعدم معرفة «جنس» البطولات المحلية، على وجه التحديد، إلى خانة الاحتراف، التى تحكمها لوائح وقوانين صارمة، يتم تطبيقها على الكبار قبل الصغار..!!
وضع الرياضة فى مصر بشكلها الحالى، لا يخدم اقتصاد الدولة، ولا حتى يدخل البهجة والسعادة للبسطاء، وإنما يصب فى مصلحة قلة توظف وتستثمر هذا الوضع «المشوه» لتحقيق مكاسب وأرباح شخصية، وتتضخم حساباتهم فى البنوك، بينما تظل خزينة الدولة بعيدة عن هذا المضمار الحيوى..!!
صراع الأندية، على ضم اللاعبين، والمدربين، بجانب المنظومة المهترئة التى تدار بها الرياضة فى مصر، لا تحقق أية مكاسب، سواء مادية أو معنوية، وإنما تؤجج نار الفتنة بين جماهير الكرة، كما أنها لا تنتج أبطالا فى الألعاب الفردية ولا الفرق الجماعية، للوصول لمنصات التتويج فى البطولات الكبرى القارية والعالمية، وعلى رأسها الألعاب الأولمبية، وكأس العالم لكرة القدم..!!
الوضع يحتاج إلى تدخل جراحى عاجل، وسريع، سرعة «الفيمتو ثانية» وليس أياما أو شهورا، ووضع خطط النهوض بالرياضة، بشكل احترافى، ونظم ولوائح احترافية صارمة، لا تعترف بالمشاعر أو الحسابات الجماهيرية المعقدة، وإنما تنقل الرياضة إلى خانة «الصناعة» المربحة التى تضخ فى شرايين الاقتصاد المصرى ملايين الدولارات.
ونتحدى هنا، أى مسؤول عن الرياضة، إذا كان يعرف كم تضخ الرياضة المصرية فى شرايين الاقتصاد المصرى، مثلما تضخ 220 مليار دولار فى الاقتصاد الأمريكى..؟!
ولك الله.. ثم جيش قوى.. وشعب صبور وواعٍ يا مصر...!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة