سأل الرئيس جمال عبدالناصر رئيس مالى «موديبو كيتا» عن سبب تركه لدول العالم، واتجاهه لإسرائيل لتدرب وتسلح له جيشه، فكشفت الإجابة لعبدالناصر حقائق جديدة حول إسرائيل فى أفريقيا.
كان السؤال والإجابة أثناء مؤتمر القمة الأفريقية فى الدار البيضاء بالمغرب «3 إلى 7 يناير 1961»، وانعقد بدعوة من العاهل المغربى السلطان محمد الخامس لقادة الدول المؤيدة لرئيس وزراء الكونغو «لومومبا» وقائد حركة استقلال بلاده عن الاحتلال البلجيكى، وحسب محمد فائق فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية»: «فوجئ العالم بقرار رئيس الكونغو «كازافوبو» بعزل رئيس الوزراء المنتخب باتريس لومومبا، معتمدا على تأييد قائد الجيش موبوتو، ورفض لومومبا هذا القرار، وأقر البرلمان وجهة نظره، فأعلن موبوتو استيلاءه على السلطة وحل البرلمان، ثم سرعان ما عاد الوئام بينه وبين كازافونو».. يؤكد فائق، أن الدول الأفريقية انقسمت إلى مجموعتين، مجموعة ثورية بقيادة مصر تؤيد لومومبا، ومجموعة معظمها من الدول الناطقة باللغة الفرنسية تؤيد «كازافونو».. ويضيف: «دعا محمد الخامس إلى عقد مؤتمر للمجموعة المؤيدة للومومبا، وحضره الرئيس جمال عبدالناصر، والرئيس الغانى نكروما، والغينى أحمد سيكوتورى، والمالى موديبو كيتا، ورئيس حكومة الجزائر المؤقتة، ووزير خارجية ليبيا، ومن خارج أفريقيا أرسلت سيلان مراقبا».
حدث ما جعل القضية الفلسطينية تطرح نفسها على المؤتمر، ويذكر محمود رياض وزير الخارجية وقتئذ فى الجزء الثالث من مذكراته: «كانت الدعاية الإسرائيلية السوداء تزعم أن إسرائيل حصلت على استقلالها بعد كفاح مرير ضد الاستعمار البريطانى الذى كان يحتل أراضيها، وأنها تتعرض حاليا لتهديد الدول العربية بالقضاء عليها والاستيلاء على أراضيها، وسمعت هذه الرواية من «موديبوكيتا» رئيس مالى عندما رواها لعبدالناصر فى أول لقاء بينهما عام 1961».. وتذكر الدكتورة هدى عبدالناصر فى الجزء الرابع من «جمال عبدالناصر- الأوراق الخاصة»، أنه فى يوم 6 يناير «مثل هذا اليوم 1961»، عرض الرئيس عبدالناصر على المؤتمر ولأول مرة على مستوى زعماء أفريقيا مشكلة فلسطين، وأقام حفل شاى فى الباخرة «الحرية» لرؤساء الدول المشاركين.
كان محمد فائق رئيسا لإدارة أفريقيا فى رئاسة الجمهورية، وشارك ضمن الوفد المصرى فى القمة، ويتذكر: «التقى عبدالناصر بالرئيس «موديبو كيتا» لأول مرة أثناء انعقاد المؤتمر، وأعجب كل من الزعيمين بشخصية الآخر، وتوطدت بينهما الصداقة بسرعة»، ويكشف أن عبدالناصر سأل، موديبوكيتا عن سبب توجهه لإسرائيل لتسليح وتدريب الجيش المالى، فإسرائيل ذيل الإمبريالية، وأداة لها فى الوقت الذى أصبحت فيه مالى فى مقدمة الدول التى ترفض التبعية.. أجاب كيتا بذكر قصة وهى وفقا لـ«فائق» أنه عندما استقلت بلاده عن الاحتلال الفرنسى امتنعت فرنسا عن تسليح الجيش المالى، فاتجه هو إلى دول كثيرة يطلب شراء السلاح دون جدوى، ولجأ إلى إنجلترا وأمريكا، فكانت ردودهما واحدة إذ أبدتا استعدادهما لمساعدته فى الحصول على السلاح، ولكن عن طريق إسرائيل التى يمكنها أن تقدم السلاح والتدريب، وهكذا لم يكن هناك مصدر للتسليح سوى من إسرائيل.
يكشف فائق، أن «كيتا» اعترف لعبدالناصر أنه فى البداية لم يفهم الحكمة وراء ذلك، لكنه سرعان ما عرف الحقيقة.. فعندما بدأت عملية التسليح كان السفير الإسرائيلى يتردد عليه كثيرا، وكان دائم الحديث عن الطريقة التى قاوم بها اليهود الاستعمار البريطانى أثناء الاحتلال.. يذكر كيتا، أن ذلك ترك فى نفسه انطباعا بأن إسرائيل كدولة صغيرة تريد حقا أن تعيش فى سلام، وأنها دولة تقف ضد الاستعمار، الأمر الذى جعله يطمئن إليه، إلى أن اكتشف أن هذا السفير يعمل فى مالى بتنسيق كامل مع سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فقد حدث أن صارحه كيتا بنيته فى اتخاذ إجراءات ضد مصالح فرنسا فى بلاده، ولم يمض وقت قصير حتى كان السفير الفرنسى أحيط علما بكل أطراف الحديث، ولسوء حظ السفير أن كيتا لم يكن قد فاتح أحد بذلك سواه.. ثم تأكد له بعد ذلك من أحداث أخرى أن إسرائيل تعمل فى مالى لحساب دول تحارب نظامه.
بعد أن استمع عبدالناصر إلى كلام كيتا، عرض أن تقوم مصر بتدريب وتسليح الجيش المالى، وقدم له باسم مصر هدية من الأسلحة الصغيرة سوفيتية الصنع تكفى لألف مقاتل، وكان هذا العدد هو قوام الجيش المالى فى ذلك الوقت، وكانت هذه الهدية بقصد إحلال الأسلحة السوفيتية محل الأسلحة الإسرائيلية.. يضيف فائق: «وافق كيتا فورا، وحضرت إلى القاهرة بعثات من الضباط وضباط الصف الماليين للتدريب على الأسلحة، كما أوفدت بعثة إلى مالى للإشراف على إنشاء مدارس ومراكز للتدريب على الأسلحة الروسية وتدريب وحدات الصاعقة، وقام منذ ذلك الوقت تعاون بين الجيشين المصرى والمالى، حتى إن زى الجندى هناك أصبح مشابها تماما لزى الجيش المصرى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة