حالة من الفراغ ستعانى منها قوات التحالف الدولى فى سوريا، بعد القرار الأمريكى الأخير بالانسحاب من سوريا، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى كون الولايات المتحدة تمثل المساهم الأكبر فى التحالف، والذى يهدف إلى القضاء على تنظيم داعش، خاصة فيما يتعلق بعدد القوات المشاركة، والذى يصل إلى أكثر من ألفى جندى، وكذلك على مستوى التسليح سواء لقوات التحالف أو القوات الأخرى المتعاونة معها، وعلى رأسها ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، إلا أن القرار يمتد فى تداعياته إلى غياب القيادة الفاعلة للدول المشاركة فى التحالف، سواء على المستوى السياسى أو العسكرى فى المرحلة المقبلة.
ولعل المعضلة الرئيسية التى قد تواجه القوات الدولية فى سوريا فى هذا الإطار تتمثل فى عدم قدرة أيا من دولهم على القيام بهذا الدور، ربما ليس بسبب نقص الإمكانيات، ولكن لفقدانهم الخبرة الكافية، خاصة وأن الحروب الدولية التى خاضها المعسكر الغربى فى العقود الماضية كانت بقيادة الولايات المتحدة، باعتبارها القائد الفعلى لحلف شمال الأطلسى "الناتو"، بالإضافة إلى كونها القوى الدولية الكبرى فى ظل عالم أحادى القيادة لما يقرب من ثلاثة عقود من الزمان، وهو ما يثير التساؤلات حول ما إذا كان قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا سيكتب كلمة النهاية للدور الذى يلعبه التحالف الدولى أم هناك خيارات أخرى.
انفتاح أوروبى على موسكو
التصريحات التى أدلى بها غالبية القادة الأوروبيين، تعليقا على القرار الأمريكى، أكدت استمرار التحالف الدولى، وبالتالى يبقى البحث عن قيادة جديدة مؤهلة للقيام بهذا الدور هو السبيل الوحيد لمواصلة العمل فى المرحلة المقبلة، وهو ما يثير تكهنات حول ما إذا كان الغرب الأوروبى يمكنه التوجه نحو روسيا فى المرحلة المقبلة، خاصة وأنها تبقى صاحبة الكلمة العليا فى سوريا منذ سنوات، حتى فى ظل الوجود الأمريكى هناك، بالإضافة إلى كونها الفاعل الحقيقى فى الهزائم المتواترة التى لاحقت داعش وغيرها من الميليشيات الإرهابية منذ دخولها العسكرى على خط الأزمة فى عام 2015.
طائرات التحالف الدولى
وعلى الرغم من الخلافات الأوروبية الروسية على خلفية العديد من القضايا، إلا أن الغرب الأوروبى أبدى انفتاحا كبيرا على موسكو فى السنوات الماضية، خاصة مع توتر العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها، بعد صعود ترامب إلى البيت الأبيض قبل ما يقرب من عامين، حيث لجأت العديد من دول أوروبا الغربية إلى التعاون الاقتصادى مع الجانب الروسى، فيما يتعلق بمجال الطاقة، وهو الأمر الذى تسبب بصورة كبيرة فى إزعاج الجانب الأمريكى، والذى حذر أوروبا من مغبات "التبعية" لموسكو.
معضلة الناتو
إلا أن التعاون العسكرى بين دول التحالف وروسيا يبدو أمرا صعبا للغاية، ربما بسبب دلالاته الرمزية، على اعتبار أن دول التحالف تنتمى إلى حلف الناتو، والذى يبقى رمزا لحقبة الحرب الباردة، والتى انتهت بانهيار الاتحاد السوفيتى، فى التسعينات من القرن الماضى، وهو الأمر الذى لن تقبله موسكو، والتى تمكنت من فرض قبضتها بمفردها على الأمور العسكرية فى سوريا، وبالتالى فهى ليست بحاجة إلى دعم غربى لتحقيق أهدافها فى المرحلة المقبلة بالإضافة كذلك إلى استمرار حالة غياب الثقة بين الجانبين.
الناتو قد يعوق قيادة روسيا لقوات التحالف فى سوريا ولكن لا يمنعها من القيادة السياسية
ولكن تبقى غياب القيادة الأمريكية لدول التحالف من الجانب السياسى فرصة مهمة لموسكو فى المرحلة المقبلة، خاصة وأن مثل هذا الدور سوف يساهم بصورة كبيرة فى زيادة النفوذ الروسى، ليس فقط فيما يتعلق بالشأن السورى، ولكن فى مناطق أخرى من العالم، وفى القلب منها أوروبا، حيث سيكون التنسيق السياسى بين دول التحالف مع موسكو مدخلا مهما ليس فقط لفرض الرؤية الروسية فى الشأن السورى، ولكن سيساهم فى توسيع دائرة القيادة الروسية بحيث لا تقتصر على الدول المشاركة فى مباحثات "أستانا"، ولكن تمتد إلى دول التحالف، وهو ما يمثل انتصارا جديدا لموسكو.
فرصة موسكو
وتمثل مشاركة دولتين أوربيتين، وهما ألمانيا وفرنسا، فى القمة الرباعية التى عقدت فى اسطنبول فى شهر أكتوبر الماضى، بداية انغماس دول المعسكر الغربى فى العمل تحت مظلة أستانا، حيث شهدت اتفاقا بين الدول المشاركة على وقف إطلاق النار فى محافظة أستانا، ودعم الحل السياسى للأزمة السورية فى المرحلة المقبلة، وهو الأمر الذى يمثل انعكاسا صريحا لانتصار منصة "أستانا"، والتى تعمل تحت القيادة الروسية، على حساب رؤية "جنيف" والتى فشلت فى تقديم أى حلول للأزمة، وهو ما اعترف به مبعوث الأمم المتحدة فى سوريا ستيفان دى ميستورا مؤخرا.
دول الناتو تتجه للعمل تحت قيادة بوتين فى سوريا
وتمثل القيادة السياسية لروسيا للغرب فى المعترك السورى بمثابة نقلة نوعية، ليس فقط لأن هذا الدور ربما يؤهلها للقيام بدور أكبر سواء على مستوى التعاون فى الداخل السورى، أو قد يمتد فى قضايا أخرى فى مناطق أخرى من العالم، ولكن أيضا لأنه يمثل فرصة لإخراج القوات الأجنبية من سوريا فى المستقبل القريب، وعلى رأسها قوات التحالف الدولى، فى ظل خلافات تظهر بين الحين والأخر حول الأهداف العسكرية للتحالف وتلك التى تتبناها موسكو
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة