ربما تمثل "الحداثة" أهم التحولات الفكرية التى نتجت فى مسيرة التاريخ الإنسانى، والذى حول مسيرة الإنسان إلى العلم والمعرفة، وكانت طريقا لانتشار العلوم الكبرى "الفلسفة، والتاريخ والسياسة"، وكانت نتيجة مسار واع ظهر فى عصر النهضة، حول الحضارة الأوروبية من عصر الحكم الدينى، إلى عصر التنوير والثورة الصناعية.
وفى كتاب "ملفات فكرية في الدين والحداثة والعلمانية" تأليف صلاح سالم، الصادر عن سلسلة الدراسات السياسية والاستراتيجية، بالهيئة العامة للكتاب، رحلة فكرية داخل مفهوم الحداثة، ورؤية أكثر وضوحا حول مسيرة الجدل بين الدين والحداثة والعلمانية التى طرأت على الحضارة الأوروبية.
ملفات فكرية في الدين والحداثة والعلمانية
ويضم الكتاب اثنى عشر ملفا، نشر أغلبها فى الفترة من يونيو إلى ديسمبر 2015، بصحيفة الأهرام المصرية، حيث يتوقف المؤلف عند المحطات الكبرى في مسيرة الجدل بين الدين والحداثة والعلمانية سواء في سياق الحضارة الغربية "المسيحية" التي يمكن القول إنها أنجزت مهمتها على هذا الطريق وإن تبدت بعض المثالب تسعى إلى تجاوزها بنقد ذاتها أم في سياق الحضارة العربية إسلامية التي لا تزال تحاول السير عليه دون إنجاز حاسم يحول دونه الاستبداد اللعين والتطرف البغيض والإرهاب العدمي الذي أصاب معظم مجتمعاتنا.
ويسلط الكتاب الضوء على الجزء الخاص بالعلمانية، موضحا إنه رغم أن مصطلح "العلمانية" يحمل سمعة سيئة فى العالم العربى، ويكاد يربط بينه وبين الإلحاد، إلى درجة جعلته متستفزا للناس، مما دفع البعض باستبداله أو التغطية عليه بمصطلح الدولة المدنية.
ويرى الكاتب أن المجتمع الإسلامى، تحرك بشيء من العلمنة السياسية، منذ نهاية حكم الخلفاء الراشدين، فلن تكن هناك أى مؤسسة دينية مهيمنة سياسيا، بل على العكس بدت السياسة ميهمنة على فهم الدين، وفاعلة فى أغلب الصراعات التى دارت آنذاك.
ويوضح المؤلف تقسيم الإسلام للعلمانية، على العلمانية السياسة، وهى مقبولة والذى ينطوى عليها بدئيا، فيما يرفض ما يسمى بالعلمانية الوجودية، والتى نمت تلقائيا فى المجتمع الغربى فى عصر التنوير، وتصورت الدين على إنه نتاجا لخوف الإنسان الغريزى من الطبيعة، وليس نتاجا لوحى إلهى.
ولفت الكتاب إلى مفارقة وهى أن الحركات الجهادية المتطرفة التى ترفض المستوى الضرورى من العلمنة السياسية، هى نفسها التى تدفع إلى المستوى الأعلى منها "الوجودية"، صحيح أن أنصارها، لا يتبنون المقدمات النظرية للعلمانية الوجودية، ولا يبنون مقولاتها،، لكنهم يتورطون فى عمليا فى النتائج الأخلاقية التى تفضى إليها، فى طريقها إلى مناوئة نظام الحكم، بأشكال الطاغوت، وسرقة الحكم، وتعطيل الشرعية، وتستحل هذه الحركات القيم الأخلاقية، ويتجاوزن أحكام الشريعة، بقتل الأبرياء، واستحلال حرمة المال، التساهل فى الممارسات الجنسية، ويتبنون الزنا الصريح، فيما يعرف بجهاد النكاح، وهو من أكبر الكبائر التى تمارسها الجماعات الإرهابية مثل "داعش"، وهكذا تقود المعركة العبثية ضد العلمنة السياسية، باستحضار المستوى الاكثر خطورة وهو العلمنة الوجودية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة