خلال أقل من أسبوع بدت أهداف الرئيس التركى رجب طيب أرودغان من غزو شمال سوريا فى طريقها إلى مرحلة أخرى من الفشل، بل إنها ربما تقود إلى منح دمشق أوراقا جديدة فى طريق فرض السيطرة والحل السياسى، ففى حين تصور أردوغان أن انسحاب القوات الأمريكية يسهل له عملية الغزو، فقد أدى انسحاب أمريكا إلى تقارب بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق.
وكشفت بعض التقارير عن وجود ما يشبه تنسيقا روسيا أمريكيا على سحب القوات الأمريكية، حيث ألمح وزير الدفاع الأمريكى مارك إسبر إلى «أن واشنطن تعتقد أن الأكراد على وشك إبرام اتفاق مع الجيش السورى وروسيا للتصدى لتركيا»، موضحاً أنه سيتم إجلاء ألف جندى أمريكى من الشمال السورى، فى إشارة إلى أن الولايات المتحدة ربما تفاهمت مع روسيا حول خطوات الانسحاب.
وقد توصل الأكراد ممثلين فى قوات سوريا الديمقراطية « قسد» لاتفاق تحالف مع الجيش العربى السورى برعاية روسية، حيث جرت فى قاعدة حميميم الروسية باللاذقية، فى خطوة من شأنها توسعة جبهة القتال فى الشمال السورى فى مواجهة الغزو التركى، وقال بيان «قسد»: «تم الاتفاق مع الحكومة السورية كى يدخل الجيش السورى وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة قوات سوريا الديمقراطية لصد العدوان وتحرير المناطق التى دخلها الجيش التركى ومرتزقته المأجورون، وهذا الاتفاق يتيح الفرصة لتحرير باقى الأراضى والمدن السورية المحتلة من قبل الجيش التركى كعفرين وباقى المدن والبلدات السورية الأخرى».
وتوقعت شبكة بلومبرج الأمريكية أن يؤدى التحرك الأمريكى والتركى إلى تحالف محتمل بين الرئيس السورى بشار الأسد وقوات سوريا الديمقراطية الكردية التى تسيطر على ما يقرب من ثلث مساحة الدولة السورية وتتصدى للعدوان التركى على الشمال السورى. ورجحت بلومبرج فشل العدوان التركى على شمال سوريا، مؤكدة أن التحركات الأمريكية والتركية فى الآونة الأخيرة ستقود الرئيس السورى لانتصار جديد ربما يفوق توقعات كثيرين.
ونقلت بلومبرج عن جيمس دورسى، الخبير فى شؤون الشرق الأوسط أنه لو أعتقد الأكراد أنه لا خيار أمامهم سوى التحالف مع الأسد، فإن هذا سيوسع الأراضى السورية التى تسيطر عليها دمشق، وفى الوقت نفسه يواجه الغزو التركى لسوريا رفضا وإدانات دولية متسعة، حيث تظاهر الآلاف من الأوربيين فى كل من مدن فرنسا وألمانيا وقبرص والنمسا وسويسرا، وإسبانيا والمجر وغيرها، ووصف المتظاهرون اردوغان بالإرهابى واتهموه بارتكاب إبادة جماعية ضد الأكراد، ويدرس الاتحاد الأوروبى حسب صحيفة «الباييس» الإسبانية إعلان وقف جماعى لصادرات الأسلحة إلى تركيا، واعلنت كل من ألمانيا وفرنسا، عن وقف تصدير السلاح إلى تركيا على خلفية غزو شمال سوريا.
وفى الوقت نفسه، تضاعفت عمليات هروب أعضاء تنظيم «داعش» بعد قصف القوات التركية لمخيمات تحت سيطرة « قسد»، وسط اتهامات لأردوغان أنه ربما يكون من أهداف الغزو إطلاق سراح حلفائه من بين قيادات داعش، وهو ما حاول أردوغان نفيه باعتباره «تضليل لاستفزاز الغرب»، بينما تجاهل أردوغان التقارير والتسجيلات التى تثبت العلاقة المباشرة وغير المباشرة لأردوغان وابنه بلال مع داعش والقاعدة والتنظيمات الإرهابية التى خاضت حربا بالوكالة فى سوريا طوال 5 سنوات قبل أن تتلقى الهزيمة على أيدى قسد والجيش السورى، فضلا عن تقارير رصدت دخول مقاتلين من داعش ضمن القوات المرتزقة التى شاركت فى غزو الشمال السورى.
من هنا فإن رجب طيب أردوغان لا يواجه الفشل فقط فى تقارب قسد مع دمشق، لكن أيضا فى تحركات روسيا نحو الخليج وتحديدا السعودية والإمارات، حيث تدعم موسكو مشاركة عربية فى التسوية السياسية للقضية السورية، وتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بالمواقف من سوريا، بل وربما لعبت إدوارا فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران.
كل هذه التحركات تضاعف من احتمالات الفشل السريع للحملة التركية لغزو سوريا، وتسحب الكثير من الأوراق التى يظن أردوغان أنه يسيطر عليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة