على وقع مظاهرات واحتجاجات فى بيروت والعديد من المدن اللبنانية، تتعالى الهتافات فى ساحات لبنان من كل الطوائف الرافضة لورقة إصلاحات الحكومة الاقتصادية بقيادة سعد الحريرى، حيث جمعت الميادين طوائف الشعب اللبنانى على قلب رجل واحد، وغابت الأعلام الحزبية وبقى علم بلاد الأَرز وحده بيد المحتجين، وبالتوازى مع ذلك هناك سياسيون خلف الأبواب المغلقة يبحثون عن الحلول للخروج من الأزمة، وجيش يتضامن مع الحراك الجماهيرى يساعد فى فتح الطرقات التى قطعها محتجون بالإطارات المشتعلة ونصبوا بها خيام المبيت، هذا هو المشهد فى لبنان مع التظاهرات التى اشتعلت شرارتها يوم الخميس 17 أكتوبر الماضى.
«اليوم السابع» سعت إلى البحث عن إجابات للعديد من التساؤلات حول أبعاد الموقف فى الساحات اللبنانية وفى غرف التفاوض، والتقت الدكتورة علا بطرس المستشارة السابقة بوزارة الخارجية اللبنانية، وأستاذة العلوم السياسية، التى أماطت اللثام عما يدور فى الساحة السياسية اللبنانية فى الحوار التالى:
بداية ما الذى أوصل الأمور فى لبنان إلى حافة انفجار الشارع منذ ٥ أيام؟
يعيش لبنان أزمة اقتصادية - اجتماعية خانقة وهى نتيجة تراكم طويل من عدم وجود سياسة اقتصادية تحقق التنمية، ونتيجة طبيعة الاقتصاد الريعى وهشاشته بفعل انخفاض التصدير والحصار والعقوبات الاقتصادية على القطاع المالى والنقدى وعدم وجود استثمار أجنبى يحفّز النمو.. كل ذلك أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع نسبة البطالة والهجرة خاصة فى صفوف الشباب، وقد أدت الأزمة إلى إيقاف القروض الميسرة المعروفة بـ«الإسكان» المدعومة حكوميًا، ناهيك عن بلبلة حيث تداعى المواطنون أمام محطات الوقود والمصارف مؤخرًا بخصوص نقص السيولة بعملة «الدولار» فضلًا عن تأثير هذا النقص على استيراد الأدوية والقمح والنفط.
أيضًا أخرّت التجاذبات السياسية بين الأطراف المشكّلة للحكومة تنفيذ حزمة الإصلاحات الواردة فى مؤتمر «سيدر» بتحفيز الاستثمارات وبخلق فرص عمل موعودة ما يعزز النمو الذى تدنى إلى ما دون الصفر، وعمدت الحكومة إلى فرض ضرائب على المواطنين وآخرها الضريبة التى عُرفت بضريبة الواتس آب، ما أجج الشارع خاصة فى ظل تقاذف اتهامات بالفساد بين الأطراف السياسية دون أى إدانة، والعجز فى الحوكمة لا سيّما ما ظهر فى أزمة الحرائق. وهذا ما أدى إلى فقدان الثقة التدريجى بين المواطنين والسلطة السياسية وصولًا إلى اليوم.
وماذا عن «ورقة الإصلاحات» خاصة أنه بدا من الساعات الأولى لطرحها أن الحراك الشعبى فى لبنان غير مقتنع بها؟
رزمة الإصلاحات جيدة لكن الشارع فقد الثقة لأنه يريد أفعالًا.إذن ما هى الخطوة التى تعتقدون أن الحكومة قد تتخذها حال تصاعد الاحتجاجات؟ وهل الاستقالة واردة برأيك؟
إلى الآن، هناك توجه واضح لدى القوى السياسية بعدم الاستقالة، من منطلق عدم التهرب من المسؤولية وذلك بحسب رأيهم، لكن إذا استمرت الاحتجاجات بهذه الوتيرة مع تقطيع الأوصال والشلل العام فى البلاد يصبح الموضوع أكثر تعقيدًا لأن المتظاهرين يطالبون بأكثر من إصلاحات بل بتغيير النظام وهذا إلى حد ما غير واقعى فى لبنان على المدى المنظور الذى تحكمه مؤسسات سياسية تشكلت وفق توازنات دقيقة بمعايير طائفية.فى أى اتجاه سياسى يسير لبنان بعد سادس يوم احتجاجات وقطع طرقات؟
يبدو أن الأطراف السياسية المشكّلة للحكومة باستثناء القوات اللبنانية التى استقالت مقتنعة أنه يجب العمل على إقرار الإصلاحات، وهو ما كان يطالبها به المجتمع الدولى، وآخرها زيارة السفير دوكين إلى بيروت ولقاء ماكرون - الحريرى فى باريس للحصول على أموال «سيدر».البعض يقول إن بلادكم تعيش أزمة سياسية ألقت بظلالها على الأزمة الاقتصادية.. هل هذا صحيح برأيك وتتفقين معه؟
هناك أزمة مركبة سياسية - اقتصادية، وقد تطرقنا إلى الأزمة الاقتصادية فى جوابنا السابق، أما الأزمة السياسية فهى من جهة انعكاس الصراع الإقليمى على لبنان بانسحاب الودائع الخليجية من المصرف المركزى وبعدم ضخ الأموال لدواع استثمارية، فضلًا عن العقوبات الأمريكية على القطاع المصرفى، إضافة إلى تداعيات الحرب فى سوريا لجهة كلفة النزوح واللجوء على البنى التحتية والخزينة العامة فضلًا عن الهشاشة بين القوى السياسية نفسها المشكلة لحكومة مفترض أنها وحدة وطنية والتى تعصف بها الأزمات السياسية ومنها حادثة «قبرشمون»، بالإضافة إلى عدم التوافق فى مواضيع حيوية ومنها الكهرباء والنفايات.هل تعتقدين أن عدم اتفاق كل القوى السياسية على الورقة الإصلاحية كحزب القوات اللبنانية والتقدمى الاشتراكى سيعرقل الأمور ويعقد الأزمة؟
الأزمة أبعد من القوى السياسية نفسها، فالحزب الاشتراكى جزء من السلطة، بعض من بنوده أخذ بها كما أن القوات قررت الاستقالة، والأزمة هى عدم ثقة الشعب بالسلطة السياسية ويجب إيجاد حل.إلى أى مدى ترين أن مطالب الشارع يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟ وهل هذه مهمة شاقة أمام أية حكومة حتى لو كانت حكومة تكنوقراط؟
إسقاط النظام بالمطلق معقد فى لبنان، فكيف السبيل إلى تحقيق المطالبة الخاصة بإجراء انتخابات مبكرة ووفق أى قانون يتم ذلك؟! ومن سيقره؟.. هنا سنعود إلى النقطة الأساس وهى أن مجلس النواب الذى انتخب منذ سنة ونصف هو من سيقره، كما أن القانون حتى يُنجز يحتاج إلى توافق القوى السياسية التى بقيت سنوات تتنازع بين قانون أكثرى المعروف بـ«قانون الستين» أو «القانون النسبى»، وبالتالى فتركيبة السلطة معقدة.
أما تأليف حكومة تكنوقراط كليًا أو جزئيًا فهى خطوة ممكنة لكن فى ظل توافق القوى السياسية نفسها لأن النظام المعمول به فى لبنان قائم على قاعدة أنه وفق حجم الكتل النيابية تتحدد النسبة الخاصة بها فى الحكومة.
والنظام الحالى يعتمد على اتفاق الطائف وهو قائم على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لذلك ربما يقصد المتظاهرون بطلبهم تغيير النظام أى تغيير الوجوه التى يحملونها مسؤولية المحاصصة والفساد وعدم الشفافية.