«لو عايزين تكافحوا الفساد فى بلادكم ما تجاملوش حد»، كانت هذه كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال كلمته فى تخريج الدفعة الأولى لكلية الطب بالقوات المسلحة، وكان الرئيس يؤكد على فكرة الاختيار بناء على التوق، وأيضا بناء على اختبارات محددة لا يتدخل فيها العنصر البشرى، وقد استطرد الرئيس فى شرح أهمية تعميم الاختبارات ما قبل الجامعية باعتبارها خطوة لمعرفة قدرات الطالب ومدى استعداده لدراسة التخصص المتقدم إليه.
تأكيد الرئيس على ضرورة انتهاء المجاملة، هى إشارة إلى «الواسطة» وهى عملية مستمرة طوال عقود وممتدة، وقد تطور نظام الواسطة فى مصر لدرجة توريث الوظائف فى مؤسسات محددة وشركات، من دون وجود أى قانون، حيث يتم تعيين الأبناء مكان الآباء والأمهات، وهى طريقة لم تواجه أى نوع من الاعتراض، وتضيع فى الواقع حق الأكثر كفاءة. وبالمناسبة فإن الواسطة كانت موجودة من عقود ومن يرجع إلى أفلام الأبيض وأسود يكتشف كيف كانت الوظائف تذهب لأصحاب التوصيات والواسطة.
ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يشير الرئيس فيها إلى خطر الواسطة فى نشر الفساد لأنها تعنى اختيار الأقل كفاءة بسبب نفوذ أسرته أو ماله، بينما يتم استبعاد المستحق. يجرى هذا فى الجامعة وفى البنوك والدبلوماسية والمؤسسات القانونية وغيرها.
فى مؤتمر الشباب قبل الأخير الذى عقد فى أغسطس الماضى، وجه الرئيس السيسى نقدًا لنظام الإدارة المحلية، والحكومية، واعتبار أن استمرار النظام الإدارى والمحليات بهذا الشكل لا يساعد فى نقل البلد للأمام.
يومها وجه الرئيس السيسى أكبر انتقاد لنظام الواسطة والمحسوبية فى اختيار الموظفين واللاعبين والمديرين عندما قال بشكل واضح: «إن المجاملات فى أى قطاع لن تساهم فى نجاح أى عمل»، وكان الرئيس يتحدث عن الكرة والفرق الرياضية ويتساءل: «ألا يوجد ألف لاعب جيد؟»، وتطرق إلى أن الأمر ليس فى كرة القدم فقط، ولكن فى كل القطاعات: «هناك العديد من المواهب الغنائية التى يمكن اكتشافها وتحتاج إلى فرصة.. وكل القطاعات تحتاج إلى «نجباء» وأن يتم اختيارهم بتجرد.. التجرد فى انتقاء المواهب سيجعل الدولة تقفز سنوات إلى الأمام».
يومها اختار الرئيس تعبيرات مخففة، وهو يشير إلى أن اختيار المسؤولين أو المديرين يتم بناء على مجاملات، وهو ما يعرف بالواسطة والمحسوبية، وهو أصل الداء، حيث جرى على مدى عقود توريث المناصب والمواقع فى قطاعات كثيرة من الجامعات والدبلوماسية للقطاعات القانونية والمهمة، وحتى الفن والإعلام والبنوك وقطاعات الطاقة وغيرها، حيث يتم استبعاد الأكفأ والأفضل لصالح صاحب النفوذ، وهناك أمثلة كثيرة على مدى عقود لمتفوقين تم استبعادهم لصالح أصحاب النفوذ.
ربما تكون مواجهة هذه الظاهرة بحاجة إلى برامج وتطبيقات يتعامل معها المتقدم للمنصب أو الوظيفة، تستبعد العنصر البشرى، مع أهمية وضع قوانين تحظر الواسطة والتدخل وأن يكون الاختيار من خلال لجان تحدد الشروط ويتم العمل بشفافية وأن يتم إخبار المتقدم بأسباب القبول أو الرفض. ويكون من حق من يتم رفضه التظلم أمام القضاء والطعن على القرارات.
وخلال كلمته فى تخريج دفعة طب القوات المسلحة، أعلن الرئيس أن نظام الاختبارات سوف يتم نقله وتطبيقه فى الجامعات، وأيضًا فى الوظائف والتقدم لها، بحيث تكون هناك اختبارات على مواقع وشبكات الإنترنت، يدخل المتقدم ويجيب عليها، ثم ينتقل إلى المقابلات الشخصية، وهى خطوة ماتزال بالفعل بحاجة إلى ضوابط يمكن أن تحسم تكافؤ الفرص.
والواقع أنه فى كل قطاع من القطاعات هناك دائمًا إشارات إلى أن المواقع القيادية تصل لأصحابها بناءً على الثقة وليس على الكفاءة، أما التوريث للوظائف فقد أخذ مجالًا واسعًا طوال عقود، وبدا أقرب إلى أمر واقع يصعب تغييره. وإذا نجحت الدولة فى بناء نظام يتيح تكافؤ الفرص، ويعطى الأولوية للأكثر دراسة وتعليما وتفوقا وكفاءة، تكون البلد قطعت مسافة واسعة نحو التقدم.
ومن هنا فإن حديث الرئيس عن خطورة المجاملات والواسطة يكشف عن إدراك واضح لأهمية تقديم الموهبة والكفاءة على النفوذ فيما يتعلق بالمواقع والمناصب وربما يكون على المؤسسات التشريعية دور فى ترجمة هذا إلى قوانين تنهى عقودا من الترهل والواسطة، وتعيد الحق لأصحاب الكفاءة. لأن هؤلاء سوف يضمنون التقدم.