رحلة طويلة ومحطات عمل عديدة قطعها الشاب "محمد حسين رضوان" حتى وقف أخيرًا فى شارع 306 بالدقى أمام "عربة أحلامه" التى يبيع عليها المكرونة بمختلف النكهات وتحقق له حلم حياته فى الاندماج مع البسطاء المعجونين بتراب الوطن.
يجذبك محمد (43 عامًا) بضحكته التى لا تفارق وجهه ولغته الراقية التى تعكس ثقافته وتخبرك أن وراءه قصة ما، لتكتشف حين تتحدث معه أن له عشرات القصص كان أبرزها العمل الذى تركه خلفه فى قطر والدخل الشهرى الضخم مقابل الاستقرار فى وطنه.
غربة محمد بدأت منذ ولادته ويحكى لـ"اليوم السابع" أنه ولد فى السعودية وعاش حياة مرفهة، استمرت حتى بعد أن عاد مع أهله لمسقط رأسه فى منطقة وأدرك بعد فترة من عودته مع أسرته كيف أثرت الغربة عليه، وكيف كان يراه أصدقائه.
وواجه تحديات عدة منذ قرر أن يندمج ويكون جزءا من الوطن فاندمج بجامعته وأكمل تعليمه الجامعى بكلية حقوق جامعة عين شمس عام 2000، وشارك فى الأنشطة المسرحية واشترك فى فرقة جلال الشرقاوى للتمثيل وعمل فى مسرح القطاع، وكأى شاب عمل فى كثير من المجالات حتى عام 2003، ولكن التحدى الأكبر جاء حين وجد نفسه بعد وفاة والده مسئولا عن أسرته، فعمل بمصنع مقابل 325 جنيه فى الشهر، ثم عمل بإحدى شركات الكبريت عام 2005، وتركها للعمل فى التسويق الخارجى والداخلى حتى عام 2007.
وبعد فتره قام محمد بفتح مشروع صغير له كان مطعما، تعرض فيه لبعض الخسائر المالية، وبعض المعوقات التى بدورها جعلته يغلق المشروع ويعود مرة أخرى لدوامة البحث عن عمل، حتى قامت ثورة يناير 2011، عمل خلالها كأخصائى علاقات زوجية واستشارات أسرية بعد حصوله على دبلومة فى الإرشاد الأسرى والتربوى وبدأ التحضير للماجيستير.
وبعد رحلة بحث عن عمل طويلة كان يحمل فيها 30 "CV" لنفسه طرق كل الأبواب للبحث عن وظيفة، تم تعيينه فى يناير 2012 بوزارة الأوقاف قطاع الشئون الإسلامية بقطر، كأخصائى تدريب ورئيس لشعبة التدريب الداخلى والخارجى براتب كبير جدا .
وذاع صيته هناك وكان يقدم جلسات يومية للاستشارات الزوجية والعلاقات الأسرية بقناة الجزيرة، وفى نهاية مايو 2018 قرر العودة إلى وطنه بعد إنهاء عمله بوزارة الأوقاف القطرية قرر العودة إلى مصر، متمسكا بالعمل فى بلده مهما كلفه الأمر من عناء ومشقة.
محمد تجاوز عمره الثلاث وأربعون عاما، وحين يتحدث عن الحياة تجد أمه وزجته هما محور الكون عنده، يعشق كل الأطفال المحيطين به، ويحمد ربه على نعمه عدم الإنجاب قائلا لقد منحنى الله كثير من النعم ولدى خمسون طفلا هم أبنائى، وأبناء أصدقائى والأسر التى أعرفهم واختيارى للاستشارات الأسرية لم يكن بهدف الثراء بقدر ما كان قناعة بأننى أكون سببا فى استمرار حياة أسرية.
محمد كان منذ صغره يعشق دخول المطبخ، يخترع خلطات وأكلات ليست فى قوائم الطعام التقليدية، لم يكن يعرف أن هذه هى نقطة النور بداخله وبداية انطلاقه، قناعته وتصالحه مع نفسه جعلاه لا يقف فى انتظار عمل يتلائم مع مؤهله ويقول "أنا بنى آدم مستور وعمرى ماهمد ايدى لحد، وكان لازم اشتغل بأيدى، وبعد أن جربت السفر مرارا من العراق لقطر قررت مش هسافر تانى وبلدى أولى بالعمل، أعيش وسط ناسنا الطيبين أجمل شعوب الأرض".
ويكمل الطبيب خلال لقاءه بـ"اليوم السابع"، أنه قرر أن يستغل قدرته على الطهى وعمل خلطات للأطعمة خاصة به، وأنه قرر أن يحضر خلطة سرية من الأعشاب والتوابل من عند العطار لتكون كلمة السر فى تسميته " كوز نودلز" وللقب كوز قال الدكتور محمد هو اسم اطلقه أصدقائى عليه لأنى دايما كنت بخسر معاهم فى لعبة الكوتشينة" كينج، وساب كينج، وكوز، وساب كوز".
الدكتور محمد وقف وقت التشغيل التجريبى لمشروع 306 بالدقى فخورا بنفسه ومتصالحا معها، وحين تسأله عن الفارق الاجتماعى بين أخصائى علاقات وشيف على عربية فى الشارع، يرد قائلا: " ايهما أحسن أن أكون دكتور يمد يده للناس، أم شيف يأكل من يده، اللقمه الحاف فى بلدى بأيدى، أطعم بكتير من غيرها فى بلد تانية، ومن كان يعرفنى لأنى طبيب يقطع علاقته بى ومن يعرفنى لانى إنسان ولى روحى وحياتى واعشق ثقافة العمل والعيش وسط البسطاء فى الشارع فأنا هنا موجود".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة