بالطبع.. هناك تشابهات واختلافات بين الاحتجاجات فى مناطق مختلفة من العالم شرقا وغربا، وكلها تحمل عناوين التوتر وتشير إلى احتمالات التحول السياسى، بأشكال مختلفة، من آسيا الى أوروبا، مرورا بالشرق الأوسط، إلى أمريكا اللاتينية، كلها تشير إلى تحولات كبرى فى أشكال الممارسة السياسية، بشكل يختلف عما كانت عليه السياسة والأيديولوجيات بعد الحرب العالمية الثانية.
وهناك تشابه بين أسباب الاحتجاج فى لبنان العربية، وسنتياجو فى شيلى، السبب اقتصادى، بدأت احتجاجات اللبنانيين بسبب الإعلان عن فرض ضريبة على «واتساب» واستخدامات الإنترنت، لكن اللبنانيين خرجوا ليرفعوا شعارات أساسها اقتصادى يطالب بالمساواة والعدالة ومكافحة الفساد، لكن بقيت تظاهرات اللبنانيين سلمية لم تشهد عمليات عنف أو حرق.
مظاهرات لبنان تطورت لترفع مطالب سياسية، وتدعو لإنهاء التقسيم الطائفى والمذهبى، وبدت تطورا لحركات احتجاجية نظمت تظاهرات خلال السنوات الأخيرة، فى أغسطس 2015، دفع التراكم غير المسبوق للنفايات فى الشوارع اللبنانيين لاحتجاجات غاضبة واسعة النطاق متهمين الحكومة بالفشل، وبالمسؤولية عن تردى الأوضاع جراء الفساد، وبعد عامين فى مارس 2017، خرجت مظاهرات فى أكثر من منطقة جراء خطط حكومية بإقرار زيادة ضريبية لتمويل رواتب العاملين بالقطاع العام، وفى نفس العام نفذ الموظفون والمعلمون إضرابا للمطالبة بإقرار النظام الجديد للرتب والرواتب، وأقرها البرلمان فى وقت لاحق، حتى جاءت مظاهرات أكتوبر التى كانت الأضخم وشملت بيروت ومدنا أخرى بدأت برفض زيادة الضرائب على الاتصالات بوسائل التواصل الاجتماعى، قبل أن تصبح موجة غضب شعبى تنديدا بالطبقة السياسية كلها والمطالبة برحيل رموزها، وانتهت برد فعل حكومى وإعلان خطة إصلاح أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريرى، معترفا بمطالب المحتجين، الذين رفعوا شعارات وطنية واختفت أى شعارات حزبية أو طائفية.
وبينما احتفظ اللبنانيون بسلمية مظاهراتهم، فقد اندلعت مظاهرات عنيفة فى سانتياجو عاصمة شيلى اللاتينية، تطورت إلى عمليات حرق وتخريب واسعة، بعد إعلان الحكومة رفع أسعار تذاكر المترو والنقل العام، وأقدم بعض المتظاهرين على حرق عشرات من محطات مترو الأنفاق والمؤسسات العامة، الأمر الذى دفع السلطات التشيلية إلى فرض العمل بحالة الطوارئ وتوسيع نطاقها لتشمل مدنا عدة فى البلاد.
وفى فرنسا تظاهر أصحاب السترات الصفراء فى فرنسا والتى بدأت فى مايو 2018، للتنديد بارتفاع أسعار الوقود، ودعت الحركة منذُ البِداية إلى تخفيض قيمةِ الضرائب على الوقود، ورفع الحد الأدنى للأجور، ثم تطوّرت الأمور فيما بعد لتصل إلى حدّ المناداة باستقالة رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، وشهدت المظاهرات أعمال عنف، ورد الأمن باعتقالات ولاتزال تتكرر المظاهرات كل فترة، وتقريبا تتشابه مع متظاهرين بريطانيين اعتراضا على الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى مقابل مظاهرات مع الخروج.
هناك بعض العناصر المشتركة لدى المحتجين فى فرنسا وبريطانيا، إلى لبنان وشيلى، الأسباب الاقتصادية والضرائب تبدو العنوان البارز للاحتجاجات، وتختلف لدى كل دولة، ففى حين شهدت احتجاجات شيلى عنفا كبيرا، ظل اللبنانيون يحتفظون بسلمية مظاهراتهم، وطوروا الطرح ليتجاوزوا الاقتصاد والأسعار والضرائب إلى الفساد والطائفية.
لكن المشترك هو أن ما يجرى فى جزء منه استمرار لسنوات التحول الأخيرة، لكنه يتجاوز الشكل التقليدى للسياسة، والأحزاب القديمة التى تفقد تأثيرها.
وبعد أن كانت التيارات الليبرالية والمحافظة التقليدية فى أوروبا تتحدث عن «نهاية الأيديولوجيا» قاصدين الاشتراكية، فإن هذه التيارات نفسها تفقد أرضيتها، أمام تيارات بعضها يحمل خليطا من أفكار اشتراكية وليبرالية وأحيانا فوضوية، تمثل تمردا على الأشكال الحزبية والأيديولوجية التقليدية، لتلد أنواعا جديدا يحمل بعضها من علامات التيارات التقليدية، لكن الجديد لم يولد بعد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة