عاد العقيد إبراهيم الرفاعى ومجموعته من أبطال «المجموعة 39 قتال» إلى القاهرة يوم 18 أكتوبر 1973 بعد تنفيذها لعملية ضرب مطار الطور..عادوا لإعادة التنظيم والاستعداد لعملية جديدة يقودها الرفاعى ضد العدو الإسرائيلى أثناء الحرب التى بدأت يوم 6 أكتوبر، وحسب مذكرات اللواء محسن طه أحد أبطال هذه المجموعة المنشورة على «موقع المجموعة 73 مؤرخين– إلكترونى»: «تم استدعاء الرفاعى إلى مبنى القيادات العامة للقوات المسلحة ومركز العمليات لمقابلة الرئيس السادات، ووزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل، وتم عرض موقف الثغرة، وطلبا منه أن يضع بنفسه خطة لنسف وتدمير المعبر الذى تستخدمه القوات الإسرائيلية لنقل قواتها إلى منطقة الدفرسوار».
وضع الرفاعى خطته، حسب محمد الشافعى فى كتابه «المجموعة 39 قتال»، وكانت: «العمل على تدمير دبابة أوأكثر من دبابات العدو فوق المعبر، على أن يكون ذلك من خلال ثلاثة قوارب اقتحام تأتى من جنوب البحيرات إلى المعبر، وعليها مسلحون بالأسلحة المضادة للدبابات، وفى نفس التوقيت يقوم أفراد الضفادع البشرية بالغوص إلى أعماق المعبر، ووضع العبوات الناسفة على جميع أجزائه، على أن يتم التفجير بعد ساعة من زرع العبوات الناسفة، فإذا ما تم التفجير، انعزلت قوات العدو فى الغرب عن قواته فى الشرق، بما يعنى انعدام الإمداد والتموين، وفى حال فشل تع طيل دبابة أو أكثر على جسم المعبر تنفذ الخطة البديلة، وهى الدفع بمجموعات اقتحام تعمل على تدمير أكثر من دبابة أمام المعبر مباشرة».
تحرك «الرفاعى» ومجموعته للتنفيذ.. يذكر الشافعى: «وصل إلى مركز قيادة الجيش الميدانى، وفى مركز قيادته توصل إلى استحالة تنفيذ خطته، والسبب كما يقول البطل «نبيل عبد الوهاب» أحد «الضفادع» الثمانية المكلفين بالمهمة: «أن العدو الإسرائيلى سيطر على جنوب الدفرسوار مما يلغى عملية قيام الضفادع البشرية لتلغيم المعبر، وفى مركز القيادة كانت هناك تعليمات جديدة من الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان الجيش، بضرورة تحرك المجموعة عن طريق «المعاهدة» للوصول إلى موقع تقاطع «سرابيوم» عند قرية «نفيشة»، والتمسك به مهما كان الثمن لمنع قوات العدو من التقدم لاحتلال الإسماعيلية».
بدأ «الرفاعى» فى تنفيذ الخطة الجديدة ليخوض ومجموعته معركة هائلة، يتذكرها اللواء محسن طه أحد أبطال المعركة: «تقدمت المجموعة واحتلت مواقعها، وفوجئت عناصر استطلاع المجموعة بتقدم مجموعة من الدبابات الإسرائيلية فى اتجاه مواقع الصواريخ المضادة للطائرات، وأمر «الرفاعى» بتثبيت المجموعة فى أماكنها، ونشر مجموعات كمائن على يمين ويسار الطريق لمنع تقدم العدو وتدميره، وتقدم ومعه الرائد رفعت الزعفرانى، الرائد محسن طه، الرقيب أول مصطفى إبراهيم، العريف محمد الصادق عويس.. وهم من أمهر رماة القاذف الصاروخى «أربى جى 7» والمدفع 84 م/د عديم الارتداد فى اتجاه موقع الصواريخ، وتم الوصول إلى أعلى نقطة بالموقع ليكون فيه ظهور متبادل بيننا وبين العدو، ويكون الضرب مباشرا بواسطة الأسلحة المضادة للدبابات المحمولة على الكتف»..يضيف «طه»، تم الاشتباك مع العدو من أعلى نقطة فى موقع الصواريخ وتم تدمير عدد 2 دبابة للعدو، وتوقف قول الدبابات».
يتذكر«طه» دراما استشهاد الرفاعى قائلا: «انطلق الرفاعى ومن معه فى خفة وحذر يدفعون بأنفسهم فى صمت ودون أن يشعر أحد بهم، واستمر الاشتباك مع العدو بالصواريخ المضادة للدبابات».. يضيف: «فجأة سقط الرفاعى أرضا»، بعد أن اخترقت شظية صدره.. فشلت كل محاولات وقف نزف الدم الذى كان يسيل على تراب الأرض التى يدافع عنها».. يتذكر «طه»: «وضع مصطفى رأس الشهيد على فخذيه..مال عويس يتلو بعض آيات قرآنية.. كان أذان الجمعة يعلو من مسجد مجاور لمنطقة نفيشة.. اختنق صوت مصطفى وعويس بالبكاء.. حمل الرجال الشهيد وهو يرتدى أوفروله الزيتى، ووضعوه فوق العربة الجيب المفتوحة.. وصل جثمانه إلى قيادة المجموعة..أرسلت برقية إلى القيادة العامة تحمل الخبر، فكان الرد: «إرسال الجثمان إلى القاهرة لتشييع جنازته بين أهله».
سالت دماء «الرفاعى» الذكية تاركا سيرته العطرة فى تاريخنا، وبعد أن عاش حياة بدأت بمولده فى حى العباسية بالقاهرة لأسرة تعود أصولها إلى قرية الخلابة التابعة لمركز بلقاس محافظة الدقهلية، وحسب الشافعى، تخرج من الكلية الحربية عام 1954، ولفت أنظار قادته بذكائه وشجاعته الفائقة، وشارك فى حروب 1956.. اليمن.. يونيو 1967.. الاستنزاف..أكتوبر 1973، ثم قاد المجموعة «39 قتال» التى تأسست يوم 24 يوليو عام 1969 بقرار من اللواء محمد أحمد صادق رئيس المخابرات الحربية «وزير الحربية فيما بعد»، لتنفيذ عمليات خاصة ضد العدو، وواصلت عملياتها البطولية حتى 25 إبريل 1974.
عاش زاهدا فى الدنيا.. يذكر الكاتب الصحفى عبده مباشر المدنى الوحيد الذى انضم إلى المجموعة «39» فى كتابه «رجال أكتوبر»: «كنت أدرك أنه من الطبيعى أن يسعى بنو البشر جاهدين للفوز ببعض متاع الحياة الدنيا، أما هو فلم آره يوما ولم أسمعه مرة يتحدث عن هذا، أو يشير إليه، سألته يوما: «ألست بشرا مثلنا؟.. ابتسم فى حياء وتواضع وقرأ قوله تعالى: «قل متاع الدنيا قليل».. صدق الله العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة