ونحن نقرأ تفاصيل ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين من دعوات للتظاهر انطلقت من تركيا وقطر، أو تصور قيادات الإخوان أنهم يمكن أن يعوموا من جديد باستخدام ظاهرة المقاول «الزلنطحى» الإسبانى، علينا أن نحاول فهم هذه الظاهرة، وتقييم نتائج ما جرى بشكل كامل.
كانت ظاهرة المقاول الهارب واضحة من البداية، وبالرغم من النفخ والتضخيم وإنفاق الملايين، بقى المقاول مجرد فقاعة افتراضية فكاهية. بدأت وانتهت على مواقع التواصل، وما تبقى منها عبارة عن عروض سطحية سوف تتلاشى مثل أى ظواهر افتراضية.
كان التوظيف الإخوانى لظاهرة المقاول تكرارا لطريقة لم تتخل عنها الجماعة طوال تاريخها البعيد والقريب، فقد نفخوا فى بالونة وتصوروا أنهم يمكن أن يحولوها إلى بالون يرفعهم من آبار الضياع، وبحملات من الفبركة والكذب، أوحى زعماء الإعلام القطرى التركى أن هناك فرصة سانحة لفوضى تتيح لهم العودة، ولعبوا فى أدمغة كوادرهم البائسة ودفعوهم دفعا لشارع يرفضهم.
وربما لايكون هناك لوم على أعضاء التنظيم ممن اعتادوا السير مغمضى الأعين وراء قيادات تعيش فى كنف المخابرات القطرية والتركية، لكن اللوم يقع على نشطاء وسياسيين محدثين سقطوا فى وحل تحليلات الجزيرة واعتبروا المقاول الفنان الفاشل زعيما سياسيا، وحتى هؤلاء يقيمون فى الخارج ويتكسبون من وظيفة المعارض « فول بورد»، لكن هؤلاء للأسف جروا وراءهم أعدادا قليلة من شباب تائه، أو فائر، صدق ونزل فسقط فى شباك الضياع ودوائر العبث.
القصة من بدايتها لنهايتها نوع من الكوميديا والفكاهة، لكنها كانت كاشفة عن ضحالة تفكير نشطاء الخارج، وتجار المعارضة الوهمية، بل أنها تنسف أى تحليلات سابقة أو ادعاءات بالمعرفة والفهم السياسى لقطعان تلاميذ المقاول، وتأكيد لما هو معروف عن شيوع أنواع من الطفولية السياسية لدى الكثير من زعامات التواصل الاجتماعى، وإجراء قنوات الجزيرة وتوابعها فى قطر وتركيا ولندن، وحتى ناشط مثل وائل غنيم، حرص من البداية على اتهام المقاول وتلاميذه النشطاء الجدد من دفع الشباب للتهلكة، بينما ينعمون هم بالحياة فى ظل الحماية القطرية والتركية. ومع هذا انغمس بعض النشطاء فى تحليلات هلامية، تقوم على أمانى ورغبات وسيناريوهات وهمية، وساروا مغمضى الأعين خلف نداءات تافهة. بل إن الشعب نفسه كان حاسما تجاه هذه النداءات، وبدا أكثر دراية من سكان النخب وزعماء «فيس بوك».
وبالرغم من أن هناك بعض النشطاء أو السياسيين المحدثين وقعوا فى فخ التحليلات السطحية واتخذوا مواقف بناءً على أوهام وسراب للمقاول والجزيرة وتوابعها، فهذا كله لايفترض أن يكون زاوية للشماتة، لكن الظاهر أن النشطاء أو الكبار لهم حياتهم ومواقعهم ومصالحهم التى جعلتهم يسيرون خلف دعاوى الفوضى المجهولة التى لم يكن لها أى أفق ولا ظل من الحقيقة. وأيضا لايتعلق الأمر بأعضاء تنظيم الإخوان ممن ينفذون تعليمات قياداتهم حتى لو تحولوا إلى وقود لقيادات تعيش فى الخارج وتنعم بالمكاسب بينما تلقى بالشباب فى التهلكة.
لكن الأمر المهم يتعلق بشباب صغير السن لا علاقة له بالإخوان وربما يكون تحرك بوازع من الهرمونات أو طبيعة السن، هؤلاء الذين كانوا صغارا أثناء 25 يناير وأصبحوا شبابا فى بدايات عمرهم، وبعضهم وجد نفسه فى موقع لا قبل له به أو بناءً على تزاحم وأخطاء. وهؤلاء هم من يحتاجون إلى التعاطف، وأن تتعامل معهم الدولة بقلب، حتى ولو من باب النصح.
وقد كان بيان النائب العام حول هذا الأمر مهما، لأنه تحدث عن الإفراج عن كل من لم يتورط فى الفوضى، ومن لم يثبت اتهامه. وربما تكون هناك حاجة للاقتراب مع هؤلاء الشباب الصغار، والإسراع بإطلاق من لم يثبت تورطه مباشرة. مع الأخذ فى الاعتبار أهمية سد الفراغات السياسية والإعلامية التى يتسرب منها صناع الأكاذيب.
لقد كانت التجربة كاشفة للفرق بين معارضين يملكون وجهة نظر، ويرفضون السير خلف مقاول فاسد وأكاذيب دعائية، وبين نشطاء ارتضوا لأنفسهم السير خلف الكذب بتعمد أو من دون عقل.