شهد مهرجان الجونة السينمائى فى دورته الثالثة، عرض الفيلم السودانى "ستموت فى العشرين"، الذى شارك فى مسابقة الأفلام الروائية بالمهرجان، ونال جائزة نجمة الجونة الذهبية للفيلم الروائى الطويل وقدرها 50000 دولار أمريكي.
"ستموت فى العشرين" هو الفيلم الروائى الطويل الأول للمخرج السودانى أمجد أبو العلاء، المستوحى عن قصة "النوم عند قدمى الجبل" للكاتب الروائى حمور زيادة، حيث يولد مزامل فى قرية سودانية تسيطر عليها أفكار الصوفية، ويتنبئ أحد دراويش الصفوية وفاة الطفل عندما يصل إلي سن العشرين، فيعيش أيامه فى خوف وقلق إلى أن يظهر فى حياته سليمان، وهو مصور سينمائى متقدم فى العُمر، وتدور حياته فى إطار انتظار الموت.
ويعتبر ستموت في العشرين الفيلم الروائى الأول فى تاريخ السودان منذ 20 عامًا، والسابع فى تاريخها، ولاقى اهتمامًا عالميًا وحصل على منح مالية من عدة جهات مثل مهرجان برلين السينمائى، ومنحة من بيروت، إضافة إلى منحة "سور فاند" النرويجية، كما عرض مؤخراً فى مهرجان فينسيا السينمائى ضمن قسم "أيام فينسيا" وفي مهرجان تورونتو ونال جائزة أسد المستقبل من مهرجان فينسيا.
"اليوم السابع" التقي صناع الفيلم السوداني ستموت في العشرين بالجونة وتحاور معهم حول الصعوبات التي واجهت تصوير الفيلم ورحلة العمل منذ بداية التحضير له في ظل الحراك الشعبي الذي حدث بالسودان ونيله الجوائز إلى أن عرض في مهرجان الجونة السينمائي ولاقي إعجاب الحضور ونال جائزة نجمة الجونة.. والبداية مع المخرج أمجد أبو العلاء وإليكم نص الحوار.
انقطاع طويل عن تقديم سينما في السودان وصل إلى 20 عامًا ومن المؤكد أن هناك صعوبات واجهت تقديم الفيلم فما هو تعليقك؟
حقيقة هناك الكثير من الصعوبات ولكن جميعها كانت إيجابية ولصالح الفيلم فعدم وجود سينما في السودان أمر ليس جيد لصناع الأفلام خصوصا وأنه لا يوجد نظام لطبيعة العمل ولا كوادر في مجال الإنتاج والتصوير والصناعة نفسها ولا تمويل بالتأكيد ولكن مع ذلك جاء لكل ذلك إيجابيا لأن هناك الكثير من الحكايات لم تحك على الشاشة وهناك الكثير من الممثلين لم يشاهدهم أحد علي الشاشة الكبيرة وهناك أماكن تصوير لم يرها أحد وكل ذلك كان ميزة أعطاها المناخ العام الخالي من السينما في السودان لصالح الفيلم.
ستموت في العشرين هو الفيلم السابع في تاريخ السينما السودانية بعد فيلم بركة الشيخ والذي قدم عام 1998 للمخرج جاد الله جبارة الذي احتل المركز الثالث ألا تري في ذلك مسئولية كبيرة عليك؟
المخرج جاد الله جبارة واحد من أبرز المخرجين في السودان وقدمت له تحية داخل الفيلم من خلال إبراز مشاهد من الخرطوم داخل سياق الأحداث، ولكن لا أحسب الأمر على أنه مسئولية لدي فيلم أقدمه من وجهة نظري وأتعامل مع كل المعوقات بكل هدوء وبساطة، حتي أن فريق العمل تم طرده من إحدى القرى التي كنا نصور بها وهو المكان الذي أخذ 5 أشهر تحضير وذلك لأنهم رافضون لوجودنا ورافضون لما يشاهدونه حولهم ولم يعتادوا عليه.
أمجد أبو العلاء والزميل علي الكشوطي
أمال
ظهر بالفيلم الكثير من التأثر بالثقافة المصرية والسينما المصرية والمخرج شادي عبد السلام فهل ذلك مقصود؟
بكل تأكيد فأنا قدمت تحية للمخرج شادي عبد السلام من خلال طريقته في تصوير بعض المشاهد وللمخرج أسامة فوزي، مثلما قدمت للمخرج جاد الله جبارة، والمخرج يوسف شاهين أيضًا، فهو السبب في حبي للإخراج فعندما كنت طفل كان أهلي وجيراني يدعون على أفلامه فيلم يوسف شاهين على غير العادة فالعادي أن الجمهور يقول هذا فيلم نور الشريف وهكذا، فأرادت أن أكون مخرج وأعمل وراء الكاميرات وأشغل الناس بأفلامي مثلما فعل يوسف شاهين، ولكن لست متأثر بالسينما المصرية فقط فأنا متأثير بالعديد من المخرجين والثقافات الأخرى.
أظهرت شخصية البطل مزمل فى حالة خوف من البحر وأظهرت البيت الذي يعيش به وكأنه قبر فهل كل هذه الرموز مقصودة؟
النيل الأزرق أو البحر كما نسميه بالنسبة لي مصدر خوف ورعب لأنه كان دومًا يلتهم الشباب أما بسبب التماسيح أو الدومات التي تتسبب في غرقهم وبالنسبة لي مستحيل أنزل به أبدًا، ورفض مزمل وخوفه من الحياة جعله يتخانق مع البحر باعتباره الخوف الأكبر، أما فكرة القبر فهي طبعًا مقصودة لأنني استلهمتها من قيام فكرة قيام الفراعنة بالإشراف علي وفاتهم ببناء المعابد والمقابر والرسم علي الجدران وهو ما حدث مع مزمل إضافة إلى أن ملامح مزمل بها لمحة فرعونية فأكملت الصورة، والممر الضيق الذي يظهر في الفيلم غير موجود في أي منزل في السودان ولكنني قصدت بناءه خصيصًا ليعطي الأحساس بالممر الذي يقود للمقبرة لدي الفراعنة حيث الغرفة التي كانت تجلس الأم فيها وترسم علي الحيط علامات تحسب بها عمر ولدها الوحيد لتعرف موعد موته والذي يحل عن عمر العشرين حسبما تؤكد النبوءة.
ستموت في العشرين
ستموت في العشرين
ألم تخشي اتهامك بالإلحاد بسبب الفيلم خاصة أن شخصية سليمان كانت تشجع مزمل على ارتكاب الأخطاء من باب تجربة الحياة؟
لا أظن ذلك من الممكن أن اتهم بالتشجيع علي التحرر ولكن شخصية مزمل تقف بين راحتي ميزان كفة بها والدته سكينة التي تنتظر موته وكفة يقف بها سليمان الذي يدعوه للحياة.
جسد الفنان السوداني محمود السراج شخصية سليمان وهي الشخصية التي كانت تدعو "مزمل " للحياة، ويقول السراج لـ"اليوم السابع" مصر بالنسبة للسودان والسودانين وطن أول وثان ونجاح فيلم ستموت في العشرين في المهرجانات عالمية مكسب للسينما الأفريقة والعربية، وذلك بعد حالة التجريف للسينما السودانية ليس من كتاب ومؤلفين ومخرجين ولكن من دور العرض السينمائي التي تحولت لمولات وأسواق تجارية ومحلات كبري، فلا تجود الآن في السودان أي صالة عرض تصلح لاستقبال الفيلم".
وأضاف محمود السراج أنه قبل 30 عامًا كانت السينما السودانية تحبو وتسير علي خطي السينما المصرية والأفريقية ولكن لولا النظام الذي يسمي نفسه بالنظام الإسلامي من وجهة نظره فهو الذي دمر السينما السودانية لأنهم جاءوا وهم يحملون وجهة نظر وهي أن التمثيل والتماثيل حرام وهدموا التماثيل، ودعوا للعودة إلى الجذور وهو ما كان سيدفع الثقافة السودانية للتحول إلي ثقافة إسلامية بمفهوهم البعيد عن الإسلام، لذا قاموا بتجريم الفن والثقافة عموما ولم يخلقوا مناخ يصلح لتقديم السينما والفن.
ستموت في العشرين
ستموت في العشرين
أما عن هيمنة الدراويش الصوفيين في السودان، فقال السراج إنه في القري والمناطق البدوية هناك سيطرة كبيرة للفكر الصوفي والدروايش هناك لهم سلطة كبيرة ولا يزال الأمر متغلغلاً في ثقافة تلك القري المتأثرة بالدراويش وأن تلك القري قائمة ببركتهم ويأتون لهم مريديون من كل مكان ويقدمون العطايا والهبات.
وأشار السراج إلي أن شخصية سليمان هي أول شخصية استقر عليها المخجر، مؤكدًا أن أمجد أبو العلاء مخرج الفيلم كان تقابل معه في مهرجان للسينما المستقلة في السودان عام 2016 ، وقال له إن لديه دور يريده أن يجسده وهو شخصية سليمان، وبعدها لم يحدث أي تطور سوي أن الفيلم بدأ يحصد على تمويل من أكتر من جهة وتأخر تقديمه وهو ما دفع السراج لمهاتفة أبو العلاء ليسأله ما ذا كان غير رأيه وأعطي الدور لممثل آخر إلا أنه تفاجأ بتمسك أبو العلاء مخرج الفيلم به ليقدم الدور.
وعن ما اذا كان يتوقع أن يحدث الفيلم جدلاً عن عرضه بدور العرض، قال السراح إنه يتوقع أن يثير الفيلم زوبعة وأن البعض سيقول "هي دي الحرية اللي انتوا عايزنها" وذلك بسبب أن الفيلم له فكر تنويري.
صناع الفيلم
أما الفنانة أمال مصطفي التي قدمت دور ست النسا، حيث تقول إن العمل بدا رحلته من الخرطوم وفي فترة بداية التصوير اندلعت الثورة السودانية وكان العمل صعب لأن الأجواء من حولنا لم تكن جيدة بسبب الأحداث، مشيرة إلى أن استقبال الجمهور للفيلم في مهرجان فينسيا كان مبهرًا وجعلهم ينسون الصعاب التي مرت عليهم، موضحة أن أكثر ما أسعدها في فينسيا هي أن الجمهور استقبل الفيلم بشكل إيجابي رغم أنهم غير عرب وبالتالي الرسالة وصلتهم بوضوح.
وأشارت "ست النسا" إلى أن ردود الأفعال بعد عرض الفيلم في تورونتو كانت أكثر إبهارًا خاصة أن الجمهور حمل العديد من الجاليات السودانية فكانت مشاهدة الفيلم معهم لها متعة خاصة، مضيفة أن كل مكان كان له مذاق مختلف مثلما كان لعرض الفيلم في مهرجان الجونة طعم مختلف بأن الجمهور النسبة الأكبر به للعرب والمصريين، مؤكدة أنها تتمني أن يشاهد الجمهور في الخرطوم الفيلم، لأن الجمهور في السودان متعطش للسينما، متوقعة أن يحقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في السودان.
قال المنتج شريف فتحي الذي يشارك في إنتاج الفيلم من مصر أن الوضع في السودان تحسن بشكل كبير وأن الفيلم سيكون له مكان للعرض في الخرطوم خاصة أن التوجه العام توجه تنويري وأن السودان علي أرض الواقع تتحرك نحو مزيد من الحريات.
وأشار شريف إلى أن المخرج أمجد أبو العلاء كان يعمل علي الفيلم بوجهة نظره بصرف النظر هل سيعرض في السودان أم لا وبصرف النظر عن النتائج، مؤكدًا أن الفيلم سيعرض بشكل تجاري وسيجد جمهوره لأن الفيلم له نوع خاص من الجمهور لأنه عمل تنويري وليس عمل تجاري، إضافة إلي أنه سيصل للعالم كله خاصة في ظل وجود منصات مشاهدة الأفلام والإنترنت.
إسلام مبارك والتي جسدت شخصية سكينة، تقول لـ"اليوم السابع" أنها شاهدت الفيلم لأول مرة وسط الجمهور في مهرجان الجونة وكان "حاجة فخيمة" والأستقبال فاق التوقعات وجعلها تشعر أن غدًا مستقبل مشرق للسينما السودانية.
وأوضحت إسلام مبارك أن شخصية سكينة مقسومة على مرحلتين مرحلة زمن ولادة الطفل والذي هي مرحلة سعيدة جدا خاصة أن المرأة السودانية التي تبكر بالولد يكون أمر غاية في السعادة بالنسبة للسوادنين، والمرحلة الثانية التي بدات فيها النبوئة بوفاة ابنها التي فرحت بقدومه ولكن في سن العشرين وهي النقلة الحقيقية في شخصية سكينة بالفيلم، وهي تهيئة وتربية هذا الطفل للموت في سن العشرين.
وأضافت "سكينة" أن الشخصية صعبة ومركبة ولكنها كانت متصالحة معها بحث تأثرت بها وأثرت فيها أيضًا، مؤكدة أن السودان لديها موروث ثقافي يقر بالنبؤات وبالدراويش لكنها على المستوى الشخصي لا تصدق في ذلك.
محمد وامال وشريف
محمود السراج
قال مصطفى شحاتة الممثل وطبيب العيون الذي جسد شخصية مزمل بالفيلم أن أداءه للشخصية كان مبنى على قناعة مهمة وهو أن هذا الشاب سيموت في نهاية الأمر في سن معين وبالتالي عندما يحزن أو يفرح لابد وأن يكون هذا الحزن أو الفرح به مسحة من المرارة التي تذكره بالموت في سن العشرين.
وأوضح أن المخرج أمجد أبو العلاء مع أول تجربة أداء أعجب به وطلب منه الاستمرار على نفس مستوى الأداء، وأضاف "مزمل" أنه استفاد من ورشة التمثيل التي قدمتها الفنانة المصرية سلوي محمد علي، مؤكدة أنها منحته طاقة إيجابية.
وأشار مصطفى شحاتة إلى أن يركز في ذاكرة الحواس ليستحضر منه تفاصيل الشخصية فهو بطبيعة عمله كطبيب يري لمحة الحزن علي وجوه المرضي في المستشفى لكنا يخزن تلك اللمحات ليستدعيها في تجسيد الدور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة