بعد الضجة الكبيرة التى أثارها فيلم الممر ، ونجاحه فى التأثير على قلوب وعقول المصريين، ووصوله بطريقة عبقرية للشباب والأطفال ليعلموا عظمة وتضحيات جيش مصر، أكد أن السينما والدراما سلاح خطير يجب استخدامه الاستخدام الأمثل، لمواجهة حروب الإرهاب والتطرف وحروب الجيل الرابع التى تغزو العالم حاليا.
إضافة إلى أن هذا النجاح الباهر للفيلم أحيا سؤالا لدى كل مصرى، وهو لماذا التفريط فى سلاح "القوة الناعمة" سواء فى الدراما أو الفنون أو السينما؟ وأركز هنا على دور السينما لأنها الجانب الأكثر سطوعًا فى العالم فهى تستطيع الهدم والبناء مثل ما تستطيع الجيوش وأجهزة المخابرات، وخاصة أننا فى عهد سابق كنا على القمة على المستوى الإقليمى لمدة تزيد على 6 عقود قبل وبعد ثورة 1952، حيث ساهمت آنذك على تغلغل مكونات الثقافة المصرية فى الثقافة الشعبية العربية، لتصبح اللغة العامية المصرية بمنزلة اللغة الشعبية عند العرب، الأمر الذى كان له عظيم الأثر والتأثير فى قوة السياسة الخارجية المصرية.
فمصر آنذاك ، نجحت فى أن تصدر صورتها وتأثيرها عبر أعمال محمد عبده وطه حسين وعباس العقاد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمود مختار وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وإسماعيل ياسين وعبد الوهاب وعمر الشريف ونجيب الريحانى وتوفيق الحكيم وغيرهم من رموز الثقافة والفن التى شكّلت وجدان الوطن العربى فى كلّ بقعة من بقاعه.
فمن منا، ينسى أفلام "الرصاصة لا تزال في جيبى" و"العمر لحظة" و"أبناء الصمت" و"الوفاء العظيم" و"إعدام ميت" و"حكايات الغريب" و"الطريق إلى إيلات"، و"أيام السادات"، وتأثيرها وانتشارها فى ربوع الوطن العربى.
لكن استمر منحنى تراجع القوى الناعمة تدريجياً مع نهج الجمود وخاصة بعد وتوسع دور الجماعات الدينية والمتأسلمة، في السيطرة على المجال العام الاجتماعى، وفى ظل تراجع حجم المبدعين بكافة المجالات، واللهث وراء حجم إيرادات الشباك، بالإضافة إلى ترك السينما للسينمائيين وحدهم.
وأصبحنا أمام سينما ودراما تجسد المصرى على أنه بلطجى أو نصاب أو متسول، أو قواد، ووجدنا أنفسنا أمام سؤال أخر، هل مصر هى العشوائيات، والكباريهات؟ وهل خلت مصر من العلماء والمبدعين فى مجالات العلم والثقافة والأدب، حتى نحصر نجوم المجتمع وقدوة الشباب فى الفنانين والراقصات ولاعبى كرة القدم؟، وهل يعقل فى دولة تعيش مرحلة تحول اقتصادى ضخم يخلف وراءه أعباء اقتصادية شديدة على أغلبية شعبها، أن تجد برامج وإعلانات تمول بالملايين وتخاطب أصحاب الملايين، وتستفز مشاعر الفقراء فى وقت يوجد مطالب بتحسين الأجور لفئات المعلمين والأطباء وفتح أبواب العمل أمام الشباب والخريجين!!.
ولهذا.. لابد أن تعود القوة الناعمة المصرية من جديد، وهذا لم ولن يتم إلا حين تعود للدولة المصرية قوتها وازدهارها في كافة مجالات العلوم والفنون والآداب، ولن يتحقق هذا إلا من خلال بناء الإنسان المصرى، الذى دائما يشير إليه الرئيس السيسى فى كافة خطاباته، وحتمية النهوض في كافة المجالات وخاصة التعليم، وضرورة فتح مساحة من الحرية في الأفق؛ لأنّ الإبداع لا يتخلق إلا فى وجود قدر من الحرية، إضافة إلى أنه يجب أن يكون المفكرون ورجال الدولة حاضرون في رسم الخريطة العامة لصناعة السينما من منظور الاقتصاد والسياحة، وإعادة قراءة واقعنا وتاريخنا الملىء بالإنجازات والمواقف لنقدم منها لهذا الجيل المعاصر صورًا مضيئة وقدوة حسنة تعود بالنفع على المجتمع بأثره.