اختتم مؤتمر "أزمة سد النهضة: بين فرض الأمر الواقع ومتطلبات الأمن القومى المصرى" الذى نظمه المركز المصرى للدراسات، أمس الثلاثاء، أعماله ببيان جاء فيه أن استمرار أزمة السد دون حل سيترتب عليه آثار سلبية تتجاوز الأطراف المباشرة، لتشمل أبعادا أمنية وإنسانية وبيئية، وتفرض على المجتمع الدولى والمؤسسات المعنية تحمل مسئولياتها.
وأكد المؤتمر على عدد من التوصيات الهامة، مشددا على أن الحقوق المصرية فى مياه نهر النيل هى حقوق ثابتة تاريخيا، تكفلها القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وهى قضية أمن قومى ومسألة "حياة ووجود"، وأن مصر بذلت جهودا حثيثة على المسارين الفنى والدبلوماسى من أجل الوصول لحلول منصفة وعادلة لجميع الأطراف، ولم يكن هناك إهدار لفرص. وفى المقابل كانت هناك مماطلة إثيوبية طوال السنوات الماضية مما أوصلنا إلى الموقف الراهن، ولم تبد إثيوبيا تفهما للمصالح والحقوق المصرية الثابتة فى هذا الشأن.
وتضمنت التوصيات رفض كافة سياسات فرض الأمر الواقع من دون التوصل لحل توافقى يحفظ الحقوق المائية والتنموية لجميع الأطراف، وأن مصر ما زالت تتمسك بالخيارات السياسية والدبلوماسية فى إدارة الأزمة، دون أن ينفى ذلك حقها فى اللجوء إلى أية خيارات أخرى تضمن حقوقها المائية وفقا لقواعد القانون الدولى، وأنه مازال هناك العديد من الفرص لبناء شراكات استراتيجية بين الأطراف، من شأنها تحويل نهر النيل إلى مجال للتعاون وتحقيق الأمن والتنمية للجميع.
وأكدت التوصيات أن تعثر المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود يفرض الحاجة إلى وساطات من جانب أطراف دولية وإقليمية، وضرورة توفير الفرص لنجاح هذه الوساطات، وأن استمرار أزمة سد النهضة دون حل سيترتب عليه آثار سلبية تتجاوز الأطراف المباشرة، لتشمل أبعادا أمنية وإنسانية وبيئية، تفرض على المجتمع الدولى والمؤسسات المعنية تحمل مسئولياتها.
وشددت التوصيات بضرورة التزام جميع وسائل الإعلام بالتناول المهنى والموضوعى والمتوازن لهذه القضية الحساسة والمعقدة لأن قضية المياه هى قضية الشعب المصرى باتجاهاته المختلفة، مما يتطلب التكاتف وراء الجهود التى تبذلها القيادة السياسية وكافة مؤسسات الدولة، فى إطار من الثقة الكاملة.
وتناول المؤتمر على مدار جلساته الثلاثة أزمة سد النهضة من مختلف جوانبها "الفنية والسياسية والقانونية" من خلال خبراء متخصصين فى تلك المجالات وكانت لهم علاقة قوية بالتعامل المباشر فى ذلك الملف.
تداعيات الخلاف بشأن سد النهضة
من ناحيته، أشار الدكتور محمد سالمان طايع وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وأستاذ العلوم السياسية، إلى أن حياة الشعوب والدول ترتبط وجودًا وعدمًا بالمياه تطورًا وحضارة، وعلاقات الدول أصبحت ترتبط بالمتغير المائى، فى هذا الإطار يتعين النظر إلى حوض نهر النيل فى إطار الهيدرو بوليتيك.
وأضاف أنه عند التأمل فى منحى التفاعلات المائية خلال العقدين الأخيرين يتلاحظ أن هناك تصاعدًا فى المنحى الصراعى، وتبدو إثيوبيا هى المحرك الأساسي، وبالتالى فإن العلاقات المصرية الإثيوبية يجب أن تكون هى المحور فى إدارة مصر لعلاقاتها بدول حوض النيل، موضحًا أن قضية سد النهضة أزمة بامتياز، ولا يوجد من يعتقد بغير ذلك، وهى أصبحت تهدد القيم والمصالح العامة للمجتمعات، موضحًا أن الأزمة بدأت فى ستينيات القرن الماضى لكنها لم تتضح إلا عندما أعلنت اثيوبيا عن بناء السد بمواصفات فنية جديدة تهدد المصالح المصرية.
تقدير الموقف الفنى للسد
وأوضح طايع أن هناك العديد من المخاطر الفنية فى بناء سد النهضة، وهى أن بناء هذا السد بهذه المواصفات سيؤثر على إيراد مصر المائى، وأنه سيكون هناك تأثير على الإنتاج الزراعى بحسبان أن كل 5 مليارات متر مكعب نقص فى المياه سيقابله تبوير مليون فدان أى تأثير واضح على الأمن الغذائى المصرى، مما سيقل معدل الحاصلات الزراعية وستزداد أسعار الحاصلات الزراعية وكذلك تشريد مليون أسرة مصرية، وزيادة تملح التربة المصرية وتقليل خصوبة التربة، والتأثير على الاحياء المائية والأسماك والتأثير على السياحة النيلية، كما أن هناك تأثيرات زراعية فنية مائية ايكولوجية بيئية واضحة لسد النهضة.
التأثيرات السياسية ماذا تريد أثيوبيا من بناء السد
أوضح طايع أن أهداف السد سياسية تتمثل فى خلق حالة من الهيمنة والسيطرة الإثيوبية واستغلال الورقة المائية لخلق حالة من الهيمنة الهيدربوليتيكة، لافتاً إلى أن كل التصريحات الخاصة بالمسئولين الإثيوبيين تؤكد على الهيمنة الإثيوبية على نهر النيل ويتجلى ذلك بإعلان اثيوبيا بناء سدود أخرى بخلاف سد النهضة، وأنها غيرت المواصفات الفنية لهذه السدود بدلاً من 48 مليار متر مكعب إلى 200 مليار متر مكعب، وهذه ارقام كارثية على الأمن القومى المصري، كما أنها تؤثر سلبا على السدود الإثيوبية ومع هذا فإن إثيوبيا عازمة على بناء هذه السدود، وأنها تسعى إلى تبنى سياسة الأمر الواقع دون أن تشرك آخرين فى هذه التحركات.
وأضاف طايع أن أثيوبيا أصرت عند التفاوض معها على إدراج عبارة أن السد قيد الإنشاء، وحاول المفاوض المصرى تغيير هذه العبارة ولكن دون جدوى، موضحاً أن تحركات أثيوبيا خلال الفترة المقبلة ستكون أحادية الجانب دون التنسيق مع مصر أو أى دولة أخرى من دول حوض النيل، فهى تسعى إلى تغيير معادلة الهيدرويوبليكى بما يعزز هيمنتها على منطقة حوض النيل، متابعا أنها تسعى إلى تحسين علاقاتها من الفواعل الرئيسة للإقليم ونجحت فى تقديم نفسها للقوى الإقليمية والدولية.
وتابع طايع أن أثيوبيا شبكت مصالحها مع الفاعل الأمريكى فى إطار الاستراتيجية الأمريكية المعروفة بالقرن الأفريقى الكبير ، من خلال ما يسمى بالأفريكان وتشبيك مصالحها مع عدد من الفاعلين الإقليميين.
القراء السياسية لسد النهضة
وأكد أن تكلفة السد عالية فالطبيعة الجيولوجية للأرض ليست مثلى، وتم تهجير عدد كبير من السكان وإغراق بعض المناطق التعدينية المهمة جدا قسرا، مشيرًا إلى أن قصر العمر الافتراضى للسد وزيادة احتمالية انهيار السد، كل هذا يعنى أن هذا السد يهدف لابتزاز مصر سياسيا، وهو ما عبر عنه الأمير خالد بن سلطان رئيس المجلس العربى للمياه عندما قال "ان السد سوف يتسبب فى الإضرار العمدى بحقوق مصر بمياه النيل ويعبث بالمقدرات المائية لمصر والسودان وذلك لأنه ليس هناك مصدرا بديلاً مقارنة بباقى دول حوض النيل وأن إقامة هذا السد يعد كيدا سياسياً أكثر منه مكسبا اقتصاديا"
كيف نتعامل مع ازمة سد النهضة
وحول كيفية التعامل وفق المنحى الصراعى والمنحى التعاونى فى الأزمة اقترح طايع إنشاء مجلس أمن مائي: يتبع مجلس الأمن القومى المصرى، و التحرك السياسى السريع والمكثف لمحاصرة إثيوبيا إقليميًا ودوليًا، والعدول عن المسار التفاوضى بعدما أثبت عدم جدواه، و التوظيف السياسى لتقرير اللجنة الدولية لبحث آثار سد النهضة، و التحرك السياسى المكثف لخلق وحشد رأى عام عالمى وإقليمي، والتوظيف السياسى والذكى لورقة "بنى شنقول" و التحرك السياسى للحول دون توفر التمويل اللازم للسد، و إعادة احتواء السودان وكسب تأييدها، وتفعيل دبلوماسية المياه المصرية، و تفعيل آليات القوة الناعمة (الإعلام والدبلوماسية الشعبية)، و التوظيف السياسى الفعال والذكى لأوراق الضغط السياسية.
وعلى صعيد التحرك القانوني، اقترح طايع، تقديم مذكرة احتجاج إلى مجلس الأمن الدولي، و أخرى إلى مجلس الأمن الأفريقى فى إطار الاتحاد الأفريقى، و اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وهو بالمناسبة تحرك سياسى وليس قانوني، وذلك من خلال إعمال الاختصاصين الإفتائى والقضائى للمحكمة، و تفعيل دور القوى الناعمة المختلفة من رجال الأعمال والفن ورجال الدين وغيرهم، ووضع خطة تنموية مشتركة.
أما على صعيد خلق شراكة استراتيجية مع دول حوض النيل، فاقترح طايع التعاون الشامل وفق خطة عمل تنموية مشتركة: وفق مبدأ "الربح للجميع"، و سرعة البدء فى مشروعات استغلال الفواقد المائية فى المنابع الاستوائية وفى منطقة بحر الغزال بالسودان، وإنجاز مشروعات الطاقة الربط الكهربي، و ضرورة التحرك نحو مشروعات استزراع الأراضى فى دول المنابع وخصوصاً فى كل من تنزانيا والسودان الشمالى والجنوبى وأوغندا وإثيوبيا، و تشجيع رجال الأعمال ومنظمات المجتمع المدنى لتحفيز الاستثمارات فى هذه الدولة، من خلال إنشاء صندوق خاص للاستثمار ، واستمرار التوجه المصرى نحو الاستمرار فى تمويل بعض المشرعات التنموية والمائية مثل: حفر الآبار، جث الحشائش.
من جانبه قال الدكتور محمد مجاهد الزيات المستشار الأكاديمى بالمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، أنه من حق إثيوبيا أن تصبح دولة إقليمية عظمى، وأن تصيغ التحالفات للوصول إلى ذلك، تسعى كذلك لزيادة قدراتها وهى فى ذلك شأنها شأن إسرائيل وتركيا وإيران، وفى المقابل يجب أن نسعى نحن أيضا لمواجهة التداعيات هذا السعى الذى قد يضر بمصالح مصر المائية، وأن مماطلة إثيوبية سبب رئيسى فى الأزمة، وهى تنشئ سدودا تعارض القانون الدولي، ومن الضرورى أن يحدث تفاهما قبل الاستمرار فى بناء هذه السدود، لعدم عرقلة المسار التفاوضى وأخذ تحفظات مصر فى الاعتبار، وأن الرهان على الصراع يرتفع بسبب التعارض الحاد فى وجهتى النظر، ومن الضرورى إدراك أن حدوث ذلك ليس فى مصلحة الطرفين، وأنه لا بد من اتفاق على خطوات لتقليل الأضرار، فالصراع حول النهر، يمكن أن يهز الاستقرار فى منطقة حوض النيل بأكمله، وأن الرئيس والحكومة المصرية أخذا قضية سد النهضة إلى الطريق السياسى والدبلوماسى وهو طريق صعب، وذلك ليس من السهولة المتصورة وأن الطريق ليس ممهدا جيدا الطريق إليه، وما يجب التركيز عليه أنه لم يكن هناك إهدار للفرص أو تفريط فى الحقوق، وكان من الضرورى إظهار حسن النية إلى آخر المدى، وهذه القضية ترتبط بالمناخ السائد فى العالم فيما يتعلق بحل الصراعات، وهو يؤمن بأن التفاوض هو الخيار المطروح.
وأضاف الزيات، يجب تفهم متطلبات التنمية فى إثيوبيا مع الحرص على حقوق مصر، على اعتبار أن القضية هى قضية وجود ومستقبل حياة، وأنها قضية دولية، ومصر مستعدة للتعاون ولكن من الضرورى التأكد أن هناك ضغوطا شعبية وخيارات أخرى إذا لم تنجح تلك الجهود. وأن هناك بدائل مقترحة كثيرة تشير إلى ضرورة الاستفادة من المسار القانوني، مثل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس فقط بما يهدده السد من حجز المياه، ولكن لتقييم السلامة الإنشائية وتداعياته المادية والبيئية، وأنه من الضرورى أن تسعى مصر لخلق تحالفات إقليمية ودولية موازنة للتحالفات الإقليمية والدولية الإثيوبية، ومن الضرورى أن يكون السعى لتسوية الأوضاع مع السودان ليس فقط فى مسألة السد لدعم التواجد الإقليمى المصرى وزيادة الحضور المصرى فى شرق أفريقيا وفى القارة بشكل عام.
قواعد القانون الدولى فى حل أزمة سد النهضة
من جانبه قال الدكتور محمد سامح عمرو أستاذ القانون الدولى بجامعة القاهرة، أنه عمل عن قرب على هذا الملف فى فترات معينة، ومازال، فيما يخص الجوانب القانونية لمياه النيل وملف سد النهضة خاصة، مشيرًا إلى أنه حتى الآن مازال المفاوضون فى هذا الملف من إثيوبيا والسودان يتحدثون عن مبادئ بالية من القانون الدولي، مثل مبدأ السيادة على الأنهار الموجودة داخل الدولة، فهو مبدأ بالى طرح قديمًا تحت اسم نظرية هارمون استخدمتها الولايات المتحدة مع المكسيك، ولكنه انتهى من هذا الوقت، ولا تستطيع أى دولة القول بأن لها سيادة مطلقة على نهر ما، وبالتالى لا يوجد فى القواعد والمبادئ المستقرة فى القانون الدولى فى استخدام المجارى المائية فى غير الأغراض الملاحية ما يشير إلى ذلك.
وأضاف عمرو أن هناك ثوابت فى هذه القواعد حاليا، وهى قواعد بدأت كمبادئ عرفية عن بعض المؤسسات والمنظمات، وصولًا إلى اتفاقية 1997 للأمم المتحدة التى عكست كل المواثيق والاتفاقات الدولية حول هذا الأمر، وصولًا إلى اتفاقية برلين، فهى قواعد مستقرة وثابتة وتطبقها كل الدول، و أن الدول حينما تتحدث وهى لديها نية للتعاون تطبق القواعد المستقرة فى القانون الدولي، ولكن لا يمكن بعد مئات السنين أن يكون هناك نهر يسير فى مجرى طبيعى وتقوم دولة بشكل منفرد بالادّعاء بأن لها سيادة مطلقة على النهر، وتقوم ببناء سد لتتحكم فى كميات المياه بغرض توليد الكهرباء أو لأى سبب آخر، فهذا أمر غير مقبول فى فلسفة السياسة والقانون الدولي
وأضاف عمرو أن قواعد استخدام مياه الأنهار أكدتها المحاكم الدولية فى أكثر من قضية، ومنها حكم محكمة العدل الدولية عام 1937 فى نزاع بين إسبانيا ودولة مجاورة لها، أرست خلاله المحكمة كل مبادئ استخدام الأنهار، مؤكدًا أن محكمة العدل الدولية تناولت عددًا كبيرًا من القضايا حول استخدام الأنهار خلال العشرين عامًا الأخيرة، وهذا مؤشر على وجود مشاكل فى استخدام المياه، وهى قضايا فى أوروبا وأفريقيا وبشكل كبير فى أمريكا اللاتينية، وهذا دليل على وجود قواعد القانون الدولي، وهذه القضايا دليل على عقلانية هذه الدول فى أنها تلجأ إلى طرف ثالث عند الاختلاف لمحاولة تسوية النزاع، سواء كان هذا الطرف هو القضاء الدولى أو طرف آخر أو وسيلة دبلوماسية أخرى
وأكد عمرو أنه لابد من وضع نهاية لهذا النزاع، فلم يعد العالم يحتمل وجود نزاعات مسلحة تؤثر على التنمية، سواء فى الدول المتنازعة أو فى دول الجوار، مشيرً إلى أن المبادئ المستقرة عبر العرف الدولى أو الاتفاقيات الدولية التى تنظم مياه نهر النيل قديمة، وأول اتفاقية كانت عام 1902، وحتى لو أن الطرف الآخر يحاول النزاع فى هذه الاتفاقية فى حد ذاته دليل على وجود الاتفاقية، ووجود متغيرات كثيرة يحتم النقاش حولها، ولكن لا يمكن انكار الاتفاقيات القديمة، مؤكدًا أن الحقوق التاريخية هى حقوق تاريخية ومازالت قائمة.
وكشف عمرو أن البنك الدولى يضع قواعد لتمويل بناء السدود، والدولة التى لا تحترم قواعد بناء السدود لن تمولها البنوك الدولية، وبالتالى لا يمكن لدولة استخدام مبدأ السيادة المطلقة على نهر دولي، فهناك قواعد لابد من احترامها، وأن أى دولة تريد عمل مشروع أيا كان على النهر لابد من إخطار الدول الأخرى والتشاور معها، والتعاون معها للوصول إلى افضل النتائج، مع الحفاظ على مبادئ الاستخدام المنصف والعادل للنهر، وعدم الإضرار بالدول الأخرى، فلا يؤدى الموقع الجغرافى لدولة إلى الإضرار بدول أخرى، وهناك مبادئ أخرى مثل التقييم البيئى وجودة المياه وغيرها، فالأمر لا يتعلق بكمية المياه فقط.
وأضاف عمرو أن مصر أخذت خطوات واسعة لتغيير المزاج العام بينها وبين الدول، وخاصة بعد التغيرات السياسية التى حدثت فى مصر والدول الأخرى، بجانب فشل دول حوضل النيل فى الوصول إلى اتفاق جامع، ومصر فتحت باب التعاون بحسن نية ووضوح، ومن هنا جاء إعلان المبادئ، أخذت مصر خطوة إعلان المبادئ لفتح صفحة جديدة بخصوص سد النهضة، وتضمن الإعلان قواعد قانونية مستقرة فى القانون الدولي، ويجب تنفيذ الاتفاق بشكل ثلاثى بحسن نية وبهدف إقامة هذه القواعد، واذا اخلت دولة بالاتفاق فوفقا للقانون الدولى يخل الطرفان الاخران بالاتفاق.
وأوضح عمرو أن اثيوبيا بعد التوقيع على الاتفاق اختلفت على كل شىء اختلفت على المكاتب الفنية وعلى اللجان الأخرى، وحاولت إملاء شروطها الحاصة على بقية الإطراف وإلا فلن يكون هناك اتفاق، وهو أمر غير مقبول، مبينًا أن مصر تريد الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل أثناء الملء وبعده، فلا يمكن لإثيوبيا الانفراد بالتشغيل لأنها بذلك يمكن أن تحتجز ما يحلو لها من كميات مياه وتغير المواسم الزراعية، وتحدد هى أوقات الجفاف، وهى كلها أمور لابد من الاتفاق عليها، الدولة المصرية تتعامل مع هذا الملف بعقلانية شديدة وفق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
وأكد عمرو أنه لابد من الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل اثناء الملء وبعده وصيانة السد بعد ذلك، فإهمال السد وانهياره لن يؤثر على اثيوبيا وحدها، بل سيؤثر على السودان بشكل ضخم جدا تنتهى معه السودان، ثم سيؤثر على جسم السد العالي، وبالتالى فهذه الأمور لابد أن يكون هناك انفتاح للاتفاق على هذه القضايا، دون انفراد من أى دولة بالأمر بعيدًا عن القانون الدولي، فالانفراد يؤذن بكارثة كبرى.
وشدد عمرو، أن التوصل إلى اتفاق مطلوب، ولا يمكن البدء فى ملء السد وتشغيله دون اتفاق، وعلى مصر والسودان وضع إعلان المبادئ أمامها لأنه يشترط التوصل لاتفاق على ملء وتشغيل السد لكى يتم ذلك وقبل الشروع فى الملء، لافتًا إلى أن هناك عناصر لابد من مراعاتها عند التوصل لاتفاق، ومنها وضع سيناريوهات مختلفة زمنية فإذا حدث كذا يتم عمل كذا، فهذه القواعد توضع للأجيال القادمة وليس لسنوات قليلة، ولا يدرى أحد ما سيحدث بعد عشرين أو ثلاثين عاما، مؤكدًا أن كل الاتفاقيات السابقة التى وضعتها مصر حول مياه النيل تفتقر لآلية لفض المنازعات وهو أمر لابد من مراعاته عند الاتفاق المقبل، وكذلك التأكيد على مبدأى الاستخدام العادل والمنصف وعدم الإضرار.
وأضاف عمرو: لابد من وجود آلية مشترك تراقب الدول بالاتفاق لأن هذا لا ينصب اثيوبيا فقط ولكن على دول المصب أيضًا، ولابد من الاتفاق على كيفية اتخاذ القرار، لأن مصر خاضت هذه التجربة مع السودان واثيوبيا ولابد من التوصل إلى ما هى الصيغة المقبولة لاتخاذ القرار، الإجماع أم التوافق أم الأغلبية، وهل كل القرارات ستتخذ بنفس الآلية أم لا، مؤكدًا أن الاتفاق ضرورة ولا يمكن أن يستمر الوضع كما هو عليه، وعلى الخارجية المصرية اتخاذ كافة الوسائل داخل الأمم المتحدة وخارجها للوصول إلى الاتفاق.
وأشار عمرو إلى أن دول المنابع كلها تؤيد مواقف بعضها البعض، اثيوبيا تريد أن تجعل دول المنابع كلها تتصرف وفق نفس تصرفها وهو سيادة دول المنابع على الأنهار، ولذلك لابد من التوافق بين دول المصب فيما بينها لمواجهة هذا فى المحاكم الدولية.
الوساطة الدولية فى أزمة سد النهضة
و تحدث السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق حول الأزمة فى الآونة الأخيرة واصفًا إياها بأنها قد شهدت توتراً غير مسبوقًا فى العلاقات المصرية الإثيوبية بسبب التعنت من الجانب الإثيوبى الذى أدى إلى فشل جولة المفاوضات الفنية التى عقدها وزراء الموارد المائية فى البلدان الثلاث " مصر- السودان- اثيوبيا" فى الخرطوم خلال 4 أكتوبر الحالى، وأنه بات واضحًا منذ خطاب الرئيس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الرابعة والسبعين باتجاه الدولة المصرية إلى تدويل الخلاف مع اثيوبيا حول أسلوب تعاطيها مع سد النهضة وما اتسم بها موقفها من مماطلة وتسويف عبر سنوات من التفاوض رفضت خلالها إثيوبيا المسارات التوافقية والأطروحات والحلول المصرية.
و اقترح حجازى بضرورة اعداد ملف مصرى متكامل يتضمن فى قسمه الأول رؤية مصر الفنية العادلة لقواعد وسنوات الملء واسلوب إدارة وتشغيل سد النهضة بالتنسيق مع سدود السودان ومصر، وبما يسمح بتحقيق شركاء النهر الثلاث المنافع والمصالح المرتجاة من حيث، توليد اثيوبيا الكهرباء، تنظيم السودان النهر الوارد إليها، محافظة مصر على حصتها المائية، فى إطار من الاحترام المتبادل للحق فى التنمية والحق فى الحياة.
ويشمل القسم الثانى مقترحاً بالتعاون الاقليمى الشامل، والذى يشمل تحول المياه لجزء من منظومة أشمل تتحقق فيها المنافع لدول المنابع والمصب على حد سواء, حيث يتم الربط المائى والادارة المشتركة بشكل متناسق بين السدود فى الدول الثلاث وبما يسمح بالتصريف العادل الذى لا يضر بدول المصب ويحافظ على حقوقها المائية القائمة, ويحقق فى نفس الوقت ربطاً كهربائياً يسمح بتصريف كهرباء سد النهضة بين البلدان الثلاث أو تصديرها عبر الشبكة المصرية للإقليم أو لأوروبا, وبالتوازى يتم ربط السكك الحديدية بطريق برى يقود لخروج اثيوبيا كدولة حبيسة من عزلتها الجغرافية وصولًا إلى البحر المتوسط، والاستفادة من الموانئ المصرية.
أما الجزء الاخير من الملف المصرى فأشار خلاله السفير، بأنه يتم بصياغة القسمين الفنى بما اتفق عليه مائياً وإقليميًا بمشروعاته التعاونية فى مشروع اتفاقية قانونية ملزمة على غرار اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، وبحيث تُشكل أساساً للتعامل المستقبلى مع هذا الملف والأهم أنها ستضع حداً للقلق بشأن 86% من موارد النهر والتى ترد من اثيوبيا.
و اقترح حجازى بأن الملف المصرى المطلوب إعداده بجزئيه الفنى المائى العادل والتعاونى الإقليمى الشامل، يصاغ بشكل اتفاقية قانونية ملزمة، يتم بعد ذلك تسليمه للجهات الدولية من دول ومؤسسات ومنظمات إقليمية ودولية، فى إطار من التحرك الدولى الممنهج، والذى قد يمتد لو استمر الخلاف لمؤسسات الأمم المتحدة بدءًا بالجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولى ومنه لمحكمة العدل الدولية،بوصف أن هذا الخلاف يعد تهديدًا للأمن والسلم الدولي، وبوصف الموقف الإثيوبى المتشدد هو إعمالاً للحق فى غير موضعه وبما يخالف ميثاق الامم المتحدة والأعراف والمواثيق الحاكمة لقضايا المياه، وقد يكون مناسباً فى هذه المرحلة إذا لم تسفر لقاءات القمة عن انفراجة، اللجوء إلى طرف ثالث إعمالا للمادة العاشرة من اعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة فى مارس 2015. حيث لعب البنك الدولى ورئيسه ايوجين بلاك منتصف الخمسينات دوراً رائداً فى توصل الهند وباكستان لاتفاقية نهر الاندوس.
وأضاف حجازى ببدء تسليم هذا الملف المصرى العادل خلال المقابلة الهامة للرئيس عبد الفتاح السيسى مع آبى احمد رئيس الوزراء الاثيوبى فى سوتشى بروسيا الاتحادية خلال انعقاد قمة روسيا- افريقيا.
و ذكر حجازى أن المكتسبات متوقعة حول الاطار التعاونى الوارد بالملف وبتصوره لممر التنمية لحوض النيل الأزرق بأنه سيكون بمثابة إطلاق مشروع تنمية شامل، والذى ستشرف عليه سياسيا ومائيا واقتصاديا سلطة إدارة حوض النيل الأزرق وسوف يحقق هذا المشروع المُقدم مكاسب اقتصادية هامة، وتوافق سياسى وتهدئة لحدة التوتر ومخاطر المواجهة والخلاف بين الدول الثلاث، إضافة لمكسب جغرافى هو أن دولة حبيسة جغرافيا مثل إثيوبيا ستجد لنفسها منفذا عبر موانى البحر المتوسط المصرية، وبحيث يصبح التعاون جاذبا لإثيوبيا بالذات وللسودان، ومحققا لمصالح الأطراف الثلاثة.
وأضاف أنه من خلال منظومة التعاون تلك سوف تتحول المياه لجزء من منظومة تعاون متعدد الجوانب، بحيث يصبح مشروع ممر التنمية الشرقى شاملا لمجالات تعاون عديدة منها الكهرباء والنقل البرى والبحرى وانتقال الأفراد والسلع والبضائع، ضمن نطاق أشمل قائم على الربح المتبادل وعلى التعاون بدلا من الفرقة والانقسام، مشيراً إلى أن الحل يكمن فى الموائمة بين المصالح كى يتحول النهر بكل روافده لواحة للخير والنماء بدلاً من أن يكون ساحة للصراع ومع بعض الإصرار والمثابرة بمكن تحقيق أمل ممر التنمية الشرقى فى ظل سلطة مشتركة لإدارة موارد النيل الأزرق لصالح دوله، ليبقى النهر باعثا للحياة والنمو للجميع.
الشراكة الاستراتيجية الثلاثية وآفاق المسار التعاونى
أكد الدكتور أيمن عبد الوهاب خبير الشئون الافريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن القضية ارتبطت بالنوايا المصرية فى التعامل مع الملف ورؤية مصر لهذا الملف من زواية بناء شراكات بالتطبيق على دول الحوض، لكن بطبيعة الحال الحديث عن شراكة يبعد عن الواقع الحالى وتدور المناقشة حول محورين لماذا بناء شراكة مصرية سودانية اثيوبية فى هذا الملف؟ و كيف يمكن بناء هذه الشراكة؟ موضحاً أن ذلك يحتاج رؤية مختلفة لما تنتهجه إثيوبيا فى هذا الملف وليس فقط فى السنين الاخيرة ولكن يمكن أن يرجع إلى فترات سابقة، وبالتالى فإن الشراكة متعذرة و لم تتحقق فى هذا الوقت أو المستقبل القريب أو المتوسط برغم كل الافكار عن التعامل التى يمكن أن ترسم صورة متفائلة ويجب أن يدرك الجانى الاثيوبى انه مضطر للتعاون، وفى الوقت الحالى الحديث عن الشراكة لا يوجد شراكة فى ملف المياه دون وجود شراكة فى ملفات اخرى، مشكلة هذا الملف انه فى بعض الاوقات يتم معالجته بشكل منفصل عن باقى الملفات التى تتقاطع مع العلاقات المصرية والسودانية والاثيوبية.
وأضاف عبد الوهاب أنه عندما انتهجت مصر فى 2011 فكرة الدمج بين الحضارات وبين مسار التعاون أو الخلاف او التنافس أو الصراع فى ملف المياه لم يؤت بحل وعنما فصلت مصر بين مسار العلاقات بشكل عام ومسار التفاوض لم يتم التوصل لحل وهذا يوضح أن هناك قضايا يجب معالجته بشكل متشابك من خلال، رؤية إثيوبيا وطموحها فى هذا المنطقة الملف ليس فى معزل على الاطلاق بل أحد ادوات اثيوبيا فى تغيير معادلة دول حوض النيل، مشيراً إلى أنحجم التنافس الدولى من قبل القوى الدولية ومن قبل الشركات الدولية، كذلك مسألة الاستثمارات حتى الصراع على الموانئ فى جيبوتى واريتريا واثيوبيا تسعى لتقديم صورة جاذبة لهذه القوى وهذه الاستثمارات وقدمت نفسها فى صورة نجحت إلى حد كبير، ويجب الأخذ فى الاعتبار أن ما تم من 2011 حتى هذه اللحظة يقترب من مباحثات وليس مفاوضات، خاصة أن مشكلة التفاوض بدأت فى 2007 وظهرت ترجمتها فى اتفاق عنتيبى وسد النهضة ما هو الا بداية لهذه الرؤية التى تولدت منذ بداية التفاوض.
وأضاف عبد الوهاب أن السد ليس تهديدًا للأمن القومى المصرى فقط بل يتجاوز هذا الامر مع ربط السد بالاستراتيجية الاثيوبية المطروحة من 2002 والتى لم تتغير حتى هذه اللحظة ندرك لماذا هذا الموقف الاثيوبى حيث تتحدث هذه الاستراتيجية أن مصر عائق أمام التنمية الاثيوبية. ومراجعة هذه الاستراتيجية أمر هام جدا لإدراك ما تقوم به اثيوبيا الآن فيما يتعلق بتصفير مشاكلها وطرحها للعلاقات واشكالها فى هذه المنطقة يتعلق ايضا بسياستها المائية التى تتجاوز سد النهضة، وأن السد نفسه نموذج لما هو قائم لا يجب التعامل مع هذا السد على انه حالة يمكن حلها بل هو أمر واقع والتالى أوغندا أو السودان تنظر إلى هذا السد على انه إطار للتسوية.
وأشار عبد الوهاب إلى أن سياسة الامر الواقع ستستمر من جانب اثيوبيا وهذا مرتبط بعدد من العوامل، فهى لم ترحب وترفض دائما وضع المحادثات فى إطار سياسى او استراتيجى ووضعها فى إطار فنى على الرغم من أن الجميع يدرك أن القسية سياسية او استراتيجية تتعلق برؤية اثيوبيا، وأن تقرير الخبراء الدوليين فإثيوبيا تدرك أن الدراسات غير كافية وبالتالى تخسر هذه القضية بشكل كبير، وأن سد النهضة نموذج للضغط والتهديد لأمن مصر المائي
وأجاب عبد الوهاب على التساؤل ما الذى دفع اثيوبيا لتغير منهحها فى التفاوض؟ بأن حجم الضغط المصرى، ورفع تكلفة القيمة المضافة التى تقدمها مصر ولا تقدمها باقى الدول التى تتنافس على الموارد فى هذه المنطقة ويجب أن تزيد مصر الضغط منخلال رفع القيمة المضافة للتعاون، وأن السودان عامل مرجح لإثيوبيا، وتصفير المشاكل الإقليمية، مشيراً على أنه من الممكن تدشين مسار تعاونى مع الاخذ فى الاعتبار أن الرأى العام الداخلى فى إثيوبيا والقيادة السياسية لم يتغير.
وشدد عبد الوهاب على أنه يجب التعامل مع الحساسيات الموجودة حول الدور المصرى ولعب المزيد من الدور فى الرأى العام العالمى والافريقى وصياغة استراتيجية مصرية جديدة تستند إلى رسالة اعلامية وسياسية واضحة، وزيادة التنسيق بين الملفات المعنية بهذا الملف، مؤكداً أن اللحظة الحالية هى لحظة فارقة الجزء الايجابى فيها ينطلق من مبادرة واسعة تتجاوز فكرة الأزمة، وأنه لابد من تدويل القضية وطرحها لأن مسالة الاستقرار فى هذه المنطقة يحتاجها الجميع سواء كانت دول الحوض او الشركات التى تستثمر فى هذه المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة