لم أكن أتصور أن الفتاة التى رأيتها أول مرة متدربة فى الجريدة، صامتة وتائهة أحيانا، سوف تستطيع أن تأخذ تلك المساحة الكبيرة فى قلوبنا، وأن تعيش بيننا كأنها كانت هنا من زمن معتادين وجودها، أن تشغل ذكرياتنا بتلك الحكايات والمواقف الطريفة والجميلة، وأن تتركنا الآن حائرين فى مرارة الأيام التى تأتينا بغرباء وتأخذهم منا غاليين ومقربين، والآن "مبتلين" بفراقها الكبير.
هكذا كانت "جهاد" صديقتى، التى رحلت منذ عامين، تلك الفتاة التى ما أن تراها للمرة الأولى حتى تعتقد أنك رأيتها من قبل وأن بينكما لقاءات وحكايات وأن اللقاء الآن ليس سوى حدث مكرر ومعتاد، كانت بسيطة وخجولة مع الغرباء، متكلمة وفضفاضة "ما يمر فى قلبها ينطق على لسانها" مع الأقربين، تلك الفتاة التى سعدت بها ولوجدها "الخفيف"، وتوقعت أن تكون زميلة وربما صديقة مريحة للقلب قريبة من العقل، لكننى الآن، أعترف، أننى لست هذا الشخص السعيد، لأن "جهاد" التى جاءت غريبة لا نعرفها خرجت غالية وعزيزة، وتركتنا غرباء عن أنفسنا.
مر عامان على رحيل جهاد، ولا تزال الذكرى ثقيلة على القلب مؤلمة للروح متعبة للعقل، تمر الأيام ولا تزال كل الذكريات عالقة تمر أمامى دافعة إلى عينى دمعا وإلى قلبى مزيد من الحزن.
الآن وكلما مر الوقت، أتذكرها، وأذكر تلك الأوقات التى جمعتنى مع جهاد وتوأم روحها، وأخوها الروحى (وليد)، هذا الشخص الذى لم تلده أمها ولم يكونا على معرفة من قبل، لكن أرواحهم تلاقت فى ملكوت الله، فكانا مثل شقيقين لم يفرق بينهما إلا ذلك المجهول المسمى "الموت".
أتذكر ضحكاتنا وحكايتنا، لحظات الفرح والآلام، أتذكر كيف كنا مجتمعين فى العمل وربما المصائر أيضا، الراتب والتعيين والمكافآت كلها متشابهة كأننا شخص واحد، كنا نتقاسم الكثير من الأشياء، نحمل لبعضنا الحب والود، ولازلت أحمل لهما فى قلبى كل الحب والشكر على وجودهما فى هذه الأيام.
الذكريات مؤلمة وكثيرة والأيام تمر بغير هدى، وخبر رحيل "جهاد" لا يزال صداه مفجعا، أعرف أن جهاد الآن بعيدة جدا، لكنها أبدا لم تنته من الذاكرة ولن تنتهى، فكلما زاد فراق الأيام، زادت ذكراها كشجرة كلما كبرت قويت أغصانها، وظلت هى كما عرفتها أيقونة مرحة فى قلوبنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة