تواجه الحكومات الإسبانية المتعاقبة أزمة مع إقليم كتالونيا، الذى يطالب بالانفصال عن المملكة الإسبانية منذ قرون طويلة، حيث يشهد الإقليم احتجاجات عنيفة على مدى خمسة أيام أعقبت الحكم بسجن قياديين انفصاليين فى الإقليم.
لكن أزمة كتالونيا ليست بجديدة على الأحداث العالمية، فالمقاطعة الكتالونية التى حصلت على الحكم الذاتى بشكل رسمى من الحكومة الإسبانية فى أعقاب الحرب الأهلية الإسبانية، لكن على الرغم من ذلك لم تكن أوضاعها مستقرة طوال الوقت.
ويقع الإقليم فى أقصى شمال الشرقى لإسبانيا وتفصله جبال البرانس عن منطقة جنوب فرنسا الذى يرتبط بها الإقليم بعلاقات وثيقة، وبسبب تضاريسه التى تفصله عن إسبانيا، يعتقد معظم سكان الإقليم منذ القدم بإن المقاطعة مستقلة عن إسبانيا، ولها هويتها المستقلة.
وبحسب عدد من التقارير فإن حمى الانفصال فى كتالونيا تعود قبل أكثر من 1000 عام من الآن، ففى عام 718 الميلادى فتح مسلمو الأندلس كتالونيا، وبقيت فى أيديهم بكاملها حتى عام 760 عندما بدأ الفرنجة القادمون من الأراضى الفرنسية فى انتزاعها منهم شيئا فشيئا إلى أن استولوا عليها بالكامل عام 801، وكون الفرنجة إقطاعيات فى إقليم كتالونيا من مواطنيه الأصليين تتمتع بحكم ذاتى وسلحوها جيدا لتكون تلك الإقطاعيات بمثابة حاجز دفاعى تنكسر عليه محاولات الغزو الإسلامية الأندلسية.
وكان حكام كتالونيا خاضعين لملوك الفرنجة إلى أن تمرد عليهم كونت برشلونة ويلفريد الملقب بـ"المشعر" (كثيف الشعر)، واستقل بإقطاعيته فى عام 978 وتلاه من سلالته فى الحكم ابنه سونيير ثم حفيده بوريل الثانى وآخرون من نسل الأسرة.
وفى عام 1137 عرض ملك "أراغون" راميرو الثانى على كونت برشلونة رامون بيرينغير الرابع أن يزوجه ابنته بترونيلا التى ستصبح ملكة أراغون فوافق الحاكم الكتالونى على العرض وخضع بذلك لتاج أراغون الذى تكفل بعد هذا الزواج بحمايته من محاولات غزو الفرنجة، وأصبحت كتالونيا منذ ذلك الحين محل نزاع متواصل بين تاج أراغون والتاج الفرنسي، وفى عام 1479 كان زواج الملوك الكاثوليك إيزابيل ملكة قشتالة وفرديناند ملك أراغون النواة الأولى لتكوين مملكة إسبانيا، وأصبحت كتالونيا بذلك جزءا من المملكة الإسبانية.
وثار الكتالونيون بمساعدة من الفرنسيين على التاج الإسبانى فى الفترة من 1640 إلى 1652 بدعوى تعديه على حقوق كتالونيا التقليدية فى الحكم الذاتى خلال حرب الثلاثين عاما، بيد أن العرش الإسبانى استعاد الأراضى الكتالونية ما عدا مقاطعة رسيون التى احتفظت بها فرنسا، واعترف التاج الإسبانى بعد ذلك بحقوق الحكم الذاتى الكتالونية.
وأدى سقوط برشلونة يوم 11 سبتمبر عام 1714 فى يد فيليبى الخامس إلى القضاء على آمال أسرة هابسبورج فى اعتلاء عرش إسبانيا، خاصة بعد التوقيع على معاهدة أوتريخت، وأصبح فيليبى الخامس ملكا لإسبانيا، ولكنه كان يشعر بأن سلطات كتالونيا قد خانته، بعد أن أقسمت له على الولاء عام 1701 ثم تحالفت لاحقا مع غريمه كارلوس، فأعلن خضوع تاج أراغون وكل مقاطعاته بما فيها كتالونيا إلى تاج قشتالة عام 1716 وألغى كل المؤسسات وحقوق الحكم الذاتى الكتالونية.
وفى النصف الأخير من القرن ال19 تحولت كتالونيا إلى مركز صناعى وأصبحت منذ ذلك الحين وباستمرار أهم المراكز الصناعية فى إسبانيا وأكثرها تقدما، وبعد إعلان قيام الجمهورية الثانية فى إسبانيا (1931-1939) استعادت كتالونيا مؤسسات الحكم الذاتى فى عام 1932 وأصبحت اللغة الكتالونية لغة رسمية إلى جانب اللغة الإسبانية.
لكن قوات الجنرال فرانكو، قامت بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية بدخول "برشلونة" عام 1939، ونتيجة لذلك ألغيت المؤسسات الكتالونية وتم حظر استخدام اللغة الكتالونية فى المعاملات الرسمية حتى عام 1975، وهى السنة التى توفى فيها الجنرال فرانكو الذى حكم إسبانيا بيد من حديد عبر نظام دكتاتوري، وتسبب ذلك فى ظهور حركة إيتا الانفصالية فى الإقليم على يد مجموعة من الطلاب المتطرفين المنشقين عن جماعة أكين، المنشقة بدورها عن الحزب القومي الباسكي، التى تتخذ من القوة وسيلة للمطالبة بالانفصال.
وفى عام 1978 جرى استفتاء شعبى لإعادة الحياة الديمقراطية إلى إسبانيا صوت خلاله 90% من مواطنى كتالونيا لصالح الدستور الإسبانى الجديد الذى ينص على "وحدة الأمة الإسبانية التى لا تنفصم"، و"يضمن ويعترف بحق الحكم الذاتى للقوميات والأقاليم التى تتكون منها إسبانيا" ومن بينها كتالونيا.
ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم ينته حلم الانفصال، وشهد الإقليم سلسلة طويلة من الاستفتاءات والاحتجاجات المطالبة بالاستقلال، فى ظل رفض تام وعنيف من جانب الحكومة الإسبانية التى ترى أن الإقليم جزء لا يتجزأ عن الوطن الإسبانى، وأى محاولات للانفصال هى أمور خارجة عن القانون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة