أكرم القصاص - علا الشافعي

"الترند" ليس بديلا للقانون فى المحاكمات.. المُشرع تصدى لمحاكم "السوشيال ميديا" فى المادة 187 من قانون العقوبات.. والحبس مدة لا تجاوز 6 أشهر أو الغرامة لكل من نشر أمورا من شأنها التأثير فى أعمال القضاة

الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019 09:41 م
"الترند" ليس بديلا للقانون فى المحاكمات.. المُشرع تصدى لمحاكم "السوشيال ميديا" فى المادة 187 من قانون العقوبات.. والحبس مدة لا تجاوز 6 أشهر أو الغرامة لكل من نشر أمورا من شأنها التأثير فى أعمال القضاة جرائم السوشيال ميديا
كتب علاء رضوان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي إحدى التقنيات المستحدثة في أيامنا هذه التى قربت المسافات بين الناس داخل وخارج البلاد، وجعلت التواصل بينهم سهلا وميسورا، وكأي اختراع حديث فإن تلك المواقع قد تكون نعمة أن استخدمت في الخير ونقمة متي استعملت في الشر.  

images
 

الحوادث تتعرض لمحاكمتين
 

ومن صور الشر ما ظهر مؤخرا وأطلق عليه "محاكمة السوشيال ميديا"، حيث يُنصب بعض الناس أنفسهم قضاة يتناولون وقائع قضايا من منظور ومصالح شخصية بحته تحكمه عوامل بعيدة جدا عن الاجراءات القضائية التي يستلزمها الدستور والقانون في المحاكمات القضائية لدرجة أصبح أمام الرأي العام محكمتان الأولى محكمة السوشيال ميديا ويتولاها أفراد لا اختصاص لهم في شئون القضاء.

images (1)
 

أما المحكمة الثانية قضائية يتولاها قضاة متخصصون في شئون القضاء يُعملون حكم القانون من حيث ضمانات المحاكمة العادلة واحترامه، وكذا حقوق الدفاع وقرينة البراءة بخلاف محاكم السوشيال ميديا التي تعتمد علي إثارة الرأي العام بعرض أدلة مبتورة أو مغلوطة أو وقائع لم تحدث لتوجيهه وجه معينة للضغط علي القضاة بحيث يحكم بما سبق وأن اعلنه الرأي العام في محاكمة السوشيال ميديا وقد يتأثر القاض بحسبانه بشرا أما خوفا من سخط الرأي العام أو اقتناعا برأيه.  

هل يصبح الترند بديلا للقانون فى محاكمة المتهمين؟

يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية يواجهها المجتمع المصري خلال هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" و"تويتر" وغيرها من الوسائل عقب ارتكاب أو حدوث وقائع أو حادث أو جريمة حيث يسيطر على الجميع فكرة "الترند"، ويأخذ الجميع مسار الحديث عن الجريمة، والجميع يكتب بحسب قناعاته الشخصية وتحليلاته المنطقية من وجهة نظره، وذلك بغرض كما يردد الكثيرين "يركب الترند"، والسؤال الذى يطرح نفسه هنا.. هل يصبح الترند بديلا للقانون فى محاكمة المتهمين؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر فاروق الأمير.

23c59faf55
 

في الواقع إن محاكم السوشيال ميديا من أخطر الأمور التى تواجهها المجتمعات، وذلك لأنه قد تمكن الجناة الأخرين الذين لم يقعوا بعد في قبضة العدالة إلى الفرار أو تعريض الشهود للخطر بسبب معرفتهم أو معرفة أقوالهم، لدرجة يمكن أن نقول معه أن محاكم السوشيال ميديا أصبحت كغذاء مسموم يسمم الأفكار ويتلاعب بها، مما يفرض علي القضاة أن يكونوا حذرين حتي لا يكونوا لعبة في يد أصحاب محاكم السوشيال ميديا فهذه المحاكمات لعنة من لعنات المدنية الحديثة.  

download
 

لعنة محاكم السوشيال ميديا
 

ولعل أهم ما يشغل بال رجال القانون في محاكمات السوشيال ميديا ثلاث مسائل، الأولي مدي التعارض بين نصوص الدستور التي تكفل حرية الرأي والأخرى التي تحظر التدخل في شئون القضايا وتكفل استقلال القضاء، والمسألة الثانية: مدى مشروعية المحاكمات القضائية التى تجرى فى أعقابها متى تأثر القضاة بها، والثالثة مدى تجريم سلوك من يجرى محاكمة السوشيال ميديا ويدعوا الجمهور إلى مشاركتها، وكذا مسئولية الجمهور ذاته – وفقا لمصادر قانونية.

فأما عن مسألة التعارض فيلاحظ أنه ينبغى فضه، إذ نصت المادة 65 من الدستور علي أن "حرية الفكر والرأى مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر"، في حين نصت 184 علي أن السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم" فهذين النصين يوجد تعارض ظاهري بينهما إذ الأول مطلق عام يكفل حرية الرأي في كافة المسائل ومن بينها القضايا عبر السوشيال ميديا أما الثاني خاص ويكفل استقلال القضاء وعدم التدخل في القضايا الذي قد يحدث من خلال السوشيال ميديا أو من غيرها.  

 

تعطيل حرية الرأى العام متى كان من شأنها المساس باستقلال القضاء
 

ولما كانت نصوص الدستور تخصص بعضها البعض عند شبهة التعارض وكان النص الخاص يقيد العام ويحد من إطلاقه، لذا يمكن القول أن نص المادة 184 يقيد ويخصص عموم نص المادة 65 بحيث تعطل حرية الرأى متى كان من شأنها المساس باستقلال القضاء والتدخل فى القضايا من خلال محاكم السوشيال ميديا، ولقد قضت المحكمة الدستورية العليا أن حرية الرأى والتعبير ولئن كانت ضرورية إلا أنها ليست مطلقة إذ ينبغى أن تمارس في إطارها الدستوري وإلا أضحت فوضى لا عاصم من جموحها تعصب بشططها ثوابت المجتمع، وذلك طبقا لحكم المحكمة الدستورية العليا في ٢٠٠١/٥/٥ القضية رقم 25 لسنة 22 ق.  

تجربة الولايات المتحدة مع محاكمات السوشيال ميديا
 

وأما عن مشروعية المحاكمات القضائية التى تجرى فى أعقاب محاكم السوشيال ميديا فإن القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية ذهب في أكثر من مناسبة إلي بطلان المحاكمة القضائية أن تأثر القضاة بضغط الرأي العام وظهر ذلك جليا في حكمهم بسند المساس بالحق في المحاكمة المنصفة وهى ذات النتيجة التي وصلت إليها محكمة النقض المصرية ولكن من خلال أن القاض الذي يكون لدية معلومات سابقة عن القضية يحظر عليه الفصل فيها، وفقا لمصادر قانونية.

وقالت في ذلك بأنه لما كانت المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية قد حددت الأحوال التي يمتنع فيها على القاضي الحكم في الدعوى لما بينها وبين وظيفة القضاء من تعارض ومن هذه الأحوال، أن يكون لديه معلومات شخصية عن موضوعها لم يستقها من الجلسة وما طرح فيها من أدلة - فيتعين على القاضي في هذه الأحوال أن يمتنع من تلقاء نفسه عن الحكم في الدعوى ولو لم يطلب أحد الخصوم رده وإلا وقع قضاؤه باطلاً متصلاً بالنظام العام بصدوره من قاضى محظور عليه الفصل فيها - ومناط عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى هو خلو ذهنه عن موضوعها وأدلتها حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم ويقدر أدلتها في حيدة وتجرد، مخافة أن يلتزم برأيه ومعلوماته الشخصية ويتأثر بهما في وزن وتقدير تلك الحجج والأدلة التي تشف عنها معلوماته الشخصية ضناً بأحكام القضاء من أن يعلق بها ثمة ريبة من جهة شخص القاضي لدواع يذعن لها أغلب الخلق، وأن عمل القاضي أو قضاءه في تلك الحالة يقع باطلاً وتقضى المحكمة بهذا البطلان من تلقاء نفسها .

الحماية الجنائية للتأثير على القضاة بالنشر والعلانية
 

وأما عن الحماية الجنائية فلقد جعل المشرع التأثير علي القضاة من خلال النشر والعلانية جريمة ولكن جاءت العقوبة ضعيفة وزهيدة، إذ نصت المادة 187 من قانون العقوبات علي يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أموراً من شأنها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أية جهة من جهات القضاء في البلاد أو في رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق أو أموراً من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده.

عقوبات التأثير على القضاة بالنشر
 

كما حاول المشرع الحيلولة دون التجاوز في علانية الاجراءات القضائية، إذ نصت المادة 189 من قانون العقوبات علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها ما جرى في الدعاوى المدنية أو الجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية، ولا عقاب على مجرد نشر موضوع الشكوى أو على مجرد نشر الحكم، ومع ذلك ففي الدعاوى التي لا يجوز فيها إقامة الدليل على الأمور المدعى بها يعاقب على إعلان الشكوى أو على نشر الحكم بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة ما لم يكن نشر الحكم أو الشكوى قد حصل بناءً على طلب الشاكي أو بإذنه.

كما جرم المشرع في المادة 191 كل من ينشر بعلانية ما جرى في المداولات السرية بالمحاكم أو نشر بغير أمانة وبسوء قصد ما جرى في الجلسات العلنية بالمحاكم، كما خول المشرع للمحكمة أن تصدر أمر بعدم نشر المرافعات القضائية أن رأت ذلك ضروريا نظر لنوع وقائع الدعوي أو للمحافظة علي النظام العام والآداب ورصد جزاء جنائي لمن ينتهك حظر عدم النشر، إذ نصت المادة 190 من قانون العقوبات علي أن يجوز للمحاكم نظراً لنوع وقائع الدعوى أن تحظر في سبيل المحافظة على النظام العام أو الآداب نشر المرافعات القضائية أو الأحكام كلها أو بعضها بإحدى الطرق المبينة في المادة 171 ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة