يعيد إعلان حركة النهضة الإخوانية فى تونس، ترشيح راشد الغنوشى، لرئاسة الحكومة التونسية، إلى الأذهان، الأخطاء التى وقعت فيها جماعة الإخوان فى مصر عندما حاولت الاستئثار بالحكم والاستحواذ على السلطة رغم الرفض الشعبى لها، وهو ما يؤكد أن مصير النهضة الإخوانية فى تونس سيتشابه بشكل كبير مع مصير إخوان مصر من ثورة الشعب ضدهم.
فى هذا السياق قال أبو بكر الصغير المحلل السياسى التونسى، إن اليوم تبرز تونس أخرى غير تونس التى عرفناها من قبل، فمنذ القدم كان التنويريون هم من يتولون زمام الأمور فى تونس ولكن بعد انتخابات أكتوبر الماضى أصبح هناك تحول كبير فى منظومة الحكم.
وأضاف المحلل السياسى التونسى، فى تصريحات لـ"إكسترا نيوز"، أن الصراع التاريخى فى تونس هو عادة بين التنويريين والمحافظين، والآن المحافظون يؤكدون أنهم هم من يحكمون تونس الآن.
وأوضح أن التيار الإسلامى فى تونس أصبح هو من يتولى زمام السلطة التنفيذية كاملة فهم من سيتولون تشكيل هذه الحكومة، وهذا سيكون له انعكاسات كبيرة على كل المستويات خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات مع الدول.
وتابع أبو بكر الصغير:"النهضة تريد أن تعود لمبدأ الزكاة وهناك العديد من الأحزاب والمنظمات المجتمع المدنى التى ترفض سياسات حركة النهضة ".
فيما أكد الدكتور طه على، الباحث السياسى، أن حركة النهضة الإخوانية لا تخلو من عيوب حركة الإخوان الأم، والتى تغيب عن الواقع حينما يأخذها غرور القوة، تماما كما حدث معها فى مصر بعد نجاح مرشحهم محمد مرسى فى مصر، حيث سعت الجماعة للاستئثار بكافة مواقع السلطة فى مصر متجاهلة وجود طيف سياسى يختلف معها إلى درجة المعارضة.
وأضاف طه على، فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن اليوم فى تونس يتكرر نفس السيناريو، فالحركة التى يتراجع مؤشر شعبيتها بين التونسيين لا تزال تعيش فى وهم "المركز الأول" الذى لطالما تغنت به الجماعة أينما كانت، متابعا: فى مصر أخذتهم النشوة بعد استفادة من زخم الانتخابات عام 2012 فتناسوا أن فوز مرسى إنما كان نتيجة لواقع معقد شهدته الساحة السياسية فى مصر آنذاك فتصورا أن بإمكانهم المنافسة على كل، وتغافلوا كافة الأصوات المعارضة، واليوم تتجاهل الجماعة فى تونس التيار العريض بين التونسيين الرافض لهم، فقد تراجع عدد مقاعدهم فى البرلمان من 89 عام 2011، ثم 69 عام 2011 ليصل إلى أدنى مستوياته فى الانتخابات الأخيرة حيث هبطت نسبتهم فى البرلمان إلى 52 ما يعنى أن شعبية الجماعة تتراجع بشكل كبير".
ولفت الباحث السياسى، إلى أن الجماعة تعانى من مطاردة مجتمعية على خلفية تورطها فى العديد من القضايا الخطيرة والتى تؤثر بالضرورة على مستقبلها فى المجتمع التونسى بأكمله وليس سياسيا فقط، مثل قضية التنظيم السرى المتهم باغتيال عدد من الرموز السياسية التونسية مثل السياسى اليسارى شكرى بلعيد، ومحمد البراهمى، فضلا عن اتهام الجماعة بتسفير الشباب التونسى إلى مناطق الأزمات المحيطة بتونس مثل ليبيا وغيرها، ما دفع النخبة السياسية تطالب بفتح التحقيق فى كافة هذه الاتهامات وغيرها ومحاسبة الجماعة التى يراها التونسيون تمثل تهديدا على الهوية التونسية بل انها تسعى لاختطاف تونس فى إطار مخطط تطرف إقليمى تقوده تركيا سياسيا وتدعمه قطر ماليا.
وتابع الباحث السياسى: "كل ذلك يدفع الجماعة إلى ضمان السيطرة على مفاصل الدولة وكافة المواقع التنفيذية التى تمكنها من الهروب من إمكانية فتح ملفاتها والحفاظ عليها بعيدا عن المساءلة والمحاسبة لأنه فى حال تحقق ذلك، فإن الجماعة تواجه مصير بائس لا يختلف عما تعرضت له فى مصر عام 2013، بجانب ذلك، فإن دفع حركة النهضة براشد الغنوشى لتشكيل الوزارة يضمن لها السيطرة عليها فى ظل ما تعتقد أنه سيطرة على السلطة التشريعية وصولا إلى إحداث قدرا من الضغط على الرئيس المنتخب قيس سعيد لضمان احتوائه وعدم تمكنه من الخروج عن طوق الحركة وإلا تعرض المشهد السياسى التونسى إلى الارتباك كما حدث خلال الأيام الأخيرة فى عمر الرئيس قائد السبسى حينما اصطدم بالحركة التى نجحت فى استمالة تلميذه يوسف الشاهد ويتحقق غرضها فى شق صف حزب نداء تونس".
بدوره قال هشام النجار، الباحث الإسلامى، إن تكتيكات حركة النهضة الإخوانية فى تونس طوال الفترة الماضية تتلخص فى الذهاب بعيدًا والتصعيد فى الطموحات والتموضع فى المشهد الانتخابى والسياسى ثم التنازل فى اللحظة المناسبة بغية الحصول على مكاسب سياسية على طاولة التفاوض والمساومات والتنازلات.
وأضاف الباحث الإسلامى، لـ"اليوم السابع"، أن هذا المخطط الإخوانى فى تونس ظهر فى الترشح للانتخابات الرئاسية ثم تعيده الحركة مرة ثانية مع طرح اسم الغنوشى لرئاسة الحكومة بمعنى أنه ليس من الضرورى أن تكون حركة النهضة جدية فى تولى رئاسة الحكومة قدر ما هى ساعية لكسب ما وراء تنازلها لآخرين ومساعدة أحدهم فى نيل المنصب مقابل منح النهضة مكتسبات فى ملفات عديدة ملحة بالنسبة للحركة.
وأشار هشام النجار، إلى أن الحركة الإخوانية فى تونس فى مأزق كبير جدا فهى بالفعل محتاجة للتواجد فى مفاصل الدولة التونسية وعلى رأس ادارتها ومتقلدة المراكز الرئيسية لهدف حيوى هو ألا تصبح الحركة مكشوفة ومن السهل استهدافها فى ملفات أمنية معلقة مثل ملف تسفير مقاتلين إلى سوريا وملف الاغتيالات والجهاز السرى، وفى نفس الوقت هناك ارتباك داخل الحركة لعدم جاهزيتها وعدم امتلاكها للكوادر والخبرات التى تستطيع أن تسد وتتحمل مسؤولية هذه المناصب بما يهدد بتكرار تجربة فشل حكومة الترويكا بل وفشل تجربة الاخوان فى مصر، لذلك، فالنهضة فى حيرة كبيرة ومأزق حقيقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة