"كان الإنساني البدائى فى غنى عن استخدام النقود، فقد عمد إلى القوة والسلب فى أخذ ما يحتاجه، ثم عرف مبادلة السلعة بالسلعة والمقايضة بين الحاصلات والمعادن الخام، هكذا قال المؤرخ عبدالله حسين فى كتابه "تاريخ ما قبل التاريخ" الصادر عام 1944م.
آسيا الوسطى أول من عرف العملات المعدنية
ظلت الحضارات القديمة تتعامل بهذا النظام "المقايضة"، ومع تطور العالم وتحكم فئات معينة في ثورات الطبيعة، جاء من هنا التفكير في سك نقود وعملات لمبادلة السلع، وبحسب الكتاب سالف الذكرى، فإن أول من استعمل النقود المعدنية هم أهالي ليديا بآسيا الصغرى، أول قطعة سُكت كانت في سنة 716 ق.م، أما عملة الذهب فالمعروف أن أول من أمر بسكها هو قارون "كروسوس" ملك ليديا في سنة 550 ق.م، أما الورق فقد بدأ التجار استعماله سكا في الصين وبعض الحضارات القديمة، ثم اتخذ منذ القرن التاسع عشر نقدا يقابل العملة المعدنية، ويحل محلها إلى ان أصبحت الغلبة في هذه القرن للنقود الورقية.
الذهب والفضة .. أثمن المعادن
هذا وكانت الماشية أداة التعامل، ثم اتخذت المعادن أداة للتبادل، لما فيها من الثقل والصلابة على هيئة سبائك بأشكال مختلفة، كحلى وأدوات أخرى، وكانت توزن عند كل عملية مقايضة، ثم استنبطوا قطعا معدنية منتظمة محدودة الوزن، ثم تعمد القدماء تحديد وزن القطع المعدنية أن يجعلوها ذات قيم صغيرة لتشد حاجة التبادل اليومي، وكانت الصفقات الكبيرة تدفع ثمنها إما بعدد كبير من هذه القطع الصغيرة من ثلاث معادن "الذهب، الفضة، النحاس، وإما بسبائك من هذه المعادن على هيئة قضبان ثقيلة الوزن توزن بالمين، والتالنت (وهى وحدة الموازين الكبيرة، التالنت = مينا".
مصر بدأت بـ مقاضية القمح والماشية
كانت الحضارات القديمة تتعامل بهذا النظام "المقايضة"، وذلك وفقًا لما يميز تلك الحضارة، وما يتوافر بها من ثروات، حيث كانت الحضارة المصرية القديمة تستخدم خلال عملية المقايضة "القمح والماشية"، ومع التطور الذى ساد على الحضارة المصرية فهم الناس أن هناك تفوات كبير بين المعادن وبعضها البعض، فكان النحاس يختلف عن القصدير والحديد يختلف عن الذهب وهكذا، فأصبح التبادل يتم من نفس نوع المعدن.
وينسب المؤرخ "بولكس" ضرب أول عملة للملك "فيدون" ملك أرجوس اليوناني أو الليديون ففي النظرية اليونانية أو "فيدون" أول من ضرب العملة من الفضة في اليونان الأوروبية على شكل سلحفاة بحرية.
ويوضح كتاب "الانهيار الكبير: حروب الذهب ونهاية النظام المالي العالمي" لويليم ميدلكوب، أنه منذ العام 700 قبل الميلاد والناس والثقافات جميعها تقريبا "المايا، الإنكا، المصريون، الإغريق، الرومان، البيزنطيون، ثم العرب والعثمانيون، ينظرون إلى الذهب والفضة على إنهما وسيلتان قيمتان للمقايضة، وشكل هذان المعدنان الثمينان أساس النظم النقدية فى أنحاء الأرض جميعا ولآلاف السنين، وقد يرجع سك أول نقد معدنى إلى الصين، وفى ذاته ظهرت النقود المعدنية في الغرب وفى الهند.
الإسكندر الأكبر منح الذهب مكانته العالية
ويشير الكتاب إلى أن من ربط بين قيمة العملة والذهب، كانوا القادة التاريخيون جميعهم، مثل الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر والإمبرطورأوغسطس، حيث عملوا نظاما ماليا يقوم على أساس الذهب، فالحفاظ على قيمة العملة هو مفتاح المحافظة على السلطة، وقد تم إرضاء الجنود بدفع أجورهم بعملات ذهبية أو فضية، وكلما كان يصار إلى تقويض العملة بالذهب كانت الإمبرطورية تتعرض لضغوط، حتى إم مؤشرات قوية تغزو سقوط الإمبرطورية الرومانية إلى انهيار عملتها، فقد أعقب زوال أهم موارد الدخل انخفاض العملة الرومانية بشكل ملحوظ وذلك فى الحقبة الممتدة ما بين 238 إلى 274م، نظرا إلى تقليل المحتوى الفضي فى العملة.
الدينار البيزنطى الأشهر فى العالم القديم
ويوضح الكتاب سالف الذكر أنه على أثر سقوط الإمبراطورية الرومانية لجأت أوروبا الغربية إلى اقتصاد منظم محليا، وعادت المقايضة أخرى إلى الوجهة، حيث استخدمت فى العصور الوسطى عملة بيزنطية ذهبية تدعى "صولدوس" أو "بيزنط" وتم التعامل بهذه العملة على نطاق واسع فى أنحاء أوروبا ودول المتوسط جميعها، وعلى الأرجح كان البيزنط أنجح عملة للتداول فى التاريخ.
وعقب انهيار الإمبراطورية البيزنطية وانتشار وباء الطاعون الدبلة وسلسلة الانهيارات المالية التى عصفت بأوروبا، استبدل البيزنط بوصفه عمله مالية بقطع قضية من البلدان الأوروبية، وحتى عام 1550م، ودفع اكتشاف مخزون كبير من الذهب فى أمريكا اللاتينية فى القرن السادس عشر إلى تطور معيار فضي عالمي، استمر قرابة 400 قرون، وبما أن الفضة كانت أقل من الذهب كانت أستهل في التعامل لشراء الحاجات اليومية، وقد اعتمد معيار الفضة من قبل الولايات في عام 1785م.
لكن الحقبة من 1750 إلة 1870م، شهدت الكثير من الحروب فى القارة الأوروبية، واتجهت كميات كبيرة من الفضة شرقا ما سبب اختفاء عدد من معايير الفضة مع الزمن.
الذهب يسيطر على العالم ف القرن الـ19
وهنا عاد العالم لربط العملة بالذهب، ويرى المؤلف أن الذهب يوفر الأمان النقدى وهو السلاح الأهم فى مواجهة انخفاض قيمة المال، ويؤمن معيار الذهب الحرية الاقتصادية للمواطنين، ومع انخفاض الفضة، اعتمدت المملكة المتحدة "معيار الذهب" عام 1816م، وسرعات ما التحقت بها كندا 1853م، والولايات المتحدة 1873م، وألمانيا حيث أصدر المارك الذهبى الجديد عام 1872، وازدادت شعبية معيار الذهب بصورة متزايدة فى القرن التاسع عشر، واستقر الأسعار لمدة طويلة بفضل التأثير الانضباطى المالى الذى يوفره معيار الذهب، لم تشهد انجلترا مثلا أى تضخم خلال مائتى عام حتى إنهاء التعامل بمعيار الذهب عام 1914.
ويشير المؤلف إن الفترة من عام 1850 إلى 1914 لم تشهد أى حروب كبيرة بفضل المعيار الذهبى، وبقيت قيمة الدولار مستقرة طيلة مدة اعتماد الولايات المتحدة معيار الذهب.
وكان بداية تخلى الدول عن الذهب عام 1914، لتسهل الدول على نفسها طبعاة المال اللازم للحرب العالمية الاولى، لأن حكومات أزمنة الحرب تعلم إنها غير قادرة على تمويل الحرب عن طريق زيادة الضرائب أو الاقتراض من المصارف، وواصل الضخ المفرط للمال فى الانهيار الاقتصادى الذى ضرب أوروبا عام 1929.
فيما أثر نظام معيار الذهب على قدرة كبرى الشركات على طباعة المال اللازم لتزويد الشركات بقروض، وأمام العجز التجارى الكبير، فإن احتياطات الذهب تنضب، وهذا ما واجهته الولايات المتحدة فى ظل حرب فيتنام، ولم تكن تسطيع قابلة للاستبدال عملتها بالذهب، واضطرب للانسحاب هى الأخرى عام 1971.
ومنذ إلغاء الغطاء الذهبي من على عملة الدولار الأمريكي، اختفى (النقد المعدني) وأصبحت المعاملات بما يسمى (العملة الورقية) المطبوعة باتت مبنية على مفاهيم أخرى، ويوضح المؤلف أن النظام المالى الذى لا يقوم على دعم المال بمعادن ثمينة مثل الذهب والفضة، يمكن المصارف من ضخ كميات غير محدودة من المال عن طريق قروض جديدة، حيث يتم إصدار المال ائتمانيا "دين جديد" وإذا ما سددت القروض جميعها فلا يبقى أثر للمال، لإن هناك فائدة يجب تسديدها عن كل قرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة