الكل يتمنى أن تنخفض الأسعار، وتدور فى معدلات طبيعية ومقبولة، لينعكس ذلك على جودة الحياة التى يعيشها المواطن، إلا أن انخفاض أسعار بعض السلع بدأ يقلق البعض ويدفعهم إلى إثارة الشائعات هنا وهناك، والدفع نحو استعادة المكاسب الخيالية التى كانت تتحقق على مدار السنوات الماضية، خاصة بعدما تدخلت الدولة لضبط الأسعار والتوسع فى فكرة المنافذ والمجمعات الاستهلاكية، والبيع للمستهلك بسعر الجملة.
دعنا نقترب من الفكرة أكثر وندخل فى صلب الموضوع، وهو أسعار اللحوم، التى وصلت إلى انخفاضات بمعدلات 30 إلى 40% خلال الشهرين الماضيين، مدفوعة بالعديد من الأسباب، أهمها استعادة الجنيه لجزء من قيمته الشرائية، بالإضافة إلى التوسع فى استيراد اللحوم السودانية ورؤوس الماشية الحية من هناك، الأمر الذى كان له بالغ الأثر على تراجع الأسعار.
على مدار الأيام الماضية بدأت الشائعات تتناثر هنا وهناك أن حمى الوادى المتصدع التى تصيب الماشية، ظهرت فى دولة السودان الشقيق، الأمر الذى يستوجب ضرورة وقف الاستيراد من السودان، وعمل برامج وقائية احترازية لمنع تفشى المرض إلى داخل مصر، وهذا وفق تصريحات من مسئولين بوزارة الزراعة المصرية، المسئولة عن المحاجر البيطرية التى تسمح بدخول أى حيوانات أليفة مستوردة إلى مصر.
السؤال: وما المشكلة المترتبة على غلق باب الاستيراد من السودان ؟! الإجابة الواضحة: ستعاود أسعار اللحوم فى الارتفاع مرة أخرى، وتتمكن السلاسل التجارية والوكلاء الذين يعملون فى مجال استيراد اللحوم من دول إفريقية وأوروبية وأمريكية تحقيق مكاسب خيالية وأرباح طائلة، إلى جانب تمكينهم من إخراج ما لديهم فى الثلاجات العملاقة وتصريف منتجات اللحوم بهامش ربح معقول خلال شهرين أو ثلاثة حتى يعود فتح باب استيراد الماشية من السودان مرة أخرى، دون أن يهتم أحد بالمواطن، ذاق مرارة الأسعار أو لم يأكل اللحوم، فلسان حالهم "المهم نكسب وأى حاجة تانية سهلة"، إلى جانب أن الموضوع يصب فى مصلحة مزارع الدواجن العملاقة التى سيرتفع الطلب عليها بصورة غير مسبوقة، حتى تخرج من دوامة هبوط الأسعار التى انخفضت معها الأسعار لنحو 40% فى أقل من شهر ونصف.
هل فعلا حمى الوادى المتصدع فى السودان منتشرة بصورة وبائية ؟ الإجابة لا .. وليس معنى ظهور حالات أن المرض تحول إلى وباء أو يشكل خطورة على الثروة الحيوانية، فالأمر لا يستدعى غلق باب الاستيراد، خاصة أن دور المحاجر البيطرية الكشف والمراجعة والتأكد من سلامة الماشية التى تدخل البلاد، دون أن يترك الموضوع للتقديرات والأهواء التى تحركها المصالح هنا وهناك.
التصريحات الجاهزة حول انتشار حمى الوادى المتصدع فى السودان، ذكرتنى بنفس التصريحات التى كانت تتحدث عن مرض الجلد العقدى الذى أكل الثروة الحيوانية فى الصعيد ووجه بحرى على مدار العامين الماضيين، وقد كانت وقتها أن المرض محدود ولم يؤثر على الثروة الحيوانية وحملات التحصين تعمل بقوة، فى حين أن الحقيقة لم تكن كذلك.
بالطبع هناك مصالح لأفراد وشركات فى استيراد اللحوم المجمدة أو المبردة من دول إفريقية عديدة، وهذه المصالح تتأثر بالطبع باستيراد الماشية الحية، بما يؤكد أن أصحاب المصالح سيتحركون بقوة ليقفوا أمام قرارات الاستيراد سواء من السودان أو غيرها، ويجب أن تتنبه الأجهزة الرقابية لهذا الأمر، لأن الوضع لا يحتمل التلاعب بأقوات الفقراء، الذين بدأوا يحصدون الثمار من انخفاض الأسعار وتراجع السلع الأساسية وتوافرها فى الأسواق، وقد نتفهم أن البعض يتحرك بحسن نية، ولكن احذروا وتحملوا المسئولية تجاه هذا البلد.
عدد الردود 0
بواسطة:
medhat
احسنت
مقال هادف وممتاز نوعيه التوعية بمخاطر الحيتان المتربصة بالدولة