- خوارج وقتلة ويحاربون الأزهر ..فى أياديهم دماء وانحرفوا عن المسار.. وأجازوا لأنفسهم الفتوى ولا يتجاوز الإسلام حناجرهم
بدأ مدرس الخط العربى رحلته لتأسيس جماعة الإخوان من الإسماعيلية، التى كان يعمل ويقيم فيها، مؤسسا دعائم التنظيم على باقة من الحرفيين والأميين الذين انخدعوا بخطابه دون جهد أو عناء، قبل أن يمدّ عينيه بعيدا محاولا استقطاب حزمة من أهل الدين، ودارسى العلوم الشرعية.
نجح «البنا» فى التواصل مع أزهريين شباب، انخرطوا فى الجماعة فترات متفاوتة قبل أن يغادروا تباعا، بعدما تكشّفت لهم مساوئ التنظيم وانحرافاته، وإلى جانب تلك المجموعة كانت هناك أسماء لامعة داخل الأزهر الشريف، وفى حقل الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية، أخذوا مواقف واضحة من «الإخوان»، بعدما خالطوا التنظيم أو اقتربوا من دوائره أو أخضعوا أفكاره وأدبياته للدراسة والفحص.
تاريخ الإخوان المشبوه تُسجله كتابات عديدة من داخل الإخوان، أبرزها تحمل توقيعات أحمد السكرى ومحمود عبد الحليم وأحمد رائف وأحمد عادل كمال، لكن إلى جانب هذا المسار الواضح والفاضح للتنظيم بأقلام أعضائه، تأتى سلسلة من الشهادات والرؤى والردود والأطروحات التى فنّدت خطابات الإخوان وفضحت انحرافاتهم، مُستمدة مشروعية مادية ومعنوية من انتسابها إلى باقة لامعة من شيوخ الأزهر وأعلامه، بعضهم كان عضوا وقياديا فى الإخوان مثل الشعراوى ومحمد الغزالى وأحمد حسن الباقورى، وبعضهم خالط الجماعة واقترب منها مثل أحمد محمد شاكر وخالد محمد خالد، وآخرون من الوجوه المحايدة غير المحسوبة على الجماعة أو ضدها، مثل مصطفى المراغى ونصر فريد واصل وجاد الحق على جاد الحق.
الاخوان يحملون السلاح على كوبرى 15 مايو
تستمد شهادات الرموز اللامعة داخل قلعة الوسطية والمرجعية الأولى للإسلام السنى فى العالم أهميتها من عدة أمور، أولها تاريخ الأزهر الذى يتجاوز ألف سنة كان قيّما فيها على خطاب إسلامى متزن ومتماسك، وحياد رموز المؤسسة وخبراتهم العريضة فى العلوم الإسلامية، وتقارب بعضهم مع الجماعة ومخالطتها عن قرب، والأهم نسف ما اعتمده «الإخوان» لسنوات طويلة من محاولات استجلاب المشروعية والنزاهة عبر الاستشهاد بعبارات مجتزأة من سياقها العام، لتبدو وكأنها امتداحا من الأزهر للتنظيم، لذا فإن الدخول إلى تلك المساحة، واستدعاء شهادات الأزاهرة الكرام كما وردت فى مصادرها، تُمثل فضحا جديدا للجماعة وانحرافاتها، التى بدأت بتجارة الدين، ثم العنف والإرهاب، وصولا إلى احتراف الكذب وتغييب الحقائق.
الصادم فى تلك الشهادات أنها تنطوى على مواقف ومشاهدات حقيقية، وعلى آراء بالغة الوضوح والحدة، ليس أكثرها صدمة تعداد انحرافات التنظيم وما تورط فيه من أكاذيب وجرائم قتل ومغالطات فكرية وفقهية، لكن ما تصل إليه من توصيفات قاطعة للجماعة، واعتبارها «خوارج العصر»، تلوثوا بالدماء، وخرجوا على الله ورسوله.
مصطفى المراغى: يحاربون الأزهر.. وأطالب بحل الجماعة
مصطفى المراغى
لم يكن مصطفى المراغى محسوبا على تيار سياسى، أو منحازا إلى جبهة أو فكرة، وإنما عُرف باعتباره أزهريا متجردا، وواحدا من أصحاب الرؤى التنويرية المؤسسة على أرضية وسطية، كما أنه فى طليعة مُجددى عصره.
يمكن القول إن «المراغى» أبرز شيوخ الأزهر المجددين فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى، وعلى تلك الأرضية جاءت مواقفه تجاه جماعة الإخوان بكل ممارساتها المنحرفة، فقد كان أول شيخ للأزهر يطالب بحل الجماعة خلال أربعينيات القرن الماضى، بعدما انكشف منهجها الحقيقى فى العنف والإرهاب.
موقف الإمام المراغى كان متجردًا من أى اعتبار، فرغم علاقته الإنسانية السابقة بمؤسس الجماعة حسن البنا، ولقاءاتهما المتكررة التى كان «البنا» يعرض فيها وجهة نظر جماعته بشأن إصلاح التعليم الدينى، ويستضىء برؤى الإمام وأفكاره، أبى «المراغى» أن يصمت على الحق أو يتهاون فى اتخاذ موقف من انحراف الجماعة.
فى البداية اعتقد الشيخ محمد مصطفى المراغى، أن الجماعة هدفها نشر الدين الإسلامى، كما ادعى حسن البنا وأتباعه، لكن سرعان ما انكشفت الحقيقة أمامه، وتأكد أنها تسعى لأن تكون جماعة بديلة عن الإسلام، وترى أن من ليس داخلها فهو خارج على الدين، ومنذ تلك اللحظة بدأت مواقفه تجاه التنظيم تتبدل وتتغير بشكل كامل.
يعرف الشيخ المراغى بأنه أول أزهرى طالب بحل التنظيم علنا، عندما طالب رئيس الوزراء حينها أحمد ماهر بضرورة حل الإخوان، وذلك بعد شهور فقط من تأسيسها ما أسمته «قسم الفتوى»، حتى يكون مرجعية الجماعة فى الفتوى ونافذة بديلة عن الأزهر والمؤسسات الدينية، والمفارقة أن «ماهر» نفسه قُتل لاحقًا على أيدى الإخوان.
رأى «المراغى» أن جماعة الإخوان تريد خلق مرجعية موازية للأزهر، دون أن تكون مؤهلة للأمر من بعيد أو قريب، وقد صار للجماعة قلم إفتاء خاص، وعلى أثر ذلك كان الاقتراح الذى تقدم به فى العام 1945 إلى رئيس الوزراء حينها، يطالبه بحل الإخوان والجماعات المماثلة، لأنها أباحت لنفسها حق إصدار الفتوى ونشرها على الناس، لكنه توفى فى العام نفسه قبل أن يُحقّق طلبه.
وأبرزت مجلة الإخوان مطالبة شيخ الأزهر الإمام المراغى بحل الجماعة، فكتبت تحت عنوان «أربع محاولات لحل جماعة الإخوان، والمرة الثالثة كانت فى وزارة أحمد ماهر باشا، وكانت هذه المرة على طلب الشيخ المراغى، الذى طالب بحل جميع الهيئات الدينية، وبينها جماعة الإخوان، لأن هذه الهيئات أباحت لنفسها استصدار الفتوى ونشرها على الناس، كل بما يتفق وأغراضها».
«الباقورى» :أشهروا السلاح وانحرفوا إلى قتال الناس
الباقورى
تختلف تلك الشهادة عن أغلب الشهادات الأخرى، ليس فقط لأنها تخص عالما معتبرا ومسؤولا لامعا داخل المؤسسة الدينية، ولكن لأنها تأتى من قيادة إخوانية، ظلت داخل التنظيم إلى وقت متأخر، وعاصرت التحولات والانحرافات المتتابعة قرابة ربع القرن.
كان الشيخ أحمد حسن الباقورى وزيرا للأوقاف بعد ثورة 23 يوليو 1952، وهو أول قيادى إخوانى بارز يُعلن انشقاقه عن الجماعة فى عهد ثورة يوليو، بعدما حاول التنظيم اختطاف الثورة والدولة، وهدد الجميع بإشعال البلاد إذا لم يتحقق له ما يُريد، فاضطر الباقورى أمام هذا الانحراف، وفى ضوء القمع الذى تعرض له من مرشد الإخوان وقتها، حسن الهضيبى، إلى الاستقالة ورفض دعوة الإخوان بعدما تأكد انحرافها ووصل إلى مدى لا يمكن احتماله.
سجل «الباقورى» شهادة تاريخية بشأن الإخوان الذين ظل ممثلا لهم حتى قبول وزارة الأوقاف التى رشحته لها الجماعة بنفسها قبل أن تختلف مع الضباط الأحرار. ويقول الشيخ الجليل: «ليس يسع الذين قرأوا تاريخ أمتنا إلا أن يمقتوا العنف، فضلا عن القتل، مهما تكن الدواعى إليه والمسوغات له فى نظر الخادعين أو المخدوعين، وفى تاريخنا الحديث رأينا العنف يأخذ الطريق على خطط الإصلاح التى أراد لها زعماء الأمة أن تقود وأن تسود، والاستعانة بالعنف الدامى على تأييد خطوات الإصلاح والتمكين للمصلحين لم يثمر إلا أسوأ النتائج».
ويتابع الباقورى: «مجاهدة الغاضبين المستعمرين عمل تزكية الفطرة وتحرص عليه الشريعة، كما أخبرنى الأستاذ المرشد حسن البنا، بيد أن هناك وقفة، وهى أن الانحراف عن هذه الغاية المشروعة فى قتال الغاصب المحتل، إلى غاية أخرى تتحرى مقاتلة المواطنين، أمر كرهه للمسلم رسول الله بقوله الشريف الذى نهى فيه عن قتال المصلين، فإذا أقدم المسلم على قتل أخيه الذى انقاد لشرائع الإسلام، فإن ذلك بلا ريب خطأ فى الاجتهاد، ضرره أكبر من نفعه، وشرّه أكثر من خيره، فإذا جاهد الرجل مُغتصبا لبلده، أو مُعتديًا على مقدساته، فإن ذلك أمر تُزكّيه الفطرة ويرضاه الدين، فأما إذا خيل له أن مجاهدة مواطنيه أو ولى الأمر فى بلده، فشهر سلاحه فى وجهه، فإن ذلك صدع فى المروءة ووهن فى الدين، ويتمثل هذا الفرق بين هاتين الصورتين من صور الجهاد، قتال الغاصب المحتل، وقتال المواطن الأعزل، فقتل رجل يؤدى عملا لبلده مثل القاضى الخازندار هو بلا ريب عمل يأباه المصلحون الذى يحرصون على التقيد بالتزام حدود الله».
ويستطرد الشيخ الباقورى: «بعد مقتل البنا، جاء فى ذات يوم بعض الإخوة فى حلوان وأبلغونى رغبة الجماعة فى الثأر، وأنه لا يكافئ البنا إلا الملك فاروق نفسه، ثم طلبوا منى أن أستعين على تكوين الرأى بثلاثة أشخاص، الهضيبى والحاج أمين الحسينى مفتى فلسطين، وقد رفضا الاقتراح، ومحب الدين الخطيب الذى ما كاد يسمع كلمة الأثر حتى تغيّر وجهه وتعثّرت الكلمات فى لسانه، ثم قال: إن تعليم الشعب أمور دينه وتربيته على آداب الإسلام، تجعل الحكم يسعى إليك سعى المريض إلى الطبيب، يطلب عنده الشفاء، أو سعى المُعدَم إلى الغنىّ يستعينه على تحصيل الغذاء والكساء، فلما لم يقنع المرشد برأى، ترك جماعة الإخوان مكتفيا بإصدار مجلة الزهراء وصحيفة الفتح، التى كانت تعنى بأنباء الغارة على العالم الإسلامى، وبذلك يكون محب الخطيب أول خارج على نظام الجماعة فى عهد البنا، وقد جاءنى الثلاثة فأخبرتهم بما قال الثلاثة، لكنهم لم يقتنعوا، فأخذوا يُدبّرون أمرًا يُفضى إلى اغتيال حامد جودة رئيس مجلس النواب، وإبراهيم عبد الهادى رئيس مجلس الوزراء، ولم ينجحوا فيما أرادوا، وكان ذلك فى شهر مايو1949.
أحمد محمد شاكر: مجرمون وقتلة يستحلون الدماء ولهم الخزى
احمد محمد شاكر
حاول الإخوان استقطاب العلامة أحمد محمد شاكر، واجتذبوه لإلقاء دروس ومحاضرات لأعضاء الجماعة، لكنه انفصل عنهم سريعًا بعدما لاحظ الغلوّ والتشدد والانغلاق فى أفكارهم، ورغبتهم فى تطويع الدين لرؤية التنظيم، بدلًا من توظيف التنظيم فى خدمة الدين كما يزعمون.
المؤكد أن «شاكر» أحد الوجوه البارزة فى العلوم الإسلامية، وغير محسوب على تيار أو توجه سوى الخطاب الدينى والفكرى الصافى، لذا لا يستطيع أحد داخل الإخوان أو خارجها، التشكيك فى مكانة العلامة الراحل وقيمته العلمية والفكرية، أو المساس بما سجله من مآخذ وملاحظات على الجماعة الإرهابية وانحرافاتها.
كان أحمد محمد شاكر أحد أبرز علماء الأزهر الشريف، وأهم متخصصى عصره فى علم الحديث، وقد تدرج فى المناصب داخل المؤسسة حتى صار وكيلا للأزهر الشريف. وكان من أوضح ما قاله فى نقد الإخوان، إن الجماعة تمثل «خوارج العصر»، وأنه «لعل الله يهدى بعض هؤلاء الخوارج المجرمين، فيرجعون إلى دينهم قبل أن لا يكون سبيل إلى الرجوع، وإنما الإثم والخزى على هؤلاء الخوارج القتلة مُستحلّى الدماء، وعلى من يدافع عنهم ويريد أن تتردى بلادنا عن الهوة».
وفى مقال له بعنوان «الإيمان قيد الفتك عند الإخوان»، فضح أحمد محمد شاكر منهج الإخوان، قائلًا: «رُوّع العالم الإسلامى والعربى، بل وكثير من الأقطار غيرها، باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة، النقراشى الشهيد غفر الله له». ويستكمل حديثه عن جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، التى نفذتها جماعة الإخوان الإرهابية: «القاتل السياسى يقتل مطمئن النفس، راضى القلب، يعتقد أنه يفعل خيرًا، فإنه يعتقد بما بُثّ فيه مغالطات أنه يفعل عملًا حلالًا جائزًا، وأنه يقوم بواجب إسلامى قصّر فيه غيره، فهذا مُرتد خارج عن الإسلام، ويجب أن يُعامل معاملة المرتدين، وأن تُطبق عليه أحكامهم فى الشرائع، وفى القانون هم الخوارج، كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله، ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر، وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج، بل خيرًا منه، وقد وصفهم رسول الله بالوحى قبل أن يراهم: «يُحقّر أحدكم، صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ويمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية»، معتبرًا أن الإخوان يصدق فيهم ما صدق فى المنافقين والخوارج قديمًا، وهو أحد أشد الآراء قسوة فى الجماعة، إذ يُلحقهم إلى جوار من قتلوا على بن أبى طالب والحسين وطابورًا طويلًا من الصحابة وآل بيت النبى.
جاد الحق على جاد الحق
جاد الحق: معتقدات منحرفة وفتنة راح ضحيتها الأبرياء
جاد الحق على جاد الحق
ربما لا يحظى إمام أزهرى فى العقود الأخيرة بما اقتنصه شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق على جاد الحق من قبول شعبى وإجماع واسع، من العلماء والفقهاء وعوام الناس، حتى أصبح تجسيدا لدى البعض لاستقلال المنصب الدينى، ونزاهة الرأى والحجة.
كان «جاد الحق» جادا فى رؤاه ومواقفه، واضحا كالشمس وحادا كالسيف، هكذا تعامل مع زملائه فى العلم وداخل أروقة الأزهر، ومع الدولة ومؤسساتها، وهكذا أيضا سجل شهادته على جماعة الإخوان الإرهابية وانحرافاتها، التى رأى أنها وصلت إلى مستوى التخريب والفـتنة.
موقف الإمام الأكبر الدكتور جاد الحق على جاد الحق من الإخوان أعلنه بوضوح فى كتاب «بيان للناس من الأزهر الشريف»، قال فيه: «ظهرت فى العشرينيات من مارس 1928 حركة تنادى بوجوب الاستغناء عن القوانين الوضعية، والعودة إلى القوانين الإسلامية، بحكم أننا دولة إسلامية، وأن تاريخنا الطويل منذ عهد الفراعنة ورسالة إدريس عليه السلام يقوم على الدين، وأن حضارتنا فى جميع عصورها مصبوغة بصبغة دينية، إلى جانب أننا كبشر لا يصح أن نستغنى عن هداية الله بهداية غير الله، تمسكا بالمادة الأولى فى دستور الحياة البشرية يوم أن أهبط الله آدم إلى الأرض».
وأضاف فى كتابه: «كانت هذه الحركة قائمة على الدعوة، وتهيئة الأذهان لقبول هذه الفكرة، وتهيئة المجتمع ليكون مجتمعا إسلاميا، ينتهى إلى أن تكون مصر بحكمها وشعبها بلدا إسلاميا بالمعنى الصحيح. وحين اهتمت هذه الجماعة بإصلاح القاعدة ولم تتعجل الحكم، اهتم بعض أفرادها، أو جماعة أخرى تستهدف هذه الغاية بالقمة، معتقدة أن الحكم الإسلامى قانونا وتطبيقا لا يعود إلا بالاستيلاء بسرعة على السلطة القائمة، وقتل الحكام الذين تربوا فى أحضان الاستعمار، لأنهم فى نظرها كفار بطريق مباشر أو غير مباشر، صراحة أو ضمنا، وكان من أثر هذا الاعتقاد انحراف فى السلوك، أدى إلى قتل واغتيال وتخريب وفتنة، راح ضحيتها أبرياء».
واستطرد الإمام الراحل جاد الحق على جاد الحق فى تعداد جرائم الإخوان وانحرافاتهم، وبحسب ما ذكره فى كتابه فقد أورد قائمة من الحوادث المقطوع بثبوتها فى حق الإخوان، وقال: «نسجل للتاريخ بعض هذه الأحداث فيما يلى: اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى 1948، واغتيال رئيس جماعة الإخوان حسن البنا فى 1949 كرد فعل على اغتيال النقراشى، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر سنة 1954، وقتل بعض طلبة الكلية الفنية العسكرية فى إبريل 1974، واغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977، وترتب عليه إعدام رئيس جماعة التكفير والهجرة وخمسة ممن عاونوه، واغتيال رئيس الجمهورية محمد أنور السادات يوم 6 أكتوبر 1981» مؤكدا فى كتابه أن تلك الحوادث وغيرها، من أهم مظاهر العنف التى ترتبت على التطرف الدينى فى الفكر والأسلوب، الذى اعتمدته جماعة الإخوان منذ نشأتها فى عشرينيات القرن الماضى.
محمد الغزالى: لديهم عصبية عمياء وجددوا سياسة الخوارج
محمد الغزالى
كان محمد الغزالى عضوا فى الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، وعضوا فى مكتب إرشاد الجماعة خلال عهد المرشد الثانى حسن الهضيبى، قبل أن يستوثق من زيف دعاوى التنظيم، فيُقرر الانشقاق والخروج عليه، بل وكتب أكثر من مرة مُحذّرًا من الإخوان ومنهجهم، ومن أبرز ما كتبه فى الهجوم على الجماعة الإرهابية ما تضمنه كتابه الشهير «من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث».
فى كتابه الشهير، يقول الغزالى: «عزّ علىّ أن تتجدّد سياسة الخوارج مرة أخرى، وأن يُلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، فيُلعَن أهل الإيمان ويُترَك أهل الطغيان. وبم؟ باسم أن القائد وبطانته لهم حق السمع والطاعة، بيد أن تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس! أىّ إسلام هذا؟ ومَنْ من علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟ وكيف تُلبسون الدين هذا الزىّ المنكر؟ وهيهات.. فقد تغلغل هذا الضلال فى نفوس الناشئة؛ حتى سأل بعضهم: هل يظن المسلم نفسه مُسلمًا بعدما خرج من صفوف الجماعة؟».
وأضاف الشيخ الذى تتمسّح الجماعة فى ردائه حتى الآن، متجاهلة ما خطّه فى فضح التنظيم وجرائمه: «يؤسفنى أن أقول إننى كنت إذا صارحت بأن للإخوان أخطاء، وجدت العيون تحمرّ، والوجوه تثبت، وكأنى كفرت، إنها عصبية عمياء، إنه لا حرج أبدا من اختلاف وجهات النظر، لكن لا يجوز لصاحب رأى ما أن يحسب نفسه المتحدث الرسمى باسم الله ورسوله، وأن من عداه خارجون على الإسلام، بعيدون عن الحق.
قد تستطيع عصابة من الناس أن تخطف حكما بالاغتيال والنسف، أو بالاحتيال والعسف، بيد أن نسبة هذا الحكم لله حمق كبير.
من حق العقلاء أن يمقتوا الدين، وينبذوا تعاليمه، يوم يكون مرادفا لجمود الفكر، وقسوة الطبع، وبلادة العاطفة، ويوم يكون استيلاؤه على زمام الحياة عودة بها إلى الوراء، وتغييرا لفطرة الله. يومئذ لن يكون دينًا من عند الله، بل أهواء من عند الناس، ولن يكون السير عليه تقوى ومثوبة، بل معصية وعقوبة».
وكرر «الغزالى» هجومه الحاد على الجماعة الإرهابية فى كتابات عديدة، وروى عدة وقائع تفضح التنظيم وأفكاره ووسائله غير المستقيمة، أبرزها لقاؤه مؤسس الجماعة حسن البنا قبل اغتياله بيومين، وشهادته على ندم الرجل بسبب اشتغالهم بالسياسة.
إذ قال فى كتابه «الغزالى السيرة والمسيرة»: «القدر جعلنى ألقى البنا قبل أن يُقتل بيومين، وكنت أسكن فى درب سعادة، ومشيت إلى ناحية الاتجاه القبلى، فإذا البنا من درب الجماميز ذاهب إلى دار الشبان المسلمين، قابلته واحتضنته، وكأنّنى احتضنت شمّاعة ملابس، فأصبح نحيفًا جدًّا، أحس فزعى فقال: كيف حال إخوانك، وقال أسماء المعتقلين اسمًا اسمًا، ثم قال الكلمة التى ذكرتها فى بعض كتبى: ليس لنا فى السياسة حظ، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعُدت بالإخوان إلى أيام المأثورات. وهذه تعطى فكرة للتيارات التى فرضت على الجماعة الاشتغال بالسياسة، فكانت تيارات عاصفة».
الشعراوى: يعشقون الحكم ولا يتجاوز الإسلام حناجرهم
الشعراوى
انضم الشيخ محمد متولى الشعراوى، إلى جماعة الإخوان فى ثلاثينيات القرن الماضى، وكان خطيب التنظيم الأبرز، وكتب شعرا فى مدح مؤسس الجماعة حسن البنا، لكنه كما هو الحال مع كل سابقيه من أصحاب الرأى والوعى، خرج من التنظيم بعدما تأكد له انحرافه، وأن الإسلام لديهم لا يتجاوز الحناجر.
كان إمام الدعاة قاطعا فى رأيه بشأن جماعة الإخوان الإرهابية، إذ قال نصا: «إن أعدائى هم الشيوعيون والإخوان المسلمون»، وبعدها بسنوات طويلة سُئل الشيخ الشعراوى عن رأيه فى حوار صحفى أجرته معه مجلة المصور، فأقر بقوله ولم ينكره، موضحا الأمر بالقول: «الإخوان لا يسمعون الإسلام إلا من حناجرهم.. إن قام واحد ليقول فى الإسلام وليس منهم فلا يسمعون حديثه.
قصة «الشعراوى» مع الإخوان ثرية ومليئة بالتفاصيل والمحطات، عاينها الرجل بنفسه وعن قرب، فسمحت له أن يُكوّن وجهة نظره عن الجماعة بنفسه، نظرا لأنه كان عضوا بالتنظيم، ويقول الشعراوى فى واحد من آرائه: «فى 1938 أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا، إذ كنت أعتبر الاحتفال بذكراه احتفالا بذكرى وطنية، وألقيت قصيدة امتدحت فيها زعماء الوفد، فغضب حسن البنا، وبعدها فى جلسة مع مجموعة من الإخوان فيهم البنا، لاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا، وفوجئت بأحد الحاضرين يقول: إن النحاس هو عدونا الحقيقى، أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى! كان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لى، ولم أكن أتوقعه، وعرفت أن المسألة ليست مسألة دعوة وجماعة دينية، وإنما سياسة وأغلبية وأقلية وطموح إلى الحكم، وفى تلك الليلة اتخذت قرارى بالابتعاد، وقلت: سلام عليكم، مليش دعوة بالكلام ده».
هناك فصول أخرى فى قصة الشعراوى مع الإخوان، شاهدها بعينه وتحدث عنها ورواها بنفسه، تشمل خلافات الجماعة وإلى أى مدى يمكن أن تصل. ويقول عن هذا: «رأيت بعينى عبد الرحمن السندى وهو يزق الشيخ حسن البنا ويكاد يُوقعه على الأرض، لولا تساند البنا على من كانوا يقفون خلفه، وكان ذلك فى مقر الإخوان بالحلمية».
كان «الشعراوى» رافضًا لانضمام نجله سامى إلى الإخوان، وحذره منها، ويروى الحكاية بقوله: «سامى كان فى الإخوان، فقلت له بعدما شاهدت التحول الذى طرأ على الجماعة: أنت أخذت خير الإخوان، فابتعد وحجّم نفسك، لأن المسألة انتقلت إلى مراكز قوى، وإلى طموح فى الحكم، وفعلا سمع كلامى وابتعد، وما زال الإخوان متمعشقين فى حكاية الحكم».
لم يكن هذا الرأى للشيخ الشعراوى فى جماعة الإخوان وحدها، وإنما فى كل الجماعات التى أسمت نفسها «إسلامية»، فقد حذر إمام الدعاة من كل تلك الدعوات المنحرفة، وقال للناس: «لا تلوّنوا الماء حتى لا تفسدوه، ولا تلوّنوا الإسلام حتى لا تصنعوا منه شيئا آخر، إذا تلوّن الماء لا يصبح ماء، فلا تُلوّن الإسلام بأى مذهب».
نصر فريد واصل :خوارج مُغيّبون خانوا الله ورسوله
نصر فريد واصل
كان للدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، موقفا واضحا من جماعة الإخوان، أعلنه بوضوح بعد عزل محمد مرسى فى العام 2013، واعتصام أنصاره فى رابعة العدوية و،هضة مصر، إذ طلبت منه الجماعة وقتها التوسط لحل الأزمة، لكنه اشترط عليهم بحسب روايته الاعتراف بخارطة الطريق، وبعد فض الاعتصام وأحداث المظاهرات والتخريب أعلن رأيه بوضوح، فى حوار سابق أجراه مع «اليوم السابع» فى يناير 2014.
قال «واصل» فى رأيه الواضح عن الجماعة الإرهابية: «ما يحدث الآن من ادعاءات الدفاع عن الشرعية، بالخروج على الدولة بالعنف والمظاهرات والتعدى على الجيش والشرطة، يخرج تماما عن حدود الشرعية والشريعة والدين والدستور، لأن الإسلام يأمرنا بتحقيق الأمن، وشرعية الرئيس مدنية اكتسبها بانتخاب المواطنين له، وليست خلافة من الله، وعندما يخرج الشعب بسلمية ويطالب بتغيير الحاكم، فلا بد من أن يخضع الرئيس لهذه الإرادة التى أتت به، حتى لا تحدث فتنة ويقتل الناس بعضهم، وما حدث فى 30 يونيو هو نفس ما حدث فى 25 يناير، وكان يجب أن يخضع الرئيس لهذه الإرادة، ويعود للشرعية المدنية بإجراء انتخابات مبكرة، أو الاستفتاء على بقائه، لكنه أصر على موقفه، فأسقطه الشعب. وما حدث مع مرسى هو ما حدث مع مبارك».
وأعلن مفتى الجمهورية الأسبق رأيه فى مظاهرات الإخوان بالقول: «ما يحدث فيها تعطيل للعلم والأمن فى الجامعات والشوارع، وكل هذا خروج وإفساد فى الأرض، فالتغيير يكون بطرق سلمية، وبالكلمة عن طريق الإعلام والصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، ولا بد من أن يبتعد كل البعد عن العنف وتعطيل المصالح والكلمات الفاسدة والاستقواء بالخارج، لأن كل هذا يُعدّ خروجا على الإسلام، وإفسادا فى الأرض. وما يحدث فى الجامعات يؤكد أن الطلاب مغيبون، والذين يخرجون الآن عن الوسائل السلمية من طلاب جامعة الأزهر، التى تُعبّر عن وسطية الإسلام، يشوهون الأزهر والعلم الأزهرى أمام العالم، ويُلصقون تهمة الإرهاب بالإسلام، وهؤلاء الطلاب خانوا أمانة الدين والعلم وخانوا الله ورسوله».
وعن رأيه فيما يخص انطباق وصف الخوارج على الإخوان، قال واصل: «الخوارج خرجوا على الأمة، وعلى الشعب بمجموعه، والذين لا يسيرون على المنهج السلمى الذى ارتضته جموع الشعب فى خارطة الطريق التى تحدد المستقبل بطرق سلمية، وكل من يخرج على هذا ينطبق عليه وصف خوارج، فالخوارج يكون خروجهم عن الإجماع بالكلمة، وإن اقترن هذا الخروج بالسلاح والعنف فهو فساد فى الأرض»، وانتقد مواقف القرضاوى الداعمة لإرهاب الإخوان بالقول: «أشعر بالأسف لمواقف الشيخ القرضاوى الخطيرة، ولم أكن أتوقع أن يقوم باستدعاء القوى الخارجية وتحريضها على الجيش المصرى، والتحريض على العنف والقتال وخروج الجنود على القيادات، وأرى أنه إما لا يدرك ما يحدث فى مصر لأنه لم يكن يعيش فيها، ولم ير الواقع والحقيقة، فهو مخدوع وتم التدليس عليه، أو أنه حكم واجتهد اجتهادا خاطئا».
الاخوان يحملون الاسلحة بمصطفى محمود
وعبر المفتى الأسبق عن موقفه عن فض اعتصام رابعة الإرهابى، قائلا: «ما حدث للأسف كان يجب أن يتم لسد الذرائع، حيث قال تعالى «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، فعندما وصل المشهد فى رابعة إلى هذه الصورة من تعطل المصالح، والمتاريس التى لا تكون إلا فى حالة حرب مع الأعداء، ومع الرفض التام لكل دعوات فض الاعتصام حتى تسير الحياة ونمنع العنف والاقتتال، أصبح فض الاعتصام ضروريا، ونحن لا نرضى بقتل نفس واحدة أو إراقة أى دم من الطرفين، لكن الذى كان سببا فى ذلك هو من امتنع عن فض الاعتصام، ومن كان بيده الحكم الذى كان يجب عليه تحقيق الأمن والسلام، سواء أثناء توليه الحكم أو بعد أن اختار الشعب أن يخلعه، وألا يجعل القتال والصراع بادعاء الدفاع عن الشرعية بديلا لوجوده على كرسى الحكم، وهذا أمر لا يقرّه الشرع، فالعناد والتمسك بالرأى هو الذى دفع السلطة لفض الاعتصام، وكان يجب على جماعة الإخوان أن تفض الاعتصام حتى تحقن دماء الطرفين، الشرطة والمعتصمين، حتى لا ندخل فى الفتنة، ولو حدث أى تجاوز أثناء هذا الفض، فلا بد من حساب المتجاوز، حتى يأخذ القضاء الحقوق لأصحابها».