على الرغم من أن الجولة الخليجية التى يقوم بها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى الوقت الحالى، معلنة منذ عدة شهور، إلا أن توقيتها المتزامن مع الانسحاب الأمريكى من سوريا، يضفى عليها بعدا جديدا، فى ظل تنامى النفوذ الروسى فى منطقة الشرق الأوسط، والنجاح الكبير الذى حققته موسكو فى مزاحمة واشنطن، باعتبارها إحدى القوى الدولية الفاعلة، عبر البوابة السورية، بعد أن كانت الأخيرة تستأثر بالنفوذ فى المنطقة لسنوات طويلة من خلال دورها الذى لعبته لسنوات طويلة كوسيط فى القضية الفلسطينية، وهو الدور الذى بدأت تخسره الإدارة الأمريكية مؤخرا، منذ إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، فى ديسمبر 2017.
ولعل زيارة بوتين، والتى تشمل عدة دول تمثل حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة، تمثل أهمية كبيرة، وذلك لتزامنها مع العديد من التطورات التى تشهدها المنطقة، وعلى رأسها العدوان التركى على سوريا، وتداعياته، فى ظل مخاوف دولية وإقليمية من جراء عودة تنظيم داعش الإرهابى، والذى يدعمه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إلا أنها تحمل فى طياتها العديد من القضايا الأخرى، والتى تمثل تهديدا صريحا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، فى المرحلة الراهنة، فى إطار محاولات موسكو المستميتة لتوسيع دورها، على حساب الغريم الأمريكى، وعلى رأسها المسألة الإيرانية، خاصة وأن الحكومة الروسية تحظى بعلاقة قوية مع الجانب الإيرانى، فى ظل تعاونهما الوثيق فى السنوات الماضية، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية، منذ دخول القوات الروسية إلى الأراضى السورية فى عام 2015.
وساطة محتملة.. نفوذ موسكو لا يكفى
وتعد مسألة الوساطة بين دول الخليج وإيران، هى أحد أبرز القضايا التى تناولها بوتين فى حديثه التلفزيونى، قبل ساعات من بداية جولته فى المنطقة، وهو ما يمثل عرضا روسيا ليس بجديد، حيث سبق للدبلوماسية الروسية وأن عرضت القيام بهذا الدور من قبل، إلا أن اللحظة الراهنة تحظى بحالة من الزخم السياسى، فى ظل ما يمكننا تسميته بـ"الاستئثار" الروسى بالنفوذ فى سوريا، على حساب الولايات المتحدة، وبالتالى يمكن لموسكو القيام بدور أكبر فى المنطقة، وهو ما سوف يحظى بتقدير أكبر من القوى الإقليمية الفاعلة فى المرحلة المقبلة.
الملك سلمان يلتقى بوتين
إلا أن مسألة النفوذ وحدها ربما ليست كافية لقيام موسكو بدور مؤثر فى القضية الإيرانية، خاصة وأن الولايات المتحدة مازالت ممسكة بزمام الأمور تماما، وهو ما بدا واضحا فى النجاح المنقطع النظير الذى حققه ترامب فى الضغط على النظام الإيرانى، منذ صعوده إلى البيت الأبيض فى يناير 2017، عبر الانسحاب من الاتفاق النووى، وسلسلة العقوبات التى قام بفرضها على طهران، والتى كانت تمثل ضربة قاصمة للدولة الفارسية، والتى سعت عبر المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، نحو الضغط على واشنطن للتراجع ولكن دون جدوى، مما ساهم بصورة كبيرة فى تفاقم الأوضاع فى الداخل الإيرانى بصورة كبيرة.
مباركة أمريكية.. واشنطن مازالت القوى الفاعلة فى الأزمة الإيرانية
يبدو أن الدور الروسى المحتمل فى الأزمة الإيرانية لا يمكن أن يتم سوى بمباركة أمريكية، على الأقل ضمنيا، وعبر التنسيق مع حلفاء واشنطن الإقليميين فى الشرق الأوسط، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، خاصة وأن الولايات المتحدة مازالت القوى المهيمنة على الاقتصاد العالمى، والقادرة على مواصلة الض، والدليل على ذلك هو نجاحها فى إجبار الشركات الأوروبيين على الخروج من طهران، فى أعقاب الانسحاب من الاتفاق النووى، وذلك بالرغم من المواقف المناوئة للخطوة الأمريكية من قبل حكوماتهم، فى إشارة واضحة على الهيمنة الأمريكية على محاور القضية.
أوروبا فشلت فى إنقاذ الاتفاق النووى الإيرانى
فلو نظرنا إلى أن رؤية ترامب فى مسألة الانفتاح على الخصوم، نجد أنها تقوم فى الأساس على مباركة حلفاء واشنطن، خاصة من دول الجوار لديهم، لأى اتفاق محتمل، وهو الأمر الذى بدا واضحا فى موقفه من كوريا الشمالية، حيث كان التقارب بين الكوريتين، بمثابة أحد أهم المداخل التى أدت فى النهاية إلى انعقاد القمم، واحدة تلو الأخرى، بين الرئيس الأمريكى، ونظيره الكورى الشمالى، كيم جونج أون، وهو ما يتعارض بصورة كبيرة مع الاتفاق النووى الإيرانى، والذى أبرمته القوى الدولية الكبرى مع طهران فى يوليو 2015، برعاية إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
تسخير الخصوم.. تحركات موسكو تخدم رؤية ترامب
وهنا يمكننا القول بأن المساعى الروسية للوساطة بين دول الخليج وإيران تمثل خدمة صريحة لرؤية ترامب، والذى يسعى بدوره إلى الاتفاق مع إيران، وليس الحرب، وهو ما بدا واضحا فى العديد من المواقف الأمريكية الأخيرة، وعلى رأسها قرار ترامب بإقالة مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق جون بولتون من منصبه، خاصة وأنه دائما ما كان ينظر إليه من قبل الإيرانيين بالكثير من التوجس، باعتباره "عراب" الحروب، وهو ما يرجع فى جزء كبير منه إلى تاريخه الزاخر بالمواقف العدائية تجاه طهران، منذ حقبة الرئيس الأسبق جورج بوش، حيث أثارت العديد من التقارير تحركات بولتون فى تلك الفترة لشن حرب ضد إيران بالتنسيق مع إسرائيل.
ترامب وبوتين
يبدو أن الإدارة الأمريكية تتحرك فى الفترة الحالية نحو تسخير الخصوم، وعلى رأسهم روسيا، لتحقيق أهدافها، وهو ما لا يقتصر على المسألة الإيرانية، ولكنه يمتد إلى العديد من القضايا الدولية، وأخرها العدوان التركى على سوريا، حيث قام بسحب قواته لحمايتهم من أى تهديد جراء الاشتباكات المحتملة بين الأتراك والأكراد فى شمال سوريا، فى الوقت الذى ورط فيه موسكو للقيام بدور يمكننا تسميته بـ"شرطى" المنطقة، عبر مواجهة الأتراك من ناحية، وإجبار الأكراد على الخضوع على السيادة السورية من جانب أخر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة