خمسون عامًا وبضع شهور مرت على افتتاح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، بناء ضخم يليق بأعرق كنيسة فى الشرق الأوسط، وراء كل قبة فيه يد ارتفعت للصلاة وأخرى جلست لتسجل التاريخ، بينما تشهد الكنيسة الأم اليوم، افتتاح كاتدرائية جديدة لها تكبر كاتدرائية العباسية حجمًا وتكتب معها صفحات أخرى من سيرة كنيسة أسسها مارمرقس فأراد الله لها البقاء والخلود.
كاتدرائية العباسية .. حلم البابا كيرلس الذى تبناه "عبد الناصر"
تمنى البابا كيرلس السادس أن يبنى كاتدرائية تليق باسم القديس مارمرقس حامل بشارة المسيحية إلى مصر.
قال محمد حسنين هيكل، فى كتابه الشهير «خريف الغضب»: كانت هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس، فقد كان تواقا إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، كان بناء كاتدرائية جديدة مشروعا محببا إلى قلب البطريرك، لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبنى بها الكاتدرائية الجديدة، وفى نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط، كما أثرت على أغنياء المسلمين، ممن كانوا فى العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية، ثم إن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف، وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق، ولم ير مناسبا أن يفاتح جمال عبدالناصر مباشرة فى مسألة بناء الكاتدرائية، فقد تصور فى الموضوع أسبابا للحرج.
وأضاف هيكل فى كتابه: "وهكذا تلقيت شخصيا دعوة من البطريرك لزيارته وذهبت فعلاً للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذى كان أسقفا بدار البطريركية، وفى هذا اللقاء حدثنى البطريرك عن المشكلة وأظهر تحرجه من مفاتحة جمال عبد الناصر مباشرة فى الأمر حتى لا يكون سببا فى إثارة أى حساسيات، ثم سألنى ما إذا كنت أستطيع مفاتحة الرئيس فى الموضوع دون حرج للبطريرك ولا حرج على الرئيس نفسه".
يواصل هيكل قصة بناء الكاتدرائية فى كتابه قائلا: "وعندما تحدثت مع الرئيس عبد الناصر فى هذا الموضوع كان تفهمه كاملاً، وكان يرى أهمية حقوق أقباط مصر فى التركيب الإنسانى والاجتماعى لشعبها الواحد، ثم إنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى، ثم إنه كان واعيا بمحاولات الاستقطاب التى نشط لها مجلس الكنائس العالمى، وهكذا فإنه قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقدا ونصفها الآخر يقدم عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء".
وتابع هيكل قائلا : "وطلب الرئيس إبلاغ البطريرك بقراره، وكان الرجل شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه إلى درجة أنه طلب إلى اثنين من الأساقفة أحدهما الأنبا صموئيل أن يقيما قداسا فى بيتى، وكان بالغ الرقة حين قال: إن بركات الرب تشمل الكل أقباطا ومسلمين".
أما الراهب أفامينا الذى كان مقربا للبابا كيرلس فيقص رواية أخرى عن تلك الكاتدرائية، ويؤكد أن أبناء عبد الناصر تبرعوا بمدخراتهم للأنبا كيرلس لبناء تلك الكاتدرائية، لأن الرئيس أراد أن يعلمهم ذلك، وقد تلقى البابا تلك التبرعات فى منزل الرئيس بسعادة بالغة.
وأضاف الراهب أفامينا، أنه فى حفل افتتاح الكاتدرائية، كان الرئيس عبد الناصر يشعر بآلام فى ساقه، ولاحظ البابا كيرلس ذلك، فمال على أذن الرئيس وسأله "لماذا لم تطلب منا أن نؤجل حفل الافتتاح؟"، ورد الرئيس جمال عبدالناصر: "لا أنا مسرور هكذا".
وحضر الرئيس جمال عبد الناصر حفل افتتاح الكاتدرائية، ودعا له إمبراطور الحبشة هيلاسيلاسى، حيث كان الرئيس يؤمن بأن امتداد الكنيسة المصرية فى أفريقيا وإشرافها على الكنيسة الإثيوبية يعزز من البعد الأفريقى لمصر الذى تحدث عنه عبد الناصر فى كتابه فلسفة الثورة.
وشارك إمبراطور إثيوبيا البابا والرئيس عبد الناصر فى إزاحة الستار عن اللوح التذكارى لبناء الكاتدرائية، وذكر البابا شنودة الثالث، مواقف عبد الناصر، قائلا: "لا ننسى أن الرئيس جمال عبد الناصر أعطى تصريحا لبناء الكاتدرائية الكبرى، وحضر حفل وضع الأساس فيها، ثم حضر حفل افتتاحها وألقى كلمة طيبة جدا وتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه فى 1967، وكان المبلغ أيامها كبيرا، وكلف الرئيس عبدالناصر إحدى شركات القطاع العام بأن تقوم بعمليات بناء الكنيسة الكبرى"
كاتدرائية العاصمة الإدارية.. وعد الرئيس السيسي للبابا تواضروس
يتمتع البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بعلاقة طيبة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، البابا كان أول من شارك فى خارطة الطريق التى رسمها الرئيس بعد إزاحة الإخوان عن الحكم عام 2013، والرئيس لا يؤخر للكنيسة طلبا ولا يرد لها مطلبا، فقد حرص على حضور قداسات عيد الميلاد المجيد بشكل سنوي، واعتاد أن يقدم للأقباط فى كل عيد هدية جديدة، فوعد بترميم الكنائس التى دمرها إرهاب الإخوان مرة، وأمر بتأسيس كاتدرائية العاصمة الإدارية مرة ثانية، وها هو يشهد افتتاح الكاتدرائية ممسكا بيد البابا كجزء من تقاليد حديثة كل عيد ميلاد.
تبرع الرئيس عبد الفتاح السيسى ببناء مسجد "الفتاح العليم" و"كاتدرائية ميلاد المسيح" داعيا جموع المصريين للتبرع لهذين المشروعين قبل عامين من الآن، وحرص على مشاركة جموع الأقباط الصلاة فى الكاتدرائية العيد الماضى قبل اكتمال بنائها ثم يشارك اليوم فى افتتاحها بعدما صار الوعد حقيقة واقعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة